أحداث مصيرية تشهدها مصر تحدد مستقبلها طيلة الأعوام المقبلة، ومن نصيب القضاة أن يكون لهم دور محورى، وهم يتحملون مسئوليتهم التاريخية ويؤكدون ذلك كل يوم، من أصغرهم لأكبرهم، ومواجهة النائب العام ووزير العدل ومن وراءهما أكبر دليل على ذلك، وجميعهم لايرهبهم النقل أو التقديم للتفتيش القضائى بالوزارة، كما حدث مع القاضيين «مصطفى خاطر» المحامى العام لنيابات شرق القاهرة والمستشار «محمود حمزة» رئيس محكمة جنح الأزبكية.. وكان مثيرا للكثيرين أن تظهر وثيقة فى اللحظات الأخيرة تدعو مؤسسة سيادية للإشراف على الاستفتاء بملابس مدنية مما استفز القضاة الحقيقيين ففضحوا أمر هذه الوثيقة!.. وكل هذا يتزامن مع معلومات مريبة ترددت حول رصد 350 ألف بطاقة تصويت بنعم فى الجيزة وفق مصادر قضائية! مصطفى خاطر
جمعية تأسيسية مطعون فى صحتها.. قام عدد من أعضائها بوضع الدستور «بليل» بل إن صحة التمثيل القانونى نفسها بالنسبة للأعضاء الذين قاموا بصياغة هذا الدستور الذى يتم الاستفتاء عليه غير صحيحة وفقا لمفهوم أن عدد الذين يحق لهم إصدار مسودة الدستور بلغ «الثمن فقط.. ولم يتعد ربع الأعضاء الموجودين الأصليين.. وفى ظل أن قانون انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور نفسه مرتبط بعوار قانونى فادح خالف العرف الدستورى والقانون الذى نص على أن تشكل هذه الجمعية من الأعضاء غير المعينين من أعضاء مجلسى الشعب والشورى.
طلعت ابراهيم
وسط هذا كله تترقب مصر مصير المستشار «محمود حمزة» الذى استدعى لإدارة التفتيش القضائى فى أعقاب حكمه التاريخى الذى لم يعترف بشرعية النائب العام والإعلانات الدستورية وحتى الاستفتاء على الدستور اليوم، وقال فى حيثيات حكمه أنه باسم الشعب.. حكمت المحكمة بأن الشعب هو صاحب السيادة وليس لسلطة أن تنتزعها منه.
وأنه ليس من سلطة رئيس الجمهورية أن يصدر نصوصاً دستورية لاسيما أنه تم انتخابه من المواطنين على أساس قانونى. ويبقى كذلك تعيين المستشار «طلعت إبراهيم» نائب رئيس محكمة النقض نائبا عاما لمدة أربع سنوات هو أثر من آثار العمل المادى بالإعلان الدستور الملغى منعدم الأثر لبنيانه على غصب للسلطة.
ووفقا لهذا الحكم أصبح الاستفتاء باطلا من الناحية الشرعية والقانونية الدستورية.. حيث يرى العديد من القضاة أن هذا الاستفتاء مشوه.. لعدم وجود توافق مجتمعى عليه بداية، إضافة إلى مخالفته نص المادة 39 من الإعلان الدستورى الصادر فى مارس .2011 الذى نص على ضرورة وجود قاض لكل صندوق.. وهو غير متوافر حتى الآن نظرا لوجود عوار قانونى يستند فى الأساس إلى أن مؤسسة الرئاسة فى شخص الرئيس قد قفزت على مبدأ الشرعية الدستورية والقانونية التى تضمن وجود قاض لكل صندوق.. سواء داخل المجمعات الانتخابية أو المقرات.. أو اللجان الفرعية.
ويفسر هذا الأمر وفقا للقضاة الذين قدموا رؤيتهم لنادى قضاة مصر أن آخر إحصائية خاصة بالعملية الانتخابية استندت إلى قاعدة بيانات الناخبين التى تقول إن هناك 52 مليون مواطن مصرى لهم حق التصويت سواء فى الانتخابات البرلمانية بغرفتيها الشعب والشورى.. أو الرئاسية.. أو مراحل الاستفتاء التى تتم على الدستور أو الإعلانات الدستورية.. وهذا معناه من الناحية الواقعية.. أنه إذا كان هناك 52 مليون مواطن ممن لهم حق التصويت فى الاستفتاء فإن هذا معناه أن كل لجنة سوف تستوعب ألف صوت من هذه الأصوات.. بشكل محدد فى اللجان الفرعية.. لتصبح القسمة العددية بالنسبة للجان الفرعية هى 52 مليونا على ألف لجنة.. لتصبح 52 ألف لجنة فرعية وبالتالى إذا كان هناك التزام بعدد المقرات الانتخابية والتى أوجبت وجود لجنتين فرعيتين فى هذه المقرات فإن هذا معناه أن مرحلة الاستفتاء بحاجة إلى 27 ألف قاض بواقع ثلاثة عشر ألف قاض وخمسمائة إضافة إلى ألف قاضى فى المرحلة الواحدة كرؤساء للجان العامة.
