أسعار الأسماك والدواجن اليوم 20 سبتمبر    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية بعد خفض الفائدة الأمريكية    مصرع وإصابة 3 في حادث انقلاب سيارة بالصحراوي الغربي ب جهينة    عبد الباسط حمودة: عشت أيام صعبة وأجري في الفرح كان ربع جنيه    «دمعتها قريبة».. عبدالباسط حمودة يكشف عن أغنية أبكت ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض: جدري القردة خارج نطاق السيطرة    التوت فاكهة الغلابة.. زراعة رئيسية ويصل سعر الكيلو 40 جنيه بالإسماعيلية    دعاء يوم الجمعة.. أفضل ما يقال للرزق والسنن المستحبة    حرب غزة.. قوات الاحتلال تنكل بجثامين الشهداء الثلاثة في قباطية    بالأسماء| انتشال جثة طفل والبحث عن شقيقته سقطا في ترعة بالزقازيق    أمين الفتوى: لن تقبل توبة سارق الكهرباء حتى يرد ثمن ما سرقه    مقتل شاب على يد جاره في مشاجرة بدار السلام    موسم سيول شديدة.. الأرصاد تعلن توقعات فصل الخريف    مصرع شقيقين تحت عجلات قطار في المنيا بسبب عبور خاطئ للمزلقان    6 شهداء وإصابات إثر قصف الاحتلال منزلا في مدينة غزة    ترامب يثير الجدل بتصريحاته عن إسرائيل: أفضل صديق لليهود    وينسلاند: التوسع الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة يغير المشهد ويزيد تعميق الاحتلال    رابطة الأندية تكشف سبب تأخر تسلم درع الدوري ل الأهلي    الحكومة: تكلفة الأنبوبة 340 جنيهاً وكان من الصعب بيعها للمواطن ب100    سياسي بريطاني يحذر من تصعيد خطير بشأن ضرب كييف للعمق الروسي    الرئيس التنفيذي لشركة نايكي الأمريكية يعتزم التقاعد    عبدالباسط حمودة: أبويا كان مداح وكان أجري ربع جنيه في الفرح (فيديو)    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    بريست يحقق فوزا تاريخيا على شتورم جراتس    مساجد شمال سيناء تعقد 53 ندوة علمية دعوية عن سيرة النبي    صفارات الإنذار تدوّي في عدة مقاطعات أوكرانية وانفجارات ضخمة في كييف    قرار جديد من وزير التربية والتعليم قبل بدء العام الدراسي المقبل 2025    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    أحمد فتحي: أنا سبب شعبية هشام ماجد (فيديو)    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    مفصول من الطريقة التيجانية.. تفاصيل جديد بشأن القبض على صلاح التيجاني    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    الداخلية تكشف كواليس القبض على صلاح التيجاني    ارتفاع جنوني.. تعرف على سعر طن الأسمدة بالسوق السوداء    حلمي طولان يكشف كواليس فشل تدريب الإسماعيلي    عيار 21 يرتفع الآن لأعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الزيادة الكبيرة    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    "الآن أدرك سبب معاناة النادي".. حلمي طولان يكشف كواليس مفاوضاته مع الإسماعيلي    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة: أجهزة الاتصال المستهدفة تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    اتحاد الكرة: نفاضل بين الأجنبى والمصرى للجنة الحكام وشيتوس مستمر مع الشباب    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الغناء العشوائى!

آفة العشوائيات التى هاجمتنا فى بداية السبعينيات بشكل ملحوظ وأتت بها الريح المحملة بسموم عصر الانفتاح الذى عكس الأوضاع المجتمعية فيما أطلق عليه الهرم المقلوب لم تصب فقط الشوارع والبيوت، بل امتدت وتخطت حاجز الحجر إلى البشر لتصيبهم فى عقولهم وأذواقهم وسلوكياتهم التى انهارت جميعها تحت مظلة الفن الاستهلاكى وتحديداً الغناء الذى انتشر بشكل عشوائى وبلغة أكثر عشوائية وسوقية أصابت المجتمع فى مقتل لم ينج منها بعد أن زادت الأمور تعقيداً والأنظمة فساداً فحققت الثلاثون عاماً الماضية أعلى معدلات العشوائية الغنائية.


