دون سابق إنذار فاجأ البابا تواضروس جميع أبناء الكنيسة القبطية، وألغى اجتماع «المجمع المقدس» الذى كان من المزمع إقامته خلال الأيام القليلة القادمة، وأجله إلى أجل غير مسمى. وأصدرت الكنيسة بيانًا يفيد ذلك على الرغم من أن المجمع المقدس لديه جدول أعمال متخم بالعديد من المشاكل بعضها مزمن وبعضها ينذر بالانفجار، والجميع ينتظر فاعليات هذا المجمع وما سوف تتمخض عنه من قرارات تحل تلك المشاكل وإلغاء اجتماع المجمع ينذر بمتاعب كثيرة تحيق بالكنيسة وشعبها، يقول الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة: «نعم تسلم كل أساقفة المجمع المقدس رسالة من الأنبا رفائيل سكرتير عام المجمع المقدس تفيد تأجيل انعقاد المجمع إلى أجل غير مسمى» وعن أسباب التأجيل قال الأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص: «ليست هناك أى أسباب يمكن أن تثير الريبة أو الشك لتأجيل اجتماع المجمع، فطبيعة هذا اللقاء بين أساقفة المجمع المقدس أنه سيمينار للنقاش حول بعض الأمور داخل الكنيسة ويتم دائماً بدير الأنبا بيشوى، ومع الأسف فإن كل الأماكن التى يمكن أن يعقد فيها السيمينار بالدير قد داهمتها السيول ولا تصلح بعد للاجتماع بها»، وفى تصريح للأنبا رفائيل سكرتير عام المجمع المقدس تعليقاً على الحدث قال: «تم الاتفاق فى جلسة المجمع المقدس المنعقدة فى مايو 2015 يعقد المجمع فى جلسة رسمية مرة واحدة سنويًا في الأسبوع السابق لعيد «العنصرة» يسبقه انعقاد لجان المجمع المقدس. وأن ينعقد سيمينار دراسى فى نوفمبر من كل عام بالمقر البابوى بدير الأنبا بيشوي بوادى النطرون. ونظرًا للظروف الجوية السيئة التى حدثت فى منطقة وادى النطرون وتعطل الطرق داخل الدير وتعذر انعقاد السيمينار قرر قداسة البابا بالاتفاق مع سكرتارية المجمع المقدس تأجيل انعقاد السيمينار الدراسى لوقت لاحق يتم الإعلان عنه فى حينه»، وعلى الرغم من تبسيط أساقفة الكنيسة وتبريرهم لعدم انعقاد اجتماع المجمع فإن الأسباب لم تبدُ مقنعة، فالاجتماع بدير الأنبا بيشوى هو تقليد متبع، وليس طقساً أو فرضاً دينيا ويمكن إقامة السيمينار فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية التى بها مقر للمجمع المقدس والعديد من القاعات التى تصلح للاجتماع إذن لابد أن هناك سبباً خفياً غير معلن لهذا التأجيل. قالت مصادر مطلعة من داخل الكنيسة ل «روزاليوسف»: إن هناك هجومًا كبيرًا على البابا وقد اتسعت دائرة معارضيه داخل المجمع المقدس تحفظاً على الكثير من القرارات والسلوكيات حتى إن عدد الأساقفة الذين يعارضون البابا داخل المجمع قد قارب عددهم السبعين أسقفًا من جملة أساقفة المجمع البالغ عددهم 116 أسقفًا، وقد أعد هؤلاء الأساقفة ما يشبه لائحة اتهام للبابا وأصروا على طرحها على جدول أعمال المجمع أو السيمنار، وقد حاول البابا إبعاد تلك التهم عن جدول الأعمال إلا أنه فشل فى ذلك فقرر تأجيل اجتماع المجمع لحين التوافق مع معارضيه والوصول إلى حلول ترضى الجميع، وقد جاء على