كل شيء مباح فى مصر، لا فرق بين المسموح والممنوع، لا يهم إن كان المعروض غذاء أو كساء، حياة المواطن بلا ثمن، والحاجة وقصر ذات اليد تدفع الناس إلى شراء سلع الموت الرخيصة من على الأرصفة فى غياب تام للرقابة الحكومية. أسواق كثيرة تنتشر، تبيع هذه السلع، أشهرها التونسى والجمعة وإمبابة، يزورها المواطنون ويقبلون على منتجاتها رخيصة الثمن، بمجرد دخولك سوق التونسى تصافح أذنيك أصوات ترتفع إلى حد الضجيج للباعة معلنة البدء الرسمى لبيع السلع المعروضة على الأرصفة مختلفة الألوان والأشكال. هناك المحفوظة فى علب من الصفيح الصدئ يعكس سوء الحفظ، وأخرى فى كرتون بالٍ أكلته الرطوبة والمياه، أو فى أكياس بلاستيكية ممزقة لا تستر ما تحتويه.. العرض والبيع يتم على مرأى ومسمع من الجميع، فالسلعة للبيع ولكن أيضا أقصر الطرق إلى الموت أو المرض مثل فتات البطاطس والمكرونة والشعرية والبسكويت بأنواعه وبقايا جاتوهات، ومشروبات غازية بأنواعها منتهية الصلاحية طبعا، والزبادى والصلصة وصيدليات على الأرصفة تبيع بقايا أقراص الدواء وغيرها من العقاقير الطبية، والظاهرة منذ سنوات إلا أنها تفشت مع ارتفاع الأسعار وعناء النساء مع شراء المنتجات الغذائية التى أصبحت أسعارها «نار» فكانت مثل تلك الأسواق ملاذا كبيرا لعدد كبير من المحتاجين. كان ل«روزاليوسف» زيارة لرصد ملامح تلك الأسواق منتهية الصلاحية على مسمع من الجميع. منذ الوهلة الأولى لدخول السوق تستطيع أن ترصد عشرات المخالفات لملامح السوق، ولكن سرعان ما بحثنا عن المكان الموجود به الأغذية وكان فى وسط السوق، تجد عددا من الفرش تسيطر عليها النساء فقط بالسوق، كل ما هو متوقع من سلع المنزل للطعام موجودة على الأرض، ولك أن تختار ما تشاء، فالفراش يتم رصه بجوار حائط وتلتف حوله البضائع فى بوكسات بلاستيكية كل واحدة منها تحمل نوعا معينا من الطعام ما بين علب صلصة ضخمة مجهولة الهوية والملامح، فعوامل الجو تظهر على المادة المعدنية الخارجية وأكياس الشعرية التى تحمل كمية تساوى وزنها من التراب، وأكياس البسكويت السائب وغيره، تؤكد أنها غير صالحة للاستخدام الآدمي، بالإضافة إلى شكل كميات البطاطس «الشيبسي» المتاحة للبيع فهى بواقى فنادق أو المصانع وتتعدد النكهات ما بين بواقى بالشطة وبالجبنة وتستطيع الحصول على كمية ليست بالقليلة ب 3 جنيهات فقط، وأنواع زجاجات الزيوت المختلفة الأحجام والأشكال، إلا أنها ليس لها أى هوية وجاهزة للاستخدام فقط من وجهة نظر البائعين، وبقايا الجبن الرومى التى تجمع فى كميات ووزنها على حسب الطلب إلا أن لونها بعيد تماما عن أن تكون طعاما آدميا.. كل تلك الأطعمة موجودة ومن المفترض أن يكون مكانها الطبيعى صناديق القمامة أو لإطعام الحيوانات، إلا أن المواطنين فى مصر وجدوا منها وجبات غنية رخيصة يسعون للشراء منها فى كل يوم جمعة غير عابئين بما تحمله من مخاطر صحية. واللافت فى الأمر أن البائعين يتواجدون فى أماكنهم فى السوق ويبيعون البضاعة للزبون بكل سعادة وثقة، وإذا ظهر عليهم غير ذلك فهذا من أجل المساومة والفصال على البضاعة، أما الزبائن فهم دائما سعداء بما اشتروه حتى لو لم يستطيعوا الشراء تلك المرة الكمية المطلوبة فهناك ميزانية جديدة الأسبوع القادم ومعظم القادمين «حرفيون وعمال». نساء ما بين سن الأربعين والخمسين هن المسيطرات على حركة البيع، فكل سيدة تجلس على كرسى وأمامها طاولة صغيرة لوضع المنتجات عليها وفرزها قبل البيع للتأكد من عددها، وتحديد ثمنها للزبون. «أم محمد» تنادى بصوت عالٍ «قرب قرب» كل حاجة عندنا، وبمجرد سؤالها عن أنواع المياه الغازية المتناثرة على الأرض وعليها أتربة: اللتر بكام؟ كانت الإجابة ب «جنيه فقط، عايزة كميات عندك فرح؟ كله موجود وممكن يكون فيه تخفيض، وهناك أسعار أخرى للكميات، 60 علبة بسكويت لأطفال المدارس على حد قولها ب 6 جنيهات فقط، كرتونة كاملة يا بلاش، وعلبة الصلصة الضخمة التى تزن نصف كليو بجنيه ونص، وكيس الجبنة الرومى «نص كيلو» بجنيهين، وأكياس النسكافيه بجنيه واحد، وأكياس ملح بجنيه واحد»، وتؤكد أم محمد أن الفرش لا ينقصه أى شيء، فهو جاهز بكل السلع وأسعارها لا تقارن بالسوق، فالعصائر الكيلو من عصير مانجو بجنيهين، إلا أن شكله لا يساعد كثيرا الزبون على شرائه لأنه محمل بالتراب وورقة الصلاحية مطموسة، أما أكواب الزبادى بالماركات المعروفة فى السوق فمتاحة وال10 ب 3 جنيهات، والصندوق الكامل يحمل 20 علبة لا يزيد سعره على 5 جنيهات، وعلبة البلوبيف بجنيهين، وأنواع زجاجة الزيت ب3 جنيهات. وبسؤال أم محمد عن مصدر المنتجات للتأكد فقط من الصلاحية، أجابت: باب الرزق مفتوح عشان الغلابة ياكلوا ومعظمها من المصانع بأسعار رخيصة وبواقى تجار الجملة. وتقول أم كريم: أعمل فى مهنة بيع الأطعمة منذ عشر سنوات وهى الدخل الرئيسى لبيتي، أحضر المنتجات من بواقى فروع الماركات الكبيرة فى القاهرة، وهى منتجات جيدة ويقبل عليها المواطن وحتى إن كانت غير جيدة، يبحث عنها الفقراء من رواد السوق كل أسبوع وتوجد مثلنا أسواق عديدة مثل سوق الخميس فى المطرية وأسواق إمبابة والزاوية والأحمدين، وكل سوق التونسى لا يوجد به سوى ثلاث نساء يعملن فى المهنة، لكن كميات المنتجات الموجودة على المفروش كبيرة، وفى بعض الأحيان يحضر إلينا كبار القائمين على تنظيم الأفراح ويحصلون على مشروبات الفرح كاملة من عندنا ويقومون يغسلون المنتجات فقط «رزق وبيعم على الكل ومش هنمنعه»، ونبيع المنتجات بتراب الفلوس ونكسب فيها. ■ المترددون على السوق: تقول أسماء محسن ربة منزل: أتردد على السوق كل أسبوع وكل احتياجات منزلى من هنا، فإلى أين نتجه؟؟ وأستطيع شراء مستلزمات منزلى كلها ب100 جنيه فقط، من بقايا هياكل فراخ والأرز والشعرية والمشروبات الغازية والجبنة بأنواعها والزبادى واللانشون وجاتوهات الفنادق، وأتردد على السوق منذ عام وأصبحنا من روادها، وأتفحص المنتج جيدا وأثق فيه لأنه بقايا مطاعم وماركات كبيرة وهذا لا يعيبه، فنحن نتلهف للحصول عليه، وأستطيع إعداد وجبة لأطفالى بخمسة جنيهات، وبواقى الجبنة الرومي، فسعر الكيلو 15 جنيها، وأستطيع استخدامها فى شهر كامل، وعلب التونة والبلوبيف لا يزيد سعر العلبة على جنيهين أى 20% من سعرها فقط، فأى وجبة كباب فى أى مطعم خارجى تساوى ميزانية منزلى فى شهر كامل. وتذكر كاملة محمد: السوق فيه كل شيء لكن عليها أتربة فقط، وما نقوم به نحن الفقراء إزالة الأتربة ونأكل، والمأكولات المعلبة التى أحضرها من السوق تساندنى كثيرا فى ميزانية منزلى كل أسبوع فنحن أسرة متوسطة، ومعظم المترددين على السوق من النساء