درس السينما فى الولاياتالمتحدة.. وهناك رأى كيف يعيش المعاقون فيها وهو ما لفت نظره بشدة.. فشاهد كيف يتعامل الأمريكيون مع هؤلاء «البشر».. حيث يهتمون بهم ويعملون على تنميتهم حتى يكونوا «مواطنين» منتجين مندمجين فى مجتمعهم.. عكس مجتمعنا الذى يتعامل معهم بمفهوم أنهم «كائنات أخرى» لا ينبغى التعامل معهم.. بل يكفى النظر إليهم من بعيد لبعيد والاكتفاء ب «مصمصة الشفايف» وقول «يا حرام».من هذا المنطلق قرر خالد دياب كتابة قصة فيلم يحكى عن معاناة المعاقين فى مصر والصعوبات التى تواجههم. ∎ كيف جاءتك فكرة لعمل فيلم عن المعاقين؟
- أثناء دراستى للسينما فى أمريكا كنت ألاحظ أثناء سيرى فى الشوارع وجود عدد كبير من المعاقين فى كل الأماكن تقريبا، على عكس ما لدينا فى مصر، وهو ما يجعلك تتساءل: هل لا يوجد فى مصر معاقون؟.. الإجابة فى رأيى أنهم «محبوسين فى البيت»!.. فى أمريكا لا تجد مطعما إلا وتجد فيه دورتين للمياه، منهما واحدة للمعاقين.. حتى إشارة المرور هناك ستجد واحدة للمعاق يحولها من حمراء لخضراء فورا.. وفى الأتوبيسات ستجد أنها مجهزة لمساعدة المعاقين، كما أن هناك قانوناً إجبارياً كى يساعد السائق المعاق، وإن لم يساعده، وقدم المعاق شكوى، تتم محاسبة السائق.. باختصار فارق كبير جدا بين المعاقين فى أمريكا وفى مصر.. المعاقون فى مصر لدينا «مدفونين بالحياة».
∎ ما الذى فكرت فيه حين شاهدت حياة المعاق فى أمريكا التى تختلف كليا عن مصر أثناء تحضيرك لكتابة الفيلم؟
- دفعنى هذا للمقارنة فورا بيننا وبينهم.. فمثلا فى مصر لدينا قانون العمل بأن يكون فيها 5٪ من المعاقين، وأثناء بحثى قبل الشروع فى كتابة الفيلم، اكتشفت أن عمل المعاق يقوم على «الوسائط»!.. كما أن صاحب العمل يماطل فى أن يعمل لديه معاق، وإن المعاق يذهب للعمل فى هذه الحالة لإثبات حضوره بمقابل مادى فقط لا غير!.. مع أن كل معاق لديه طاقة مهولة وأفكار إبداعية كثيرة.
∎ إذن المقارنة والتساؤلات هى الدافع الوحيد لكتابة فيلمك؟
- فيلمى هذا أيضا نتيجة وعد لى لإحدى الجمعيات الخيرية للأيتام وعدتهم بأن أكتب فيلما عنهم وفى رأيى أن المعاقين مثل الأيتام مهمشون، رغم اختلاف ظروف هذا التهميش.. أيضا هناك دافع آخر.. وهو أننى كنت كلما أرى معاقا «يصعب عليا»، لأكتشف بعدها أن هذه نظرة خاطئة.. وللأسف النظر إلى المعاقين فى مصر بمفهومين، الأول «يا حرام»!، والثانى النظر إليهم باعتبارهم «كائنات أخرى» غيرنا لا يمكن التعامل معهم، وبالتالى نراقبهم وكأنهم كائنات فى حديقة للحيوانات!.. والمفهومان قاتلان بالنسبة للمعاق.
∎ أشعر وكأن القضية جذبتك للكتابة عنها بعد مرحلة المقارنة والتساؤلات؟
- لدينا فى مصر العديد من القضايا التى تصلح للكتابة عنها- كقضية المعاقين- وقد استغرقت ثلاثة أعوام حتى أبدأ فى الشروع فى الكتابة عن المعاقين، رغم أن الفكرة كانت موجودة لدى، لكنى كنت مهموماً بالبحث عن قصة تصلح لأن تقدم هذه القضية، وأن تكون مشوقة حتى يهتم المشاهد بمعرفة أكثر عن حياة هؤلاء.
∎ ما قصة فيلمك؟
- حتى الآن لم أضع عنوانا للسيناريو الذى كتبته.. وهو يتحدث عن شخص فاقد لحاسة الإبصار، ويحلم بأن يكون رساما.. فيلمى عن الأمل، خاصة أن هناك تناقضا بين إعاقة البطل وحلمه.. وقد قمت باستشارة العديد من الأطباء حول طريقة التعامل مع المعاقين، وللأسف مجال الطب مثل أى مجال فى مصر يتم التعامل فيه مع المعاقين بطريقة «جهجهونى».