مما يعنى أن المرحلة الواحدة بحاجة إلى خمسة عشر ألف قاض وخمسمائة سواء للجان العامة أو الفرعية أو المقرات الانتخابية إضافة إلى ألفى قاض تحت بند «احتياطى» وهو ما يعنى من الناحية الواقعية أن مرحلة الاستفتاء الأولى بحاجة إلى 17500 قاض.. فمن أين إذن ستقوم اللجنة العليا للاستفتاء بإجراء هذه العملية؟!
فيما حمل المشهد تعقيدا جديدا بانتفاضة أعضاء النيابة العامة على مستوى الجمهورية ضد سقطات النائب العام خلال جمعية عمومية حاشدة بنادى قضاة مصر مساء أمس الأول الخميس وصفت بأنها الأعنف منذ أزمة القضاء عام 1969 كان مطلبها الرئيسى إعادة النائب العام «الشرعى» المستشار عبدالمجيد محمود إلى موقعه القانونى كنائب عام وفقا لنص قانون السلطة القضائية الذى اغتاله الرئيس د.محمد مرسى الذى يصفونه بأنه ممثل جماعة الإخوان المسلمين فى القصر الجمهورى.
وكواليس المشهد تعود وقائعه بشكل أساسى، حسب أعضاء من النيابة العامة وقضاة بمحكمة جنايات الإسماعيليةوالقاهرة وطنطا والإسكندرية إلى أن هناك بلاغات قدمت إلى المحامين العموم لنيابات شرق الإسكندرية وشرق القاهرة وشمال القاهرة ضد قيادات كبيرة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية.
فى هذا السياق المثير، ووفق مصادرنا فى غرفة عمليات نادى القضاة قبيل إجراء عملية الاستفتاء بساعات قليلة طلب القضاة المعتذرون من عملية الإشراف على الاستفتاء الحماية من بطش إدارة التفتيش القضائى بوزارة العدل التى يتولاها المستشار زغلول البلشى.
ما قوبل من جانب المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة بعبارات التطمين بأن قضاة مصر لن يرهبهم أحد أيا ما كان.
والصادم أنه توجه قطاع عريض من القضاة باعتذارات مكتوبة إلى اللجنة المشرفة على الاستفتاء والتى يتولى رئاستها المستشار سمير أبوالمعاطى رئيس محكمة استئناف القاهرة.. بشكل واضح ودقيق لا لبس فيه.. إضافة إلى إرفاق نسخة من هذه الاعتذارات إلى ناديهم حتى تكون الأمور فى نصابها الصحيح.. الإشراف على دستور يخطف الدولة لصالح فريق بعينه من جانب، والعدالة تتهمهم بقتل وسحل المتظاهرين السلميين فى الأحداث الدامية بموقعة الاتحادية، إلا أن مصدرا قضائيا رفيع المستوى نحتفظ باسمه كشف ل «روزاليوسف»: عشية اقتحام جماعة الإخوان محيط قصر الاتحادية وتورطهم فى قتل المتظاهرين السلميين وتعذيب ما يقرب من 49 منهم أمام بوابات القصر الرئاسى تقدم السفير (يحيى النجم) سفير مصر السابق فى فنزويلا بمذكرة عاجلة لنيابات شرق القاهرة.. يتهم فيها المرشد العام لجماعة الإخوان بالتحريض على تعذيبه من جانب (طبيبة) ميدانية تابعة للجماعة قالت له صراحة (المرشد العام عايزك أنت شخصيا).. واستشهد بأحد أفراد قوات الحرس الجمهورى !!
ثم تلا ذلك القضية التاريخية لأعضاء النيابة العامة ضد النائب العام الجديد المستشار «طلعت إبراهيم» عقب قراره بنقل المستشار «مصطفى خاطر» إلى نيابات استئناف بنى سويف، وهو ما لبث أن تراجع فيه وسط رضاء شعبى كبير وشعور بعودة الحق لخاطر الذى تحول إلى رمز الاستقلال وقوة القضاء فى الشارع قبل أروقة النيابات.
وغير خفى علينا أن هذا العقاب كان سببه مذكرة الضبط والإحضار التى أعدها (خاطر) لكل من المرشد العام للجماعة د. (محمد بديع) وخيرت الشاطر نائب المرشد العام وعصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ومحمود غزلان القيادى بالجماعة ود. محمد مرسى نفسه. الذى اتضح فيما بعد أن النائب العام أمر بوقف هذه المذكرة وضغط على أعضاء فريق التحقيق فى وقائع الاعتداء على المتظاهرين بالتركيز فقط على أمر واحد وهو حبس الذين تم إلقاء القبض عليهم وإحالتهم لنيابة العامة.. واستصدار أوامر وقرارات بحبسهم احتياطيا (إرضاء للرئيس) وهو ما لم يرتضه فريق المحققين !!