رأس قائمة الاتهام التى أعدها المعارضون أربعة موضوعات هى خروج البابا عن نصوص الكتاب المقدس فيما يخص قانون الأحوال الشخصية وإقرار أسباب للطلاق غير الزنى فيما يعد مخالفة صريحة للإنجيل، وأن البابا قرر طرح القانون للتصويت فاتهمه معارضوه بأنه يستفتى على نصوص الإنجيل، والاتهام الثاني الموجه للبابا هو مشاركته فى الصلاة فى كنيسة لوثرية تحت قيادة سيدة هى كبير أساقفة الكنيسة وهو الأمر الذى اعترف به البابا، أما ثالث الاتهامات هو «كثلكة» الكنيسة أي العمل على صهر الكنيسة القبطية داخل الكنيسة الكاثوليكية وآخر الاتهامات الموجهة للبابا هو التعدى علي اختصاصات الأنبا موسى أسقف الشباب ورسامة أسقف للشباب بالإسكندرية دون مشاورة الأنبا موسى، فهل هذه هى الأسباب الحقيقية لإلغاء اجتماع المجمع المقدس؟ أحوال شخصية بداية ينبغى علينا أن نعلم أن مشاكل الأحوال الشخصية بالكنيسة أصبحت موردا للرزق للكثيرين من الأشخاص والتجمعات والائتلافات، وليس من مصلحة هؤلاء إيجاد حل لتلك المشاكل، لأن هذا يعنى انقطاع رزقهم، فملف الأحوال الشخصية أصبح له نشطاء ومنظرون يخرجون علينا بين الحين والآخر فى وسائل الإعلام والفضائيات، بل لقد كان هذا الملف الشائك مدخلاً للبعض إلى عالم السياسة ومحاولة اغتنام مكاسب سياسية من ورائه مثلما حدث مع بعض الأقباط الذين ترشحوا على قوائم حزب النور فى الانتخابات الجارية، ولابد أن نعترف أن هذا الملف يشكل صداعاً فى رأس البابا ويريد أن يجد له حلولاً ناجزة، ولكن النص الإنجيلى يقف كحجر عثرة أمام سعى البابا، استقر البابا على لائحة داخلية تم العمل بها منذ شهر يوليو الماضي التى تجيز العديد من الأسباب للطلاق غير الزنى فيما عرف ب (الزنى الحكمي) وبحثاً عن مرجعية يرتكز إليها البابا فى إقرار الزنى الحكمى، فقد لجأ إلى أدبيات المتنيح العلامة الأنبا غريغوريوس أسقف التعليم والبحث العلمي والتى جاء بها أن «الطلاق يتم لسببين هما الزنى والزنى الحكمي والموت والموت الحكمى، وعلى المجلس الإكليريكى البحث للوقوف على حقيقة الزنى الحكمي والموت الحكمى» تلك الفتوى التى أشعلت النار بداخل المجمع المقدس فالأنبا غريغوريوس، على الرغم من أنه من قامات الكنيسة الروحية والعلمية فإن له بعض الآراء المختلف عليها، وهنا أخرج المعارضون للبابا فتوى الأنبا غريغوريوس التى يحل فيها الزواج من أخت الزوجة المتوفاة، وهو ما تمنعه الك نيسة، تلك الفتوى التى كانت سببا فى صراع طويل بينه وبين البابا شنودة أدت إلى أن يرسل أسقف البحث العلمي برسائل استهجان، ورأي معارضو البابا تواضروس أنه بصدد الموافقة على الزواج من أخت الزوجة المتوفاة خاصة أن الكاثوليك والبروتوستانت لا يحرمون ذلك وأنه لا يجوز اتخاذ تراث الأنبا غريغوريوس كمرجعية لقوانين الكنيسة. الكنيسة اللوثرية أما ثانى الاتهامات الموجهة للبابا فهى مشاركة الطائفة اللوثرية الصلاة تحت رئاسة امرأة هى كبير أساقفة الكنيسة اللوثرية فى «استكهولم» أثناء زيارته الأخيرة إلى السويد، وقد