الخروج على البراءة من أصعب الأشياء التى يواجهها الإنسان فى حياته، خاصة عندما يشهد العالم هذه البراءة ويعشقها فيكون الخروج عليها صدمة، وفى حالة نجوم السينما الصغار، تصبح الصدمة أكبر على الجمهور عندما ينتزع هؤلاء الصغار رداء الطفولة الذى ثبتتهم عليه الشاشة، وينزلون إلى عالم الواقع البعيد عن أميرات ديزنى وحكايات الجن والمغامرات الخيالية. الجموح الذى يظهر عليه النجوم الصغار عندما يتقدم بهم العمر يبدو كما لو أنهم يصرخون: «إننا لم نعد أطفالا بعد الآن، نحن رجال ونساء نرى العالم بطريقتنا وليس كما تريدوننا أن نراه». وهذا ما يظهر أيضاً فى رغبتهم فى القيام بأدوار مثيرة وجريئة وأحيانا صادمة.
مؤخراً تصدرت المراكز الأولى فى قوائم الأكثر إثارة أو جاذبية أو جمالاً فى 2013 والتى تقدمها مجموعة من المجلات والمواقع الإلكترونية عدد من النجوم والنجمات الذين كانوا أطفالا سينمائيين منذ سنوات قليلة، وأصبحوا الآن نساءً ورجالاً فى قمة النضج والجاذبية: سكارليت جوهانسن، إيما واتسون، آن هاثواى، كريستين ستيوارت، ناتالى بورتمان. على سبيل المثال. ولا يقتصر ذلك النجاح على النجمات الصغيرات اللواتى تحولن لمراهقات، ولكن يمتد بدرجة أقل ربما للنجوم الرجال مثل: دانيال رادكليف، ليوناردو دى كابريو وإليجاه وود وجوزيف جوردن لافييت. ولعل السبب فى استمرارية هؤلاء النجوم على عكس ما كان يحدث قديما هو أن جمهور السينما اليوم معظمه من المراهقين الذين نشأوا وكبروا مع هؤلاء النجوم. لذلك يتابعونهم بإخلاص ويواصلون المضى فى حياتهم واجتياز مراحلهم العمرية معا، والسبب الآخر يعود إلى قدرة هؤلاء النجوم، بفضل العقول التى تدير صناعة السينما، على تغيير جلدهم والخروج على العادى والمألوف وتحولهم من أطفال طيبين الى كبار واعين كما لو أنهم يعلنون من خلال شاشة السينما للجمهور ما يرغب كل مراهق ومراهقة إعلانه فى بيوتهم لآبائهم: لقد كبرنا.
هوليوود التى فقدت عبر تاريخها الكثير من نجومها الأطفال الذين طواهم النسيان أو ضلوا الطريق الصحيح للاستمرار فانحرف مسارهم وخفت بريقهم تعلمت الدرس وأصبحت تعتنى الآن بأطفالها ليس حرصا عليهم بالطبع، ولكن رغبة فى استغلال النجومية التى صنعوها حتى آخر مدى.
أشهر خفوت بريق واختفاء لطفل سينمائى كان ل«شيرلى تمبل» التى بدأت حياتها الفنية وهى فى الثالثة من عمرها لتقدم من عام 1932 وحتى عام 1949 حوالى 46 فيلمًا مما جعل أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية الجهة المانحة لجوائز الأوسكار تمنحها جائزة شرفية لدورها فى إنعاش السينما الأمريكية عام 1934 والذى قدمت به 12 فيلما وهى فى السادسة من عمرها. وبمجرد تجاوزها سن الطفولة ابتعدت الأضواء عن «شيرلى» التى جسدت فى أذهان العالم صورة الطفلة المعجزة التى ترقص وتغنى وتمثل. وعلى غرار «شيرلى تمبل» جاء «جاكى كوبر» و«مارى بادهام» ثم «جاستن هنرى» و«آن باكوين» جميعهم ترشحوا أو نالوا الأوسكار. ولكن لا شىء بعد ذلك.. ومن الخفوت والاختفاء إلى الضياع الذى عاشه ويعيشه «تاتوم أونيل» و «ماكولاى كالكين» و«ليندساى لوهان» وقبلهم «درو بارى مور» من إدمان مخدرات والتعرض للاعتقال والعلاج فى المصحات النفسية. الأسباب التى أدت إلى المصائر المؤلمة التى عاشها هؤلاء النجوم ترجع إلى أسباب عديدة أهمها عدم قدرة هؤلاء الأطفال للتعامل مع الأموال الطائلة التى يربحونها. أو الشهرة الواسعة التى تتحقق لهم. ومن معاملة الأهل السيئة والذين يتعاملون مع أبنائهم كمصادر للأموال والنفوذ فقط. أيضاً الوصول إلى القمة بسرعة يجعل من الأسهل السقوط عنها. كل هذا يضخم الأزمات النفسية لهؤلاء الأطفال فيلجأون للمخدرات وتنهال عليهم الصحف والمصورون لتوثق وتصور ما يفعلون والنتيجة فقدان ثقة المنتجين والجمهور.
