كانت الخطوط الجوية الهندية، أول طائرة أركبها.. وبالطبع، وقعت فى غرام الطعام الهندى الحار، والموسيقى الهندية، التى تذكرنى فور سماعها، بالغابات الممتدة.. والمراعى الخضراء.. والسماء الرحبة. عرفت أن الهند، حين استقلت فى 15 أغسطس 1947 - لم تتردد لحظة، فى أن يكون الدستور الجديد الحاكم، هو الدستور العلمانى. ومن يعرف، يدرك أن رسالة غاندى، لم تذهب إلى الشعب الخطأ فالشعب الهندى به عشرات الديانات، وعشرات الطوائف.. وعشرات المذاهب.. وعشرات العقائد.. فإذا لم يكن الدستور علمانيا حاسما، منذ البداية، لوقعت الهند كل يوم فى الفتن الدينية الدموية، ولأصبح «الدم» هو مستقبلها. الخطوط الجوية الفرنسية، أو إير فرانس، حملتنى أكثر من مرة إلى محطتى الأخيرة، فى العديد، والكثير، من البلاد، والمدن، والولايات. كل مرة، أجلس فى مقعد الطائرة الفرنسية، لابد أن أتذكر، واحدة من أعظم الثورات فى تاريخ البشرية، وهى الثورة الفرنسية 1789 ومعها، أستعيد الفلسفة، التى كانت وقودا، لهذه الثورة. كانت فلسفة جان جاك روسو (1712 - 1778).. وفلسفة فولتير «فرانسوا مارى أرويه (1694 - 1778).. هما الشرارتان، اللتان، أشعلتا، الثورة الفرنسية. قال روسو: «إن السماء ليست حكرا على عقيدة واحدة.. مكان الله فى القلب النقى العادل، وليس فى كلمات رجال الكنيسة أننى أدعو إلى دين جديد، هو «دين القلب».. وهو مناقض لدين الكهنة، ونبلاء القصور.. ومواعظ الكنيسة. ومن الناحية السياسية كتب روسو «العقد الاجتماعى»، ذلك الكتاب السياسى الشهير، الذى يؤكد فيه، أن الجميع ولدوا أحراراً.. ولكى يستمروا أحرارا، لابد من «عقد اجتماعى» يربط بينهم وبين المجتمع، وأساسه، هو الحقوق المتساوية الواحدة، لجميع الأفراد، وبذلك نضمن السلام الاجتماعى، والتعاون، ونبطل بطش الحكومات. أما فولتير، فكان كتابة كانديد، هو أهم ما كتبه، والذى كان له، أكبر التأثير، على قادة الثورة الفرنسية. وكانديد «اسم الكتاب» هو اسم رجل يعلى من شأن العقل الحر، والتفكير الناقد، ويعبر عن حماقة الحكومات الديكتاتورية، وتسلط محاكم التفتيش.. وهيمنة الفكر الكنسى، لإبقاء الناس فى عبودية، وجهل، وخوف. أما إير «هاب»، فهى أيضا خطوط جوية، محلية، ودولية.. وحين قامت بتخفيض أسعار تذاكرها «لتقضى على الخطوط الأخرى»، وأصبحت بالتمويلات الهائلة التى تتدفق على خزائنها، من كل مكان، تطير إلى كل ركن على كوكب الأرض، توسعت فى نشاطها، ورحلاتها، وأصبحت ليست فقط، تنقل البشر عبر الجو، ولكن عن طريق البر، والبحر أيضا. يبقى الفارق الجوهرى، بين إير «إنديا» وإير «فرانس»، وإير «هاب» أن كلا من إيرأنديا، أو إير فرانس، نطير بهما، إلى أسطنبول، مثلا، أو مارسيليا، أو زيورخ، أو روما، أو لندن، أو طوكيو، أو أمستردام، أو شنغهاى.. أو مونتريال، أو فرانكفورت، أو الدارالبيضاء. لكن إير «هاب» تطير بنا إلى الدار الآخرة.. إلى المشرحة.. وإلى الطب الشرعى.. وإلى المقابر.. إلى أرصفة، وشوارع، وبلاعات، تشفط دماءنا. من بستان قصائدى خجل البحر من الأمواج سئمت النساء من الأزواج ما مصيرنا يا ترى ونحن ملايين الأفواج؟ الانقسام يا ترى أم الاندماج؟ هل نُشحن نصف إلى صحراء النفط ونصف إلى ساحل العاج؟ فى رءوسنا صرخات احتجاج وعلى رءوسهم عار التاج