والأطفال فقط لشراء المنتجات الغذائية بالكيلو. فى سوق إمبابة تباع جميع المنتجات، كل شيء موجود من الإبرة للصاروخ، سألنا عم محمد عن أسباب بيع أقراص البرشام المفرغة على الأرض؟.. كانت الإجابة صادمة بأنه يحضر كل شيء قديم بما فيه تلك الأدوية وهناك أشخاص كثيرون مرضى يحضرون لشراء تلك الأدوية بعد إعادة تنظيفها، وأن الأمر حقيقى لكن من يحضر إلينا هنا الفقير الذى لا يمتلك المال، وقد لا يمتلك قوت يومه، وسبحان الله تلك الأدوية تكون سببا فى الشفاء وأبيع الكمية بجنيه واحد، وإذا كانت كثيرة أبيعها بالوزن والكيلو ب2 جنيه فقط. وبالاقتراب من الحاج راشد الذى وضع عددا كبيرا من الشكائر المفتوحة مملوءة بالتوابل والبهارات، يقول: المنتجات عندى رخيصة جدا، وصالحة للاستخدام، فأنا أقوم بطحنها وتعبئتها للزبون، والكيلو عندى لأى نوع بهارات لا يتجاوز 5 جنيهات، والإقبال كل أسبوع كبير جدا، ولى زبائنى ومكانى ثابت منذ سنوات وسط سوق الجمعة، فتلك الأسواق تشعر بالغلبان ونحن نساعد الفقير فى توفير احتياجاته. أما أم حسين المتخصصة فى بيع بقايا جاتوه الفنادق، الذى تضعه فى صوانى ضخمة كنوع من العرض وتكتب عليه الكيلو بعشرة جنيهات فقط، فتقول: رحلة شراء الجاتوه من الفنادق بشكل أسبوعى نحضر مرة واحدة لفندق مختلف يوفر لنا طلباتنا التى نبيعها فى اليوم الثانى للزبون وهذا ليس به شيء فهو جاتوه فنادق يحلم الجميع بتناوله، ومعظم الزبائن يحضرون لشراء كيلو أو نص الكيلو فقط، وأحضر هنا كل جمعة ب100 كيلو جاتوه، كمية أبيعها بالكامل بعدا عن رقابة الأمن، فالسوق للفقراء وهم راضون بحالهم ويعلمون من أين نحضر الأطعمة والجاتوهات. محمود دياب المتحدث الرسمى لوزارة التموين يقول هناك رقابة كبيرة على الأسواق من قبل مباحث التموين بشكل يومى على مستوى الجمهورية لضبط السلع المقلدة والفاسدة والمغشوشة ومجهولة المصدر وغير الصالحة للاستخدام الآدمي، وخلال شهر سبتمبر الماضى تم ضبط 525 طنا من المنتجات الغذائية الفاسدة من لحوم ومشتقاتها وألبان وأسماك وعصائر ومقرمشات، والحملات مستمرة يوميا ولدينا الخط الساخن «19280» يعمل على مدار 12 ساعة يوميا من الساعة 10 صباحا إلى 10 مساء، لتلقى جميع شكاوى المواطنين والعمل على حلها وفى نفس الوقت يتم توجيه حملة إلى مكان الشكوى وفى حالة التأكد من جديتها يتم اتخاذ إجراءات قانونية للمخالفين وإحالتهم للنيابة ومصادرة المنتجات غير الصالحة، وعن الأسواق الشعبية التى يوجد بها منتجات غير صالحة نتابعها جيدا، ومن المؤكد أن هناك حملات لها، إلا أن الذين يتم ضبطهم يعودون مرة أخرى ويتم ضبطهم وهكذا. ■ المنتجات المعلبة فى الأسواق الشعبية لها ضرر كبير على المدى البعيد على الصحة: وأكد الدكتور هانى الناظر حول أمر المنتجات الغذائية الموجودة فى الأسواق الشعبية المعلبة التى تباع: هناك خطر كبير منها لأن تلك المنتجات يضاف إليها مواد حافظة من الكيماويات، وبعد مرور فترة زمنية محددة وهى مدة الصلاحية تتحول إلى مواد سامة ولها أضرار على المدى البعيد، وأول عضو فى الجسم يتأثر بها هو الكبد وأعضاء أخري، ونحذر المواطنين من المواد الحافظة لأنها ضارة، وهناك تحذير كبير منها ولابد من أن ينتبه المواطنون، ولكن للأسف ثقافة المواطن المصرى مازالت فى حاجة إلى التوعية.■