مؤشرات الغناء العشوائى كانت تصعد على استحياء بين الحين والآخر منذ بداية القرن العشرين وتحديداً فى عشرينيات القرن الماضى عندما أصابت أذن المستمع المصرى كلمات كانت غريبة عليه من نوعية «ارخى الستارة اللى فى ريحنا.. لحسن جيرانا تجرحنا» وهى أغنية بها تورية جنسية غنتها «منيرة المهدية» فى نفس الفترة ظهرت أيضاً أغنية «هات الإزازة واقعد لاعبنى.. دى المزة طازة والحال عاجبنى» ل«نعيمة المصرى»، وإذا كانت عشوائية أغنية «منيرة المهدية» فى المعنى، فإن عشوائية أغنية «نعيمة المصرى» فى المعنى واللفظ وقد تكون المرة الأولى التى تظهر فيها ألفاظ غنائية بهذه الفجاجة والتى صدمت جمهور المستمعين، وهى تقريباً نفس الصدمة التى صدمتهم بها أغنية «عبدالعزيز محمود».. «ياشبشب الهنا.. ياريتنى كنت أنا» فى مطلع الخمسينيات ضمن فيلم «منديل الحلو» مع «تحية كاريوكا»، إلا أن ما يشفع لهذه الأغنية فى فجاجة ألفاظها أنها جاءت لضرورة درامية ضمن سياق أحداث الفيلم. الأغنية انتشرت بشكل كبير فيما بعد كأغنية فردية ومع تكرار إذاعتها وصلت لأن تكون من أشهر أغانى «عبدالعزيز محمود» الأغانى العشوائية القليلة هذه لم تشكل أبداً ظاهرة حتى بداية السبعينيات ويبدو أن المجتمع كلما ازداد عشوائية ازدادت أيضاً عشوائية فنونه والتى تتماشى مع تراجع المجتمع، ففى السبعينيات زحفت علينا كلمات جديدة فى الأسلوب، سوقية فى اللفظ، غريبة فى المعنى، مثل نوعية «السح إدح إمبو» و«سلامتها أم حسن» إلا أن الصوت الذى يؤديها شهد له كبار الموسيقيين والمطربين من أمثال «محمد عبدالوهاب» و«عبدالحليم حافظ» و«فريد الأطرش» بحلاوته ولكن «أحمد عدوية» استغل هذه الحلاوة فى الغناء العشوائى وقد يكون له عذره فى ذلك بعد أن وجد من الصعوبة اختراق الوسط الغنائى فى وجود أسماء بحجم «أم كلثوم» و«عبدالحليم» و«وردة» و«شادية» و«فريد الأطرش» و«نجاة» و«صباح» وغيرهم فراح يبحث عن الشىء الغريب غير المألوف للفت الانتباه كما ساعده فى ذلك بداية عصر الانفتاح الذى قلب الأوضاع المجتمعية وحول المعقول إلى اللامعقول وأصبح أستاذ الجامعة فى قاع المجتمع والسباك والزبال من علية القوم وأصبحت لغة المال هى المتحكمة فى مجريات الأمور وعلى رأسها أذواق الناس، عشوائية غناء «عدوية» استقبلها الناس فى البداية بنفور وفتور ورقص، إلا أنهم مع سياسة الإلحاح من خلال تشغيل أغانيه فى الشوارع عبر أجهزة الكاسيت والاسطوانات وترديدها فى كل مكان اضطر للاستجابة لها كلون جديد عليهم، خاصة بعد أن أحدث ثورة فى سوق الكاسيت والاسطوانات وحقق رقماً قياسياً عالمياً فى عالم المبيعات لم يصل إليه من قبل إلا موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب» وهو رقم المليون نسخة مما جعل كبار المطربين يحاولون الاستفادة من جماهيريته بعد أن أثنوا على حلاوة صوته وتحديداً «عبدالحليم حافظ» الذى ذهب إليه فى الملهى الليلى الذى يغنى فيه - كنوع من الدعاية لنفسه - ليتبادل معه غناء أغانيه، فغنى له «السح الدح إمبو» فى الوقت الذى غنى له «عدوية» «خسارة».. «عدوية»، رغم وجود مطربين شعبيين كبيرين قبله بحجم «محمد عبدالمطلب» و«محمد رشدى» يعتبر هو المطرب الشعبى الذى يحصل على هذه الصفة خالصة ليحتل نفس المكانة من بعده وبنفس الدرجة التى بدأ بها «عدوية» مشواره إن لم يزد قليلاً «شعبان عبدالرحيم» وإلى هنا والغناء الشعبى يحافظ على ثوب الحياء- الذى يرتديه- إلى حد ما دون أن يدخل مرحلة الفجور ولا الفجاجة أو الوقاحة والكارثية التى وصل إليها الآن، وتحول من غناء شعبى إلى غناء عشوائى صريح بعيدا عن الشعبية وعن الغناء من أصله، والذى انهارت قواعده مع مجىء «سعد الصغير» وأعوانه مثل «ريكو»، فهذه النوعية من الأغانى يجب أن تقدم أصحابها إلى ساحات المحاكم ليس لكون معظمهم سوابق ومسجلين خطر، وإنما بتهمة خدش الحياء والذوق العام، هذه النوعية من الأغانى وأصحابها يسيئون إلى الغناء، لأنهم سواء رضينا أم أبينا أصبحوا محسوبين على المنظومة الغنائية فى المجتمع، بصرف النظر عن أشكالهم ونوعية أغانيهم، التى ابتعدت عن القيم والأخلاقيات والعادات والتقاليد وحتى الأعراف الغنائية التى تعودنا عليها من قبل فى أغانى «عبدالمطلب» مثل «ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين»، وأغانى «محمد رشدى» مثل «تحت الشجر يا وهيبة» و«كعب الغزال» و«عدوية»، أما أغانى هذه الأيام والتى طفحت علينا فى غفلة من الزمن فأصبحت تتغزل فى الحشيش والبانجو والبيرة والنسوان مثل «أنا شارب سيجارة بنى.. حاسس دماغى بتاكلنى.. قاعد فى الحارة باسقط والغسيل عمال بينقط والشارع اللى ورايا قدامى.. والكلام على طرف لسانى.. باجى أتكلم باتخبط.. يا عم ولع.. يا سيدى ولع» ل«محمود الحسينى»، ويبدو أن الشرب وقع عقدا مع «الحسينى» فبعد أن غنى لشرب الحشيش غنى لشرب البيرة «أنا شارب تلاتة ستلا.. أنا راجل قوى مش قلة»، الغريب أن هذه الأغانى لم يتفاعل معها أبناء المناطق العشوائية والذين تجدهم يتسابقون فى تقديمها فى أفراحهم عبر ال«دى جى» ولا مانع من التعاقد مع مطربيها إذا كان صاحب الفرح مقتدرا ماديًا أو تاجر خردة أو مخدرات وما شابه، بل الأغرب أن هناك من الصغار ومن الشباب سواء من الطبقات الراقية أو المتوسطة، أصبحوا يتفاعلون معها أيضا مما يشكل خطورة عليهم والخوف من تسميم عقولهم بعد أن راحت هذه النوعية تغزو المجتمع بشكل واضح وتتطاير مع الهواء الذى نتنفسه وتطاردنا فى وسائل الإعلام المرئية وتحديدًا الخاصة وبشكل ملح مما جعل لها تأثيرها السلبى المباشر علينا.. الخطورة الأكبر أن هذه الأغانى أصبحت تميمة للأعمال الدرامية سواء السينمائية أو التليفزيونية وهو ما يسمح لها بالدخول إلى كل بيت، فرأينا الكثير من الأفلام والمسلسلات تستعين بهذه النوعية للاستفادة من جماهيريتها للتأثير الإيجابى سواء فى الترويج أو الإيرادات خاصة السينمائية التى ترتبط بشباك التذاكر، والتى بدأها «سعد الصغير» واعتمدت عليها أفلامه اعتماداً كبيرًا، والأكثر من ذلك أنه زاد عليها حركاته الخليعة، وهى الصورة التى رأيناها فى «علىّ الطرب بالتلاتة» فى