لم تكن جولة وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس الأخيرة فى منطقتنا مجرد زيارة استهلال يفرضها منصبه الجديد بقدر كونها زيارة يدشن بها المهمة الأساسية المكلف بها من قبل إدارة ترامب لتولى الملفات الأهم والتى ستحدد السياسات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط الكبير ذلك التعبير الذى ظهر خلال حكم بوش الابن / تشينى، وتوارى خلال فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما، وهى أيضا الجولة التى تمثل تمهيدا لزيارة سيقوم بها الرئيس الأمريكى ترامب للمنطقة ضمن أولى جولاته الخارجية الشهر المقبل. وهذا وإن كان لا يعنى تماما خروج نفوذ وزارة الخارجية الأمريكية من المشهد فإنه يمنح شخص وزير الدفاع الأمريكية صلاحيات أكثر وغير معتادة مسنودا بدعم مجلس الأمن القومى الأمريكى. إذا كانت عناوين الملفات التى حملها معه يتصدرها التعاون الأمنى فى مجال مكافحة الإرهاب وملف التعاون العسكرى قد رشحت تلقائيا الجنرال الأعزب ماتيس باعتباره وزير دفاع تاريخه كقائد للمنطقة المركزية وكمقاتل شارك فى معظم الحروب الأمريكية فى منطقتنا ومنها حرب الخليج الأولى عام 1991، وحرب غزو العراق ودوره معروف فى المعركة الشرسة بالفالوجا ناهيك عن مواقفه السابقة المناهضة بشدة لسياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط، لاسيما تجاه إيران. فإن منحه مساحة صلاحيات فى ملف حل القضية الفلسطينية يسند أخبار اعتزام دونالد ترامب الإعلان عن مبادرة سلام تحمل اسمه، لذا أرسل ماتيس الآن - وقبلها صهره - إلى إسرائيل تسبقه هدية من ترامب بقراره إعادة النظر فى الاتفاق حول النووى الإيرانى، حيث أمر ترامب بمراجعة تستمر تسعين يوما بشأن ما إذا كان رفع العقوبات من خلال الاتفاق النووى مع إيران سيصب فى صالح الأمن القومى الأمريكى، وذلك بناء على المراجعة التى أرسلها وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون إلى الكونجرس كى يتم تقييم ما إذا كان تعليق العقوبات بموجب الاتفاق النووى يصب فى المصالح العليا للأمن القومى الأمريكى. وذلك فى تلبية أمريكية صريحة لطلب قدمه وزير الأمن الإسرائيلى، أفيجدور ليبرمان للأمريكيين خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، وكلها أمور تستهدف ليس فقط طمأنة نتنياهو، بل الضغط عليه للتوصل لنوع من الحلحلة فى الموقف الإسرائيلى بشأن المفاوضات المزمعة وقبيل وصول الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى واشنطن للاجتماع مع ترامب فى الثالث من مايو المقبل. أيضا تصدرت مباحثات ماتيس مع المسئولين الإسرائيليين الخميس ومع نتنياهو الجمعة تطورات الأوضاع فى سوريا وتمدد النفوذ الإيرانى بالشرق الأوسط والاتفاق النووى الإيرانى والحرب على «داعش» وسائر التنظيمات المسلحة بالمنطقة. هذه العناوين لو أضفناها لكل وقفات ماتيس ومضمون مباحثاته فى مصر والسعودية وتصريحاته الموازية حول قضايا بعينها سنتمكن بسهولة من التعرف على الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأمريكية لإدارة ترامب فى منطقتنا، وبالتالى وضع تصور للمشهد العام الذى يتعين علينا توقعه فى المستقبل المنظور. وسنتوقف أولا عند زيارة ماتيس للمملكة السعودية والتى سبقتها تصريحاته المشددة تجاه إيران وسنجد توافقا معلنا وغير مسبوق منذ تولى ترامب الحكم، بالتوازى مع مناقشة الوضع بالنسبة لليمن ومساهمة مطلوبة من الرياض لدعم تمويل ومساندة التحالف بقيادة واشنطن للحرب على الإرهاب وأيضا إمكانية بيع ذخيرة ومزيد من السلاح الذكى الأمريكى للمملكة. أما زيارة ماتيس للقاهرة فحسب المحللين فى واشنطن فكانت بغرض سماع الرد المصرى النهائى حول تفاصيل سبق مناقشتها فى واشنطن بين قيادات البلدين وتحديدا حول الدور الذى يمكن لمصر القيام به كرأس حربة فى الحرب على الإرهاب وفى التحالف المزمع، حيث تأمل واشنطن أن يتسع الدور المصرى ليشمل التعاون فى نطاق جغرافى يشمل مناطق عمل القيادتين المركزية والأفريكوم الأمريكيتين، وحيث تمتد مصالح الأمن القومى المصرى بينما تكافح الإرهاب من شبه جزيرة سيناء شرقا وحتى ليبيا غربا، وأيضا