على عكس شيرلى تمبل وإخوتها جاءت «جودى فوستر» فى السبعينيات لتؤكد أن الأطفال يمكنهم البقاء والاستمرار فى عاصمة السينما، فهى لم تنقطع عن الكاميرات منذ طفولتها المبكرة، وبعد تألقها فى فيلم «سائق التاكسى» عام 1976 اختفت قليلاً لتعاود الصعود مع فيلم «المتهمة» عام .1988 والذى انطلقت من بعده إلى التألق المتواصل والترشيحات المتوالية لأهم الجوائز. نفس الأمر حدث مع «كريستيان بال» الذى لم يلفت الانتباه منذ ظهوره كطفل فى «إمبراطورية الشمس» عام1987 إلا بعد سنوات عديدة عندما قدم «المريض النفسى الأمريكى» عام .2000 وبعدها وصل لقمة النجاح بتقديمه لشخصية «باتمان» منذ عام 2005 وحتى الآن فى ثلاثة من أنجح أفلام هذه السلسلة. ومؤخراً يستعد كل من «أبيجال بيرسلين» بطلة ومرشحة الأوسكار عن فيلم «الآنسة شروق الشمس» و«هالى جويل أوزمنت» بطل ومرشح الأوسكار عن «الحاسة السادسة» واللذين اكتفيا بأدوار تلفزيونية صغيرة والأداء الصوتى فى عدد من أفلام التحريك. يستعد الطفلان اللذان لاقا نجاحا وتقديراً كبيرين للعودة الحقيقية للسينما من خلال تعاقد كل منهما على عدد من الأفلام ينتظر عرضها فى عامى 2014 و.2015
لقد أصبح معظم النجوم الصغار فى هوليوود قادرين على محو الملامح والأداء الطفولى البرىء ليظهروا فى أفلام تنقلهم إلى عالم الرجال والنساء وتضعهم فى الصفوف الأولى لنجوم هوليوود.. فنجد «سكارليت جوهانسن» التى ظهرت فى بدايتها كفتاة مراهقة فى الرابعة عشرة من عمرها فى العديد من الأفلام أهمها «همس الخيول» ثم كفتاة أكبر قليلا فى «الفتاة ذات القرط اللؤلؤى» تكسر حاجز البراءة لتعود كامرأة شابة متفجرة الأنوثة فى أفلام «فقد أثناء الترجمة» و«فيكى كريستينا برشلونة». وكذلك فعلت «آن هاثواى» فمن شخصية الأميرة المراهقة فى «مذكرات أميرة» الى الفتاة الجامحة، مدمنة المخدرات والخمر والجنس فى «الخراب» وتستكمل مسيرة إظهار أنوثتها بقدر المستطاع بعد ذلك فى «جبل بروكباك» و«الشيطان يرتدى البرادا».. «ناتالى بورتمان» مزقت صورة الفتاة المراهقة الهادئة فى أفلام «أى مكان غير هذا» و«ليون» والتى استمرت فى تقديم أفلام على نفس المنوال ثم تمردت من خلال فيلم «قريب» والذى منحها فرصة الظهور شبه عارية فى أحد مشاهده كراقصة فى ملهى ليلى. وبعده تدخل مراحل النضج الفنى فى أفلام «فى يعنى فيندتا»، «أشباح جويا» و «البجعة السوداء» والذى نالت عنه الأوسكار أفضل ممثلة عام .2011
«إليزابيث شو» ظهرت كفتاة مراهقة وديعة وطيبة فى أفلام «مغامرات جليسة أطفال» و«طفل الكاراتيه» ثم قامت فى سنوات شبابها بتقديم دور عاهرة فى أحد ملاهى لاس فيجاس الليلية، حيث تتعرض للاغتصاب، ثم تلعب دور عاهرة أخرى وتظهر عارية وتؤدى مشهداً جنسياً مع البطل فى فيلم «الرحيل عن لاس فيجاس» الذى رشحت عنه لأوسكار أفضل ممثلة مساعدة.