أغنيته «بحبك يا حمار» التى ضرب بها كل القواعد الغنائية والفنية والأخلاقية أغنية «هاتى أطة» فى «شارع الهرم»، ويقول فيها «أبوسها عشرة على عشرة.. هزيها يا بت كمان هزة، طريها ويا بخت الأرض اللى بتمشى عليها».. وفى فيلم «لا تراجع ولا استسلام» استعان «أحمد مكى» بأغنية «الدنيا زى المرجيحة يوم تحت وفوق»، الأغنية العشوائية تحديدا خلال العامين السابقين انتشرت انتشارًا واسعًا وشهدت الساحة ظهور أكثر من 50 مطربًا شعبيًا معظمهم سوابق ورد سجون ومسجلين خطر، هذه النماذج كانت سببًا فى نكبة الأغنية الشعبية، خاصة أنهم اعتمدوا على كلام رخيص يكتبه أرباع مؤلفين ليس لهم سعر فى سوق التأليف واللحن يجتهد فيه المغنى نفسه أو من يستعين به من نفس شاكلة المؤلفين والنتيجة أغنية ب 3 مليم ويقوم بتسجيلها فى استوديو لا يزيد فيه سعر ساعة التسجيل على 80 جنيها فلو احتاج 5 ساعات يكون إجمالى المبلغ المصروف 400 جنيه، خلاصة ذلك أن 1000 جنيه من الممكن أن تكون لدينا أغنية عشوائية جاهزة تطاردنا فى الشوارع والميكروباصات وتلوث أسماعنا وأخلاقنا.


اللافت أيضا أن أسماء غريبة بدأت تظهر مع ظهور عالم الأغنية العشوائية فوجدنا «هوبا» و«سمسم» و«شحتة» و«شيكو» و«أوكا» و«أورتيجا» فى أغنيات أكثر غرابة مثل «تحية للمنحرفين» و«هاتى بوسة يا بت.. هاتى حتة يا بت»، الغريب أن الأغنية العشوائية تخطت حدود المغنين العشوائيين سواء بأغانيهم الفردية أو أغانيهم التى يتم إقحامها فى الأفلام والمسلسلات إلى نجوم تمثيل لهم أسماؤهم اتجهوا إلى هذه النوعية من الغناء للتخديم على أعمالهم مثلما فعلت «يسرا» فى فيلم «جيم أوفر» فى أغنية «حقى برقبتى» وتقول فيها «يا ولية يا زنانة.. ودماغك تعبانة.. على نارك خليكى.. والغيرة تاكل فيكى.. آه يا بت يا مزة.. راح أهزك هزة».


مؤشرات الغناء العشوائى كانت تصعد على استحياء بين الحين والآخر منذ بداية القرن العشرين وتحديداً فى عشرينيات القرن الماضى عندما أصابت أذن المستمع المصرى كلمات كانت غريبة عليه من نوعية «ارخى الستارة اللى فى ريحنا.. لحسن جيرانا تجرحنا» وهى أغنية بها تورية جنسية غنتها «منيرة المهدية» فى نفس الفترة ظهرت أيضاً أغنية «هات الإزازة واقعد لاعبنى.. دى المزة طازة والحال عاجبنى» ل«نعيمة المصرى»، وإذا كانت عشوائية أغنية «منيرة المهدية» فى المعنى، فإن عشوائية أغنية «نعيمة المصرى» فى المعنى واللفظ وقد تكون المرة الأولى التى تظهر فيها ألفاظ غنائية بهذه الفجاجة والتى صدمت جمهور المستمعين، وهى تقريباً نفس الصدمة التى صدمتهم بها أغنية «عبدالعزيز محمود».. «ياشبشب الهنا.. ياريتنى كنت أنا» فى مطلع الخمسينيات ضمن فيلم «منديل الحلو» مع «تحية كاريوكا»، إلا أن ما يشفع لهذه الأغنية فى فجاجة ألفاظها أنها جاءت لضرورة درامية ضمن سياق أحداث الفيلم. الأغنية انتشرت بشكل كبير فيما بعد كأغنية فردية ومع تكرار إذاعتها وصلت لأن تكون من أشهر أغانى «عبدالعزيز محمود» الأغانى العشوائية القليلة هذه لم تشكل أبداً ظاهرة حتى بداية السبعينيات