∎ هل انتهيت من كتابة الفيلم؟
- انتهيت منه بالفعل، لكنى أحيانا أقوم بإجراء بعض التعديلات فيه، حتى الآن لا أعرف مصيره، وأتمنى أن أقوم بإخراجه لأنى أحلم أن أصبح مخرجا وكاتبا لأفلامى، لكنى خائف من ألا أجد منتجا متحمسا له، وبالتالى كل الاحتمالات متاحة لتنفيذه أو العكس.
∎ السينما المصرية قدمت العديد من الأفلام عن المعاقين.. كيف تراها؟ وما هو المختلف فى فيلمك عنها؟
- 90٪ من الأفلام التى قدمتها السينما المصرية عن المعاقين تظهر شخصية المعاق كشخصية ثانوية، أو لإضفاء «عالم ظريف» حول البطل الأساسى، ولا يتم مناقشة مشكلة المعاقين فيها، فمثلا فى فيلم «الجزيرة» سنجد أن شخصية شقيق البطل- التى لعبها «نضال الشافعى»- معاق، لكننا لم ندخل فى مشاكله أو همومه.. وبالتالى نحتاج فى السينما المصرية أن نقدم أفلاما ب «قصة حلوة» ومشوقة عن حياة المعاقين ومشكلاتهم.. والمختلف فى فيلمى أنه عن المعاقين، ولا يوجد فيه ترجمة، خاصة أن أغلب الفيلم يعتمد على التحدث بلغة الإشارة، وكانت هذه صعوبة لأننى كنت أكتب المشاهد لكى يفهمها المعاق وغير المعاق، لهذا كانت هناك حساسية شديدة فى اختيار أشياء أو أحداث أو غيرها لا يختلف عليها اثنان، وحتى يمكن فهمها للكل، لهذا كان الاعتماد فى الكتابة على الصورة أكثر من اللغة الحوارية.
∎ أعرف أنك كنت تذهب لأحد المولات الكبرى لمقابلة المعاقين.. حدثنى عن هذا الأمر؟
- يوجد مجموعة من المعاقين يتجمعون هناك كل يوم خميس من الساعة 4 إلى 8 مساء، ولا تقل عن 40 شخصا، ورغم اختلاف إعاقاتهم، فهم أصدقاء، وقد قابلت شخصيات كثيرة منهم أثرت فىّ مثل شخصية محاسب لديه قدرة خارقة على تنفيذ مهامه بدقة وسرعة، لكن لديه بطء فى السمع والكلام وكلما يذهب لعمل يرفض بسبب إعاقته، وطلبت منه أن أساعده، فأعطانى بياناته وهو يسخر منى لأن لديه يقيناً بأن الشخص غير المعاق لا يمكن أن يساعده!.. كما قابلت فتاة تشعر كأنها قائدة ولديها طاقة مذهلة،وكانت مخطوبة لشخص منهم يعمل مهندسا، وطلبت منها الحديث، فغار خطيبها منى جدا بسبب طلبى هذا رغم أنى متزوج!.. المميز أنه لا يوجد تمييز طبقى بينهم، فهم من كل المستويات.
∎ هل طلبت من المعاقين الذين قابلتهم المساعدة على تنفيذ الفيلم؟
- حينما قابلتهم شعرت بأنى غريب وسطهم، فهم متواصلون، لهذا أحسست بإحساس المعاق المتواجد وسط أشخاص غير معاقين، إحساس بالعزلة الشديدة.. لهذا كنت أكتب المشاهد فى إطار إحساس المعاق بمرور أهم اللحظات فى حياته وهو لا يستطيع رؤيتها أو سماعها أو الشعور بها كليا مثلما نشعر نحن بها.. لهذا طلبت منهم أن يبعثوا لى بأى مواد تساعدنى على كتابة فيلمى، لكنهم لم يرسلوا أى شىء!.. وذلك نابع- مثلما قلت لك- من إحساسهم بأن غير المعاق لا يستطيع مساعدتهم، وأنه يتعرف عليهم لغرض المصلحة فقط ليس إلا!.
∎ ألم يشاهدوا أفلامك حتى يتفهموا أنك مهتم بمساعدتهم؟
- بالمناسبة المعاقين الذين قابلتهم لا يعرفون «أحمد حلمى» أو «عادل إمام» أو أى نجم من المعروفين لدينا لأنهم لا يفهمون أفلام هؤلاء النجوم، عكس ما يحدث فى أمريكا التى بها دور عرض مخصصة للمعاقين فقط!