أما أكثر الأطفال شهرة فى السنوات القليلة الماضية «داكوتا فاننج» والتى ظهرت فى أفلام «أنا سام» و«حرب العالم» فلم تنتظر أن تتجاوز سنوات المراهقة لتظهر أنوثتها.
بل أظهرتها مبكراً بعض الشىء وهى فى السابعة عشرة فقط لتقدم شخصية مطربة الروك الشاذة جنسيا فى فيلم «رنوايز» والذى شاركتها بطولته نجمة ظهرت فى صغرها أيضا «كريستن ستيوارت».. الفيلم يحكى عن فريق المراهقين «رانوايز» الذى اشتهر فى السبعينيات.. وقبل هذا الفيلم كانت «كريستين» قد وضعت قدمها بقوة على طريق النجاح المضمون من خلال سلسلة «الغسق twilight».
وإن كانت النساء تحطم الصورة الطفولية من خلال التعرى والجموح وإظهار الوجه الشرس الماجن. فللرجال أيضا أساليبهم فى تحطيم الصورة النمطية من الطفل البرىء إلى الشاب الجرىء. «ليوناردو دى كابريو» الذى ظهر فى بداية حياته الفنية كمراهق يجسد معنى الاضطرابات النفسية للمراهقين فى «ما الذى يأكل جيلبرت جريب» ثم «حجرة مارفن» يقدم «دى كابريو» شخصية العاشق فى فيلمين متتاليين «روميو وجوليت'' 1996 و«تايتنك».1997 ثم ينقله المخرج «مارتن سكورسيزى» إلى عالم الرجال والعصابات والعنف فى العديد من الأفلام بدأت ب«عصابات نيويورك» وتوالت ب «الطيار»، «الراحلون» وحتى أحدث أفلامهما «ذئب وول ستريت». التحول أيضا من الصبى المراهق للرجل العاشق هو ما فعله جوزيف جوردن لافييت والذى بدأ العمل الفنى منذ كان فى السادسة من عمره فى عدد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية من أشهرها «هيئة المحلفين» و10 أشياء أكرهها فيك. «لافييت» تمرد لأول مرة فى فيلم «خراب» مثل النجمة التى شاركته البطولة «آن هاثواى». ومؤخراً قدم «لافييت» فيلماً من تأليفه وبطولته وإخراجه هو «دون جون» الذى يقدم به شخصية شاب قرر الخروج من مجرد المشاهدة على الأفلام الإباحية إلى الدخول فى علاقة حقيقية مع حبيبته.
أما عن الأكثر لفتا للانتباه الآن فهما نجما سلسلة أفلام «هارى بوتر»: «دانيال رادكليف» و «إيما واتسون» اللذان استمرا منذ الطفولة وحتى سن الرشد دون توقف. النجمان اللذان بدآ العمل فى «هارى بوتر» عام 2001 وهما فى الثانية عشرة من عمرهما. مع كل جزء جديد كانا يكبران فى العمر مع جمهورهما. وذلك لمدة عشر سنوات حتى أصبحا فى مرحلة الشباب عام 2011 مع الجزء الأخير. الآن يراهن منتجو السينما على الأثنين كنجوم شباك من المؤكد أن لديهما جمهورًا ضخمًا يمثل أغلبية جمهور السينما الآن. وكل من «دانيال» و «إيما» كسرا قيود الطفولة. الأول بإعلانه عن ميوله الجنسية المثلية وقيامه بأداء شخصية المثلى فى فيلم «اقتل أحبابك» الذى يعرض حالياً. والثانية بإظهارها لملامح أنوثتها فى الصور التى تنشرها لها المجلات. ودخولها إلى عالم الكبار من خلال أفلام «أسبوع مع مارلين»، «نوح» و«صوتك الذى فى قلبى».
صناعة النجوم فى هوليوود لم تعد كالماضى. فالأمر ليس فقط تقديم نجم فى فيلم جيد. بل أصبح من خلال توظيف قدرات هؤلاء النجوم وانتقالهم من فيلم تجارى ضخم التكلفة. إلى فيلم فنى جيد الصنع. وذلك حتى يتحقق دائماً التوازن بين التجارى والفنى، وبين تحقيق الإيرادات ونيل الجوائز، وبين جمهور الكبار وجمهور الصغار.