وكان طبيعيا وفق المنهج الإخوانى أن يتعرض خاطر وفريقه إلى حملة تشنيع كبيرة ومنها أنه من رجال أحمد شفيق، رغم أنه كان له موقف تاريخى فى مرافعته الشهيرة فى قضية القرن التى انتهت بالمؤبد لمبارك والعدالى، بل سبق أن حبس مسئولين كبارا بوزارة الداخلية خلال القضايا التى اتهموا فيها بقتل المتظاهرين وذهب بنفسه إلى مقر وزارة الداخلية ليفتش على أسماء الضباط المتورطين واستدعاء قيادات كبيرة بالداخلية ممسكا بصورة شهيرة لشهيد الصحافة المصرية (محمد محمود) الذى اغتالته رصاصات القناصة أثناء أداء واجبه فى تغطية الأحداث !
وفى هذا السياق أصبح أمام النائب العام المعين من جانب د. محمد مرسى مهلة 48 ساعة فقط تنتهى يوم الاثنين القادم من جانب أعضاء النيابة العامة للتراجع عن الاستمرار فى منصبه وتقديم استقالة واضحة وصريحة تحت ضغط رفضهم العمل معه.. حيث وقعوا بيانا من ألف عضو نيابة عامة على مستوى الجمهورية بهذا الشأن..وإذا انتهت المهلة دون قبول النائب العام لمطالبهم يتم الدعوة لإضراب شامل على مستوى الجمهورية ومطالبة مجلس القضاء الرد على ترشيح نائب عام جديد وفق قانون السلطة القضائية.
وسط هذا الزخم الذى لا يتوقف، ظهرت مفاجأة جديدة رغم تشكيك البعض فيها، حيث حصلت «روزاليوسف» على وثيقة أرسلت من رئيس مجلس الوزراء د. هشام قنديل يطلب فيها من مؤسسة سيادية ندب عدد من قياداتها للإشراف على الاستفتاء بجانب القضاء الذين وافقوا على المشاركة مقابل بوليصة تأمين على الحياة بلغت 2 مليون جنيه لكل قاض فى حالات الوفاة.. ومليون جنيه فى حالات الإصابة، وهو ما أدى إلى استفسار هذه المؤسسة السيادية عن المقابل المادى لأعضائها الذين يشاركون فى عملية الإشراف، والصفة التى يمكن أن يشارك فيها رجال هذه المؤسسة فى الإشراف، مادام أن دورهم هو حماية اللجان من الخارج فقط !
ووفق ما حصلت عليه «روزاليوسف» أيضا فى هذا السياق رصدت جهات رقابية عمليات تسويد بنحو 350 ألف بطاقة انتخابية لصالح الموافقة على الاستفتاء بالجيزة بشكل يثير الشكوك حول نزاهة عملية الاستفتاء من عدمه.. إضافة إلى خطابات أرسلت إلى عمداء وكليات الحقوق على مستوى الجمهورية مجلس من الوزراء وفقا لمصدر قضائى رفيع المستوى نحتفظ باسمه يطلبون منهم ارتداء (بدل كاملة) واستلام المقرات الانتخابية.. وإن كنا اعتبرناها فى «روزاليوسف» من باب الدعوة غير المباشرة للدفع باتجاه الموافقة على الاستفتاء.
ولم تتوقف المفاجآت المثيرة فى تحقيقنا عند هذا الحد، بل حصلنا على معلومات من خلال شكاوى لأعضاء بنادى القضاة من ممارسات وضغوط يقوم بها (مركز الدراسات القضائية) الذى يترأسه المستشار أحمد سليمان وهو أيضا رئيس نادى قضاة المنيا المحسوب على جبهة المستشار أحمد مكى، ويستهدف منها الترويج لمشروع الدستور بتهديد بعض أعضاء المركز بإنهاء انتدابهم من العمل فيه إذا رفضوا ما يطلب منهم، وهو (قولوا نعم) للدستور.
واشتكى أعضاء المركز إلى أحمد الزند رئيس نادى القضاة من تصفيتهم لتعيين أعضاء موالين المكى، والذى طالب القضاة وأعضاء النيابة العامة بعزله من منصبه .. ضمن قائمة أعدت بقضاة متورطين فى قضايا فساد ضمن جبهته.. أحدهم دفع نصف مليون جنيه تنازل لصالح أحد المستثمرين الذين قدموا شكوى قضائية ضده لإدارة التفتيش القضائى بوزارة العدل !!