كتب: محمد سويد أمام سيناريوهات تفكيك الدول التى باتت دافعا نلمسه فى محيطنا العربى والإقليمى، ظلت مؤسسات الدولة فى مقدمتها القوات المسلحة، كلمة السر التى تحطمت عليها أطماع من أرادوا لمصر وأهلها الشر.. ولعل الدور الذى قام به الجهاز المصرفى المصرى لحماية الاقتصاد المصرى من الانهيار يجسد هذا المعنى الحقيقى لتماسك مؤسسات الدولة المصرية. وعلى قدرها كان اختيار طارق عامر محافظا للبنك المركزى، والذى واكب عودته لهذا الملف انهيار تدريجى فى الاحتياطى النقدى الذى وصل أدنى مستوياته، وتراجع تحويلات المصريين فى الخارج وعائدات السياحة، وما ترتب على ذلك من انتعاش للسوق السوداء للدولار، وتوقف الكثير من المصانع، واختلال الميزان التجارى، وزيادة معدلات التضخم..إلخ آنذاك.. لم يكن خافيا على أعداء الوطن، وتابعى جماعة الإخوان الإرهابية فى الداخل والخارج أن هز ثقة العالم فى الاقتصاد المصرى ومحاصرة الدولة المصرية اقتصاديا أسهل الطرق لاختطاف إرادة الشعب التى حررتها ثورة 30 يونيو 2013، فكثفت من عملياتها الإرهابية للادعاء بعدم استقرار الداخل . على باب تلك الثغرة كان طارق عامر محافظ البنك المركزى رجل دولة وجراحاً ماهرًا فى المواجهة غير التقليدية، والعرض الأمين بحلول جريئة على القيادة السياسية لمشكلات أصبحت جزءا من واقعنا، لم يجرؤ نظام سياسى سابق على معالجتها، فكان القرار الأخير للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى نحى الرضا الشعبى المؤقت جانبا، وفضل المصارحة على المواربة، والمواجهة على الانسحاب؛فأعطى للحكومة والمحافظ الضوء الأخضر صباح الخميس 3 نوفمبر 2016، لتحرير سعر صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه، فأثبت الشعب المصرى أنه على قدر المسئولية فى التفهم، وتحمل تلك الإجراءات الصعبة، بينما خاض المنتفعون وتجار الأزمات معركة أكثر ضراوة فى الإعلام، وتحولت السوشيال ميديا آنذاك إلى مسرح هزلى للتنكيت والتبكيت، فجاءت مفاوضات قرض صندوق النقد الدولى بما لا يشتهى أهل الشر وتدفقت شهادات المؤسسات المالية العالمية ثقة فى الاقتصاد المصرى الذى بدأ طريقه إلى التعافى. مر عام أو يزيد على التعويم، استمعت واستمع الجميع إلى تجربة المحافظ الأكفأ فى مؤتمر «حكاية وطن» ليروى لنا شيئا مما جرى قائلا: «إن الاستثمار الأجنبى لم يكن يأتى إلى مصر فى ظل وجود سعرين للعملة فى السوق، وبسبب تثبيت أسعار الصرف، هربت العملة من البنوك لافتا إلى أن الاستمرار فى هذه السياسة يعنى دمار الاقتصاد المصرى، فكان من المهم أن ندافع عن المنتج المصرى، ونعيد بناء المنتج المحلى والصناعة المحلية دفاعا عن الاقتصاد، لكن لم نستطع أن نلغى الاتفاقيات الدولية، والتغيير فى سعر الصرف هو عملية حماية كاملة للصناعة المحلية ضد الاستيراد من الخارج»، مضيفا:«ما تم من تغيير محورى فى الأوضاع النقدية للدولة، بعد أن كنا فقدنا تماما القدرة على جذب النقد الأجنبى، دخل مصر فى عام واحد أكثر من 95 مليار دولار، والعالم لم يصدق أن مصر أصبح لديها القدرة والجرأة والقرار السياسى أن تتخذ قرارا مثل هذا، وهو عمل فريد لأن الثقة فى الاقتصاد المصرى تغيرت تماما». وها هو الاستثمار الأجنبى يضع بالدولة 20 مليار دولار فى خلال 8 أشهر وترتفع أصول البنوك المصرية إلى 5 تريليونات جنيه، فزادت القروض للقطاع الاقتصادى ب660 مليار جنيه خلال 4 سنوات هذه الأرقام لم تحدث فى تاريخ مصر. واليوم أصبح وضع مصر النقدى جيدًا جدا ووصل الاحتياطى النقدى ل 37 مليار دولار، بجانب احتياطى البنوك المصرية الذى وصل إلى 10 مليارات دولار، وهذا كله جعل الخارج يطمئن إلى مصر لضخ استثماراته فيها، وكان عجز ميزان المدفوعات فى 2016 «20» مليار دولار، ووصل العام الحالى إلى 6 مليارات دولار، سيتم تمويله من الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يأتى فى حدود 8 مليارات فى العام، كما أصبح فائض ميزان المدفوعات «الحساب الرأس مالى» 25 مليار دولار، بعدما كان 5 مليارات دولار فى 2011، وهذا يثير انتباه كافة المحللين فى الخارج، ويقولون إن: «مصر الوجهة الأولى فى الاستثمار اليوم بين الأسواق الناشئة». كان النجاح حليف «عامر» على مدار 5 سنوات من العمل نائب أول للبنك المركزى استطاع خلالها تنفيذ برنامج إصلاح للقطاع المصرفى والسياسة النقدية، ومن بعده فى فترة رئاسته للبنك الأهلى التى توسع خلالها فى منح تسهيلات ائتمانية لعملائه، وقروض تجاوزت 100 مليار جنيه واستطاع خلال 4 سنوات من توليه المنصب زيادة ميزانية البنك بنحو 170 مليارًا، فوق ميزانيته الحقيقية، بحسب إحصاءات وبيانات البنك الأهلى الرسمية، واستطاع تحقيق أرباح صافية تجاوزت 2 مليار جنيه فى النصف الثانى من 2012، أى بعد عام ونصف العام من ثورة 25 يناير، كما حقق صافى عوائد من أنشطته المصرفية 5 مليارات جنيه مقابل 8.4 مليار جنيه عن العام المالى 2011-2012. وما يجعلنا أكثر تفاؤلا شهادة الكثير من الخبراء الماليين والمؤسسات الدولية، كون «عامر» من أقوى رؤساء البنك المركزى، على مدار تاريخه، إذ يستند إلى خلفية مهنية وعقلية اقتصادية قوية أهلته للفوز بلقب أفضل محافظ لعام 2017 فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقا لصحيفة جلوبال ماركتس، الصادرة عن الاجتماع السنوى للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وكذا اختيار اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية، طارق عامر بإجماع الآراء، «أفضل محافظ بنك مركزى عربى لعام 2017».