جنوبا على مدى شاطئها على البحر الأحمر ومداخله وبالتأكيد فإنه لا يمكن تفويت الرسالة الضمنية التى عكستها التصريحات التى قالها ماتيس بعد مغادرته القاهرة وفور وصوله لتل أبيب قائلا: «إنه متفائل بتحسين الروابط العسكرية مع مصر» وأضاف: «غادرت القاهرة ولديّ ثقة تامة فى السبل التى لدينا للارتقاء بعلاقتنا العسكرية التى مثلت أساسا وطيدا وظلت صلبة كل هذه السنين»، جاء ذلك بالتوازى مع تصريحات أخرى لمسئول بوزارة الدفاع الأمريكية أعلن استئناف التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين «النجم الساطع»، بالإضافة إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصرى المبعوثين إلى الولاياتالمتحدة للقيام بدورات تدريبية. ويبدو أن تلك التصريحات جاءت فى أعقاب قراءة بيان الرئاسة المصرية عقب لقاء الرئيس السيسى بماتيس. وعودة لزيارة ماتيس للقاهرة سنلاحظ جميعا الحرص على أن تكون معه دينا حبيب باول المصرية الأصل وأحد البارزين فى الحزب الجمهورى الأمريكى وأيضا معروف علاقتها مع الديموقراطيين وتسبقها دوما شهرتها بعلاقتها الودودة مع الجميع بغض النظر عن الانتماء الحزبى حتى خلال فترة توليها فى السابق منصب المنسق بين قيادات الحزب الجمهورى والأعضاء الجمهوريين فى الكونجرس، ولعل تاريخ عملها فى إدارتى جورج بوش الابن بالبيت الأبيض والخارجية، حيث أشرفت على برامج رئيسية ومبادرات تتعلق بالتنمية الاقتصادية وتمكين المرأة فى العديد من مجالات التنمية. قبل أن تلتحق بمؤسسة جولدمان ساكس لتشرف على مشروع بدأ بمئات الملايين ثم وسعته إلى أربعة مليارات دولار لتكريس برنامج للإسكان وتنمية المجتمعات العمرانية ومشاريع لتمكين 10 آلاف امرأة حول العالم و10 آلاف شركة صغيرة. خبرة دينا التى كانت دوما وكما عرفتها شخصيا على مدى سنوات طويلة تفخر بأصلها المصرى، وكانت أول من دعت الدكتور زاهى حواس لإلقاء محاضرة أمام كبار موظفى البيت الأبيض حول عظمة التاريخ الفرعونى، وكانت ساعتها كبيرة مساعدى الرئيس بوش الابن، إضافة لمعرفتها السابقة بكثير من المسئولين المصريين، سيضيف وجودها فى منصبها الجديد كنائبة لمستشار ترامب لشئون الاستراتيجية وكعضو فى مجلس الأمن القومى الأمريكى المزيد من الليونة فى التعاطى بين البلدين لاسيما فى مجالات دعم التنمية والاقتصاد والتعليم فى مصر. وهو ما قد يضيف من وجهة النظر الأمريكية المزيد من الزخم لبقية الملفات المطروحة على طاولة المباحثات بين واشنطنوالقاهرة وهى باختصار كما أسلفنا فى عدد سابق ملفات التعاون الأمنى فى مجال مكافحة الإرهاب وملف التعاون العسكرى، وحيث يعتقد المسئولون فى البنتاجون أنه ومنذ أن تفشى ضرورة تشجيع تحالفات أمنية تخدم مصالحها فى المنطقة وخارجها، ويرون فى العسكرية المصرية ما يؤهلها لتكون رأس الحربة فى مكافحة الإرهاب من العراق للسنغال، وبالتالى تبرز ضرورة مساعدة مصر على تطوير منظومة عسكرية قادرة على سحق العصابات والجماعات الإرهابية المنظمة باعتبارها حاجة ملحة وفق المفهوم الأمريكى، ويرون أن دعوة مصر لتحديث جيشها بشكل يوفر له المرونة والتسليح الخفيف المتطور وفى إطار منظومة تتضمن التدريب المكثف واستخدام تكنولوجيا متطورة تدار بالستالايت وطيران يعتمد الإبرار الجوى والانتشار السريع واستخدام الطائرات دون طيار، ومشروعات تدريبية لقوات خاصة وأدوات وفرق استخباراتية ومشاة على نسق فرق النخبة مثل ذوى القبعات الخضراء وكذلك المارينز، ويرى العسكريون الأمريكيون أن ذلك من شأنه أن يساهم فى القضاء على الإرهاب والمساهمة فى التحالف الذى دعت إليه واشنطن للقضاء على الإرهاب فى المنطقة وفى المحيط الخارجى لها كأفريقيا وتكون مصر فيه رأس الحربة فى نطاق التعاون مع كل من قيادتى المنطقة المركزية وأفريكوم الأمريكيتين كما أسلفنا. وغير مخفى اهتمام الولاياتالمتحدة بجنوب البحر الأحمر وحيث ستكون جيبوتى إحدى محطات توقف ماتيس لتفقد القاعدة الأمريكية هناك والتى تعتبر قاعدة دعم للعمليات الأمريكية فى اليمن والصومال وبعد بعد ظهور بؤر داعشية فى الصومال، بينما يواصل الخبراء العسكريون الأمريكيون تدريب قوات حكومة الصومال الجديدة.