اعترف البابا بأدائه لنصف الصلوات تحت رئاسة السيدة، وبرر ذلك بأن ما قام به هو عمل محبة نحو الآخر إلا أن مشاركة البابا لصلوات الكنيسة اللوثرية أشعلت غضب آباء المجمع المقدس، حيث إنه وقع فى العديد من المخالفات، فالكنيسة اللوثرية هى كنيسة هرطوقية على حسب زعمهم، وهو الأمر المستقر فى عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأقوال آباء الكنيسة، وهو ما لا يجوز معه مشاركتهم فى صلواتهم فإن أراد البابا أن يقدم على عمل محبة مع تلك الكنيسة كان يمكنه أن يفعل ذلك عن طريق زيارات بروتوكولية، كما أن البابا يعلم أن هناك أكثر من ثلاثين اختلافًا عقائديًا مع هذه الكنيسة ومشاركة اللوثريين صلواتهم هو رفض ضمني من البابا لتلك الخلافات وعدم صحتها، وهو ما يخالف قوانين الكنيسة وأحكام الآباء ويخرج البابا من الإيمان الأرثوذكسى. مجمع نيقية أما أشد الألغام فتكاً التى تواجه البابا فهى مخالفته لقوانين مجمع نيقية المسكوني الذى عقد سنة 325 م، حيث واجه هذا المجمع بعض البدع والهرطقات الدخيلة على الإيمان المسيحى، وخرج بالعديد من التوصيات التى أصبحت قوانين داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا يجوز مخالفتها أو الخروج عليها، ومن ضمن هذه القوانين القانون الأول والذى ينص على (مسألة تحديد يوم عيد القيامة وهو الأحد الذى يلى البدر الذى فيه عيد اليهود حتى لا يعيدوا قبل اليهود ومعهم)، ووفقاً لذلك يكون عيد القيامة يوم الأحد التالي لفصح اليهود، ولكن البابا تواضروس وبمبادرة منفردة منه دون الرجوع إلى المجمع المقدس أو الحصول على تفويض من آباء المجمع طالب بابا الفاتيكان بتوحيد عيد القيامة، وكرر هذا الطلب مرتين وبالتأكيد، فإن الفاتيكان لن يغير من توقيت عيد القيامة فقرر بابا الفاتيكان أن يكون الأحد الثالث من شهر أبريل هو موعد ثابت للاحتفال بعيد القيامة لكل الطوائف المسيحية على مستوى العالم وفقاً لتقاليد الكنيسة الكاثوليكية بغض النظر عن ارتباط العيد بفصح اليهود، وهو الأمر الذى لاقى استهجانًا من كل عائلات الكنائس الأرثوذكسية على مستوى العالم وليس المجمع المقدس للكنيسة القبطية فقط. الشرق الأوسط مع مطلع الشهر الجاري اختتم مجلس كنائس الشرق الأوسط اجتماعه السنوى المنعقد بالقاهرة بمقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والذي ترأسه البابا تواضروس، ولكن نظراً لما رآه الكثيرون من رؤساء تلك الكنائس التى يبلغ عددها 27 كنيسة، فقد قاطع معظم تلك الكنائس الاجتماع اعتراضا على ما رآه البعض انتهاكات دينية وعقائدية اقترفها البابا ولم يحضر إلا ممثلو 5 كنائس اجتماع المجلس، وقد انتهز البابا الفرصة ودفع بإحدى التوصيات التى خرجت من الاجتماع التى تقضى كما جاء بالبيان الختامى للمجلس (ركز المجتمعون على أهمية الوحدة المسيحية بالدعوة إلى توحيد تاريخ الاحتفال بعيد القيامة، وكذلك العمل على تعزيز دوائر المجلس وبرامجه وتسهيل وصولها إلى العالم ولا سيما إلى المسيحيين فى الشرق الأوسط.