بدت كمدينة للأشباح.. هكذا أصبح حال بورسعيد المدينة الباسلة التى كانت يوماً ما منطقة حرة يقصدها القاصى والدانى من كل ربوع الوطن يأتى ليتسوق، والبعض الآخر يأتى للاصطياف وبين هذا وذاك تقصد المدينة رحلات اليوم الواحد التى كانت الشريان المتدفق فى دماء كل «البورسعيدية»، ولكن دوام الحال من المحال فنتيجة للعديد من القرارات الخاطئة منذ عام 2000 بدأ نجم المنطقة الحرة يخبو. رويداً رويداً توقف النشاط التجارى داخل المدينة، وما زاد الطين بلة أحداث 25 يناير وبسببها حدث انفلات أمنى كبير داخل جمارك بورسعيد، وتكونت عصابات من المهربين أحكمت سيطرتها على كل البضائع التى تدخل إلى المدينة ليتم تهريبها، ولا يجد تجار بورسعيد ما يتاجرون فيه ولا يجد الزائر ما يستحق عناء السفر للتسوق منه، وهكذا أغلقت المحلات التجارية أبوابها وخلت الشوارع من أى نشاط تجارى وتوقف الكثير من التجار عن العمل فى ظل مديونيات تطاردهم، تلك المطاردة التى انتهت ببعضهم إلى السجن وهو ما دفع أهالى المدينة لإطلاق صرخات الاستغاثة إلى من يهمه الأمر فى القاهرة بعد أن عجز المحافظ عن وضع الحلول المناسبة لانفراج الأزمة. وتمت الدعوة إلى كثير من الفعاليات واحتضنت نقابة المحامين البعض منها فى ظل سكوت مسئولى الغرفة التجارية على الأوضاع ورفض التجار لتمثيل رئيس الغرفة التجارية عبد الفتاح المصرى وشرع التجار فى إجراءات سحب الثقة من الغرفة التجارية ورئيسها وافترشوا الشوارع والمقاهى للاتفاق على الإجراءات التى سوف يتم اتخاذها وحددوا بعض المطالب لرفعها للقيادة السياسية. ∎ زيارة محلب اجتمع المحافظ اللواء مجدى نصر الدين مع ممثلى التجار والبائعين فى محاولة منه لاحتواء الأزمة، ولكن بدلاً من هذا تصادم المحافظ مع التجار الذين طالبوا بعمل وقفة احتجاجية لعرض مطالبهم فاتهمهم، المحافظ بالخيانة ووصفهم بأنهم «ليسوا بمصريين ولا تجار ولا بورسعيدية، وهم مدفوعون من أشخاص لا يحبون الدولة ويريدون تشتيتها»، ولكن على ما يبدو فإن الأمر كان يحتاج إلى قرارات ليست فى سلطة المحافظ فقام بالاتصال بالمهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وعرض عليه الأمر ووعده رئيس الوزراء بزيارة المدينة للوقوف على طبيعة مشكلاتها، وتم الاتفاق على أن يرشح التجار والبائعون من يمثلهم أمام رئيس الوزراء، ويكون ملما بطبيعة المشكلة على أن يتم التوافق على المطالب التى سوف تقدم لرئيس الوزراء لمناقشتها ووضع أفضل الحلول لها. ∎ المطالب يقول محمد كمال أحد ممثلى التجار: تم التوافق بين جميع التجار والبائعين على 7 مطالب سوف يتم عرضها على رئيس الوزراء تلك المطالب فى حال التوافق عليها مع الحكومة لن تعيد المنطقة الحرة إلى سابق عهدها، ولكنها الحد الأدنى الذى يمكن أن يضمن إعادة الحركة التجارية داخل المدينة وتتمثل تلك المطالب فى إلغاء بعض القرارات التى أضرت ببورسعيد، ومنها فرض رسوم جمركية عالية على البضائع الواردة للمنطقة الحرة حتى يصبح هناك فارق بين سعر السلعة داخل بورسعيد وخارجها، وهو ما يضمن الرواج التجارى فى المدينة، وزيادة الحصة الاستيرادية الخاصة بكل تاجر بحد أدنى 10 آلاف جنيه، والحد من عمليات التهريب التى تضر بالمدينة والاقتصاد القومى ككل، وحل مجلس إدارة الغرفة التجارية برئاسة محمد عبد الفتاح المصرى لفشله فى حل مشاكل المدينة، والدعوة لانعقاد الجمعية العمومية للغرفة التجارية وانتخاب مجلس جديد، ومنح إعفاء من الرسوم الجمركية على مشتريات الزائرين للمدينة يتراوح بين 200 إلى 500 جنيه مرتين فى السنة ويتم إثباته من خلال بطاقة الرقم القومى، وبالفعل قام رئيس الوزراء بمقابلة وفد من تجار المدينة وما كان منه إلا أنه قرر منح 25٪ خصمًا على الرسوم الجمركية دون أن يلتفت إلى المطالب الحقيقية وهو ما أشعل الموقف فى المدينة. ∎ الدعوة إلى القاهرة على أثر الاعتصام تمت دعوة وفد من تجار المدينة ضم كلاً من يحيى الجبالى والعربى الخطيب وإيهاب الرزة للاجتماع مع هانى دميان وزير المالية ومنير فخرى وزير الصناعة والتجارة وعلاء عبدالكريم رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات وممثلى الأجهزة الرقابية والأمن القومى ومجدى عبد العزيز، رئيس مصلحة الجمارك