على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة وتحديدا وزارة الآثار المنوط بها الحفاظ على التراث المصرى تجرى الآن أكبر عملية تخريبية لطمس معالم التاريخ المصرى بمختلف مراحله، خاصة ما ينتمى للتراث الإسلامى، الذى شهد على مدار عصور طويلة ازدهارا هائلا، منذ دخول الصحابى عمرو بن العاص إلى أرض الكنانة فاتحا. لأن قاهرة المعز تحتل مكانة مرموقة نظرا لاحتوائها على معالم أثرية وإسلامية عريقة مهمة، فقد تعرضت أكثر من غيرها للإهمال، إلى درجة أن تكية وسبيل «السلطان محمود خان» الذى يعد من الآثار المنتمية إلى العصر العثمانى، ويقع فى شارع «بورسعيد»، وأنشأه السلطان «محمود ابن مصطفى خان»، وحولته وزارة الآثار إلى مبنى إدارى، على الرغم من كونه من أهم الآثار الإسلامية حتى وقت قريب، كما أجرت الجزء السفلى من التكية «الدور الأرضى» لأصحاب الورش ممن يعملون فى مجال صيانة السيارات، الأمر الذى تسبب فى تشويه المبنى بالشحوم والزيوت وقضى على ملامحه الأثرية تماما. التكية تعد تحفة معمارية، أنشأ فى بهوها السلطان محمود سبيلا للسقيا يعلوه مكتب الحياتية، ومعالم أخرى للدراويش المتصوفين، وأماكن أخرى لتحفيظ القرآن الكريم. أهالى المنطقة بمن فيهم مؤجرو المخازن والورش، لا يدركون شيئا عن تاريخ الأثر الذى يجاورهم ويتخذه بعضهم مقرا لمزاولة أنشطتهم التجارية، ناهيك عن حالة الإهمال الشديد التى تصيب ذلك المعلم الأثرى، من انتشار للقمامة على أسواره وللطرق المؤدية إليه، إلى جانب استخدام غرف التكية كمخازن لمحلات البقالة والمقهى المجاور للأثر العريق. وزارة الآثار أوقفت مشروع تطوير المبنى نتيجة للخلافات السياسية بين مصر وتركيا، عقب ثورة الثلاثين من يونيو، واكتفت فقط بتحصيل رسوم الإيجار من المخازن والورش كمصدر للدخل، علما بأنها تتولى كل فترة تجديد تلك المحال على نفقتها الخاصة، وهو ما لا يتناسب مع ما تحصله من مبالغ زهيدة، وبمواجهة موظفى الآثار المسئولين عن هذا المعلم الأثرى رفضوا الإدلاء بأية تصريحات مؤكدين أنها تعليمات من الوزير. على مقربة من الأثر السابق، يقطن بمنطقة الخليفة أثر آخر يعانى من ذات التجاوزات، وهو قبة ضريح الملك الصالح نجم الدين أيوب. والذى أصبح مقلبا للقمامة، بعد أن ظل لعصور طويلة رمزا لتمييز مصر فى فنون العمارة التاريخية، تجاوره تحفة معمارية أخرى طالها الإهمال، وهو قبر «فاطمة خاتون» أم الملك الصالح، الذى غطته تلال القمامة وأكلت معالمه مياه المجارى، والذى كان جزءا من مدرسة أنشأها الملك المنصور قلاوون لزوجته، ويلتحق بالضريح مئذنة ذاته طابع معمارى فريد، لكنها تعانى تصدعات كبيرة بسبب الإهمال المتعمد، الأمر الذى شجع أهالى المنطقة على بناء مساكن وعشش عشوائية داخل حرم المقام. معالم الإهمال السابق رصدها، دعت بعض الأهالى إلى الشروع فى تنفيذ حملة لجمع التبرعات لبدء ترميم الآثار التى أهملت فيها الدولة ممثلة فى وزارة الآثار، وهو ما ينذر بقرب وقوع كارثة، حيث إن الأدوات التى ينوون استخدامها فى عملية الترميم تتمثل فى الأسمنت المستخدم فى البناء الحديث، وهو ما يعيد للأذهان صور التخريب التى لجأ إليها أهالى الأقصر فى ترميم معابد الفراعنة المتواجدة فيها. وقال دكتور محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة: للأسف ليس هناك وعى والجهل يسيطر على المسئولين بأهمية تلك المناطق الأثرية، مؤكدا أنه يوجد داخل وزارة الآثار ما يسمى بالوساطة، أى تسليم المسئولين المراكز لبعضهم دون النظر إلى الكفاءة، معربا عن حزنه الشديد على الآثار المصرية العريقة والإسلامية بالأخص التى تركها لنا أجدادنا دون أن يراعى ترميمها كل حين وتعمد تركها مهملة. وأشار إلى أن وزارة الآثار عانت بسبب توقف الحركة السياحية وبالتالى انخفاض الدخل والميزانية المخصصة للترميم، وطالب الحكومة بتوفير مبالغ لاستكمال مشاريع الترميم.