وطارق خلف، مدير عام الوارد بجمرك بورسعيد ومحمد أبو زيد، رئيس الإدارة المركزية لجمرك بورسعيد وأحمد درويش، مدير إدارة لجنة منسوجات الوارد بجمرك بورسعيد لإعادة عرض المطالب، ولم يكن الاجتماع موفقاً، فلقد استاء وزير المالية من أسلوب النقاش مع الوفد البورسعيدى حتى إنه قام بطرد أحد أعضاء الوفد خارج قاعة الاجتماع ليعود الوفد بخفى حنين من الاجتماع دون الحصول على أى استجابة للمطالب سوى الإبقاء على خصم 25٪ من قيمة الرسوم الجمركية. ∎ الحرب الإعلامية لم يستطع ممثلو تجار المدينة العودة إليها وإعلان فشلهم فى التفاوض مع الحكومة فلجأوا إلى إطلاق الشائعات التى تؤكد أن الوفد قد حصل على الموافقة لكل مطالب بورسعيد، وتم الترويج بأن الحكومة قد وافقت على خصم 75٪ للأهالى والمستوردين والتجار وتخفيض سعر الكيلو إلى 7 دولارات وزيادة الحصة الاستيرادية ل600 مليون دولار بدلا من 160 مليونًا ومنح الزائر400 جنيه إعفاء جمركيًا مرتين كل عام صيفا وشتاء ونقل البضائع برسم الوارد من أقمشة ومنسوجات وملابس وأحذية إلى ميناء شرق التفريعة بعد موافقة وزير النقل وإلغاء القرار رقم 619 لسنة .1983 وهى الأخبار التى ثبت عدم صحتها فالمفترض أن مثل تلك القرارات كان ينبغى أن يصدر بها فوراً منشور للجمارك ينفذ من تاريخ الاجتماع، ولكن حتى كتابة هذا التقرير لم تصدر أى منشورات. ∎ الحصص الاستيرادية يقول خليفة أبو رحاب أحد تجار المدينة: إن الأصل فى كل المشاكل داخل بورسعيد يرجع إلى توزيع الحصة الاستيرادية المخصصة لتجار المدينة، فالحصص ليست ثابتة للجميع، ولكن هناك من يتمتعون بحصص كبيرة جداً، وأغلبهم من خارج بورسعيد، أما أبناء المدينة فهناك نحو 45 ألف حصة تتراوح قيمتها بين 3900 ، 2400 وهى حصص صغيرة لا تسمح لأصحابها بالاستيراد فيقومون بالتنازل عنها للغير بمقابل مادى وهو ما استقرت عليه الأمور منذ سنوات، فهناك أسر كاملة تعيش على المقابل المادى السنوى الذى تتحصل منه مقابل التنازل عن حصتها الاستيرادية، ونظراً لتوقف الاستيراد داخل المدينة أصبح هناك 45 ألف عائلة فى بورسعيد لا تجد مورداً للرزق، وهو ما يستوجب أن تجد الحكومة بديلاً للرزق لتلك الأسر فى حال إلغاء المنطقة الحرة. ∎ مش لاقية تاكل أما الإعلامى والبرلمانى محمد شردى فقد أطلقها عالية قائلا: «بورسعيد مش لاقية تاكل ياحكومة» وأردف قائلاً «إن عدم تقنين أوضاع الاستيراد من الصين أصاب أكبر مدينة تجارية فى مصر بحالة من الشلل والركود الأمر الذى أدى إلى دعوة تجار المدينة وعددهم 500 ألف مواطن إلى تنظيم تظاهرة لإيصال شكواهم إلى الحكومة لولا تدخل الحكماء بالتوسط لعرض المشكلة على رئيس الوزراء، وأشار شردى إلى أن هناك 47 ألف سجل تجارى وضريبى معرضون للإفلاس وغلق شركاتهم إذا لم تقم الحكومة بحل أزمة الاستيراد فى بورسعيد، ودعا محافظ بورسعيد إلى إلغاء الرسوم السنوية على السجلات التجارية والاستيرادية للتجار والتى تصل إلى 30 مليون جنيه سنوياً، مؤكدًا أن الشارع البورسعيدى لم يعد يحتمل بعد المزيد من الضغوط وعلى الحكومة تحمل مسئوليتها تجاه المدينة وشعبها الباسل الذى كان يوماً درعًا لصد الهجمات عن الوطن بأكمله، فهل آن الأوان ليرد الوطن الجميل لشعب بورسعيد فى محنته» إلا أن شردى لا يرى تحميل الحكومة وزر المشكلة بأكملها ويكمل «هناك نوايا جيدة لدى الحكومة لتنمية بورسعيد وجعلها مدينة عالمية متميزة. ∎ إيجاد البدائل يرى الدكتور إبراهيم الصياد، خبير التنمية البشرية أن المشكلة تكمن فى ثقافة العمل لدى الشعب البورسعيدى، فلقد اعتاد تجار المدينة على التعامل مع المنطقة الحرة كمنطقة استهلاكية، وهو ما لم يعد يتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصرى، ولكن يجب علينا أن نبدأ فى تحويل بورسعيد إلى منطقة حرة لوجيستية تدعم مشروعات التنمية فى محور قناة السويس الجديد وشرق التفريعة. لقد بات واضحاً أن هناك انسدادًا حواريًا بين الحكومة وممثلى شعب بورسعيد، وقد اتفق الجميع فى شبه إجماع أن المشكلة لن تحل إلا بتدخل الرئيس السيسى شخصياً والجميع يتطلع لزيارته للمدينة، وهناك رضاء مسبق من الجميع عن أى قرارات سوف يتخذها الرئيس لحل مشكلة المدينة الباسلة.. فهل يستجيب الرئيس؟∎