ويبدو أن المجتمع كلما ازداد عشوائية ازدادت أيضاً عشوائية فنونه والتى تتماشى مع تراجع المجتمع، ففى السبعينيات زحفت علينا كلمات جديدة فى الأسلوب، سوقية فى اللفظ، غريبة فى المعنى، مثل نوعية «السح إدح إمبو» و«سلامتها أم حسن» إلا أن الصوت الذى يؤديها شهد له كبار الموسيقيين والمطربين من أمثال «محمد عبدالوهاب» و«عبدالحليم حافظ» و«فريد الأطرش» بحلاوته ولكن «أحمد عدوية» استغل هذه الحلاوة فى الغناء العشوائى وقد يكون له عذره فى ذلك بعد أن وجد من الصعوبة اختراق الوسط الغنائى فى وجود أسماء بحجم «أم كلثوم» و«عبدالحليم» و«وردة» و«شادية» و«فريد الأطرش» و«نجاة» و«صباح» وغيرهم فراح يبحث عن الشىء الغريب غير المألوف للفت الانتباه كما ساعده فى ذلك بداية عصر الانفتاح الذى قلب الأوضاع المجتمعية وحول المعقول إلى اللامعقول وأصبح أستاذ الجامعة فى قاع المجتمع والسباك والزبال من علية القوم وأصبحت لغة المال هى المتحكمة فى مجريات الأمور وعلى رأسها أذواق الناس، عشوائية غناء «عدوية» استقبلها الناس فى البداية بنفور وفتور ورقص، إلا أنهم مع سياسة الإلحاح من خلال تشغيل أغانيه فى الشوارع عبر أجهزة الكاسيت والاسطوانات وترديدها فى كل مكان اضطر للاستجابة لها كلون جديد عليهم، خاصة بعد أن أحدث ثورة فى سوق الكاسيت والاسطوانات وحقق رقماً قياسياً عالمياً فى عالم المبيعات لم يصل إليه من قبل إلا موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب» وهو رقم المليون نسخة مما جعل كبار المطربين يحاولون الاستفادة من جماهيريته بعد أن أثنوا على حلاوة صوته وتحديداً «عبدالحليم حافظ» الذى ذهب إليه فى الملهى الليلى الذى يغنى فيه - كنوع من الدعاية لنفسه - ليتبادل معه غناء أغانيه، فغنى له «السح الدح إمبو» فى الوقت الذى غنى له «عدوية» «خسارة».. «عدوية»، رغم وجود مطربين شعبيين كبيرين قبله بحجم «محمد عبدالمطلب» و«محمد رشدى» يعتبر هو المطرب الشعبى الذى يحصل على هذه الصفة خالصة ليحتل نفس المكانة من بعده وبنفس الدرجة التى بدأ بها «عدوية» مشواره إن لم يزد قليلاً «شعبان عبدالرحيم» وإلى هنا والغناء الشعبى يحافظ على ثوب الحياء- الذى يرتديه- إلى حد ما دون أن يدخل مرحلة الفجور ولا الفجاجة أو الوقاحة والكارثية التى وصل إليها الآن، وتحول من غناء شعبى إلى غناء عشوائى صريح بعيدا عن الشعبية وعن الغناء من أصله، والذى انهارت قواعده مع مجىء «سعد الصغير» وأعوانه مثل «ريكو»، فهذه النوعية من الأغانى يجب أن تقدم أصحابها إلى ساحات المحاكم ليس لكون معظمهم سوابق ومسجلين خطر، وإنما بتهمة خدش الحياء والذوق العام، هذه النوعية من الأغانى وأصحابها يسيئون إلى الغناء، لأنهم سواء رضينا أم أبينا أصبحوا محسوبين على المنظومة الغنائية فى المجتمع، بصرف النظر عن أشكالهم ونوعية أغانيهم، التى ابتعدت عن القيم والأخلاقيات والعادات والتقاليد وحتى الأعراف الغنائية التى تعودنا عليها من قبل فى أغانى «عبدالمطلب» مثل «ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين»، وأغانى «محمد رشدى» مثل «تحت الشجر يا وهيبة» و«كعب الغزال» و«عدوية»، أما أغانى هذه الأيام والتى طفحت علينا فى غفلة من الزمن فأصبحت تتغزل فى الحشيش والبانجو والبيرة والنسوان مثل «أنا شارب سيجارة بنى.. حاسس دماغى بتاكلنى.. قاعد فى الحارة باسقط والغسيل عمال بينقط والشارع اللى ورايا قدامى.. والكلام على طرف لسانى.. باجى أتكلم باتخبط.. يا عم ولع.. يا سيدى ولع» ل«محمود الحسينى»، ويبدو أن الشرب وقع عقدا مع «الحسينى» فبعد أن غنى لشرب الحشيش غنى لشرب البيرة «أنا شارب تلاتة ستلا.. أنا راجل قوى مش قلة»، الغريب أن هذه الأغانى لم يتفاعل معها أبناء المناطق العشوائية والذين تجدهم يتسابقون فى تقديمها فى أفراحهم عبر ال«دى جى» ولا مانع من التعاقد مع مطربيها إذا كان صاحب الفرح مقتدرا ماديًا أو تاجر خردة أو مخدرات وما شابه، بل الأغرب أن هناك من الصغار ومن الشباب سواء من الطبقات الراقية أو المتوسطة، أصبحوا يتفاعلون معها أيضا مما يشكل خطورة عليهم والخوف من تسميم عقولهم بعد أن راحت هذه النوعية تغزو المجتمع بشكل واضح وتتطاير مع الهواء الذى نتنفسه وتطاردنا فى وسائل الإعلام المرئية وتحديدًا الخاصة وبشكل ملح مما جعل لها تأثيرها السلبى المباشر علينا.. الخطورة الأكبر أن هذه الأغانى أصبحت تميمة للأعمال الدرامية سواء السينمائية أو التليفزيونية وهو ما يسمح لها بالدخول إلى كل بيت، فرأينا الكثير من الأفلام والمسلسلات تستعين بهذه النوعية للاستفادة من جماهيريتها للتأثير الإيجابى سواء فى الترويج أو الإيرادات خاصة السينمائية التى ترتبط بشباك التذاكر، والتى بدأها «سعد الصغير» واعتمدت عليها أفلامه اعتماداً كبيرًا، والأكثر من ذلك أنه زاد عليها حركاته الخليعة، وهى الصورة التى رأيناها فى «علىّ الطرب بالتلاتة» فى أغنيته «بحبك يا حمار» التى ضرب بها كل القواعد الغنائية والفنية والأخلاقية أغنية «هاتى أطة» فى «شارع الهرم»، ويقول فيها «أبوسها عشرة على عشرة.. هزيها يا بت كمان هزة، طريها ويا بخت الأرض اللى بتمشى عليها».. وفى فيلم «لا تراجع ولا استسلام» استعان «أحمد مكى» بأغنية «الدنيا زى المرجيحة يوم تحت وفوق»، الأغنية العشوائية تحديدا خلال العامين السابقين انتشرت انتشارًا واسعًا وشهدت الساحة ظهور أكثر من 50 مطربًا شعبيًا معظمهم سوابق ورد سجون ومسجلين خطر، هذه النماذج كانت سببًا فى نكبة الأغنية الشعبية، خاصة أنهم اعتمدوا على كلام رخيص يكتبه أرباع مؤلفين ليس لهم سعر فى سوق التأليف واللحن يجتهد فيه المغنى نفسه أو من يستعين به من نفس شاكلة المؤلفين والنتيجة أغنية ب 3 مليم ويقوم بتسجيلها فى استوديو لا يزيد فيه سعر ساعة التسجيل على 80 جنيها فلو احتاج 5 ساعات يكون إجمالى المبلغ المصروف 400 جنيه، خلاصة ذلك أن 1000 جنيه من الممكن أن تكون لدينا أغنية عشوائية جاهزة تطاردنا فى الشوارع والميكروباصات وتلوث أسماعنا وأخلاقنا.


اللافت أيضا أن أسماء غريبة بدأت تظهر مع ظهور عالم الأغنية العشوائية فوجدنا «هوبا» و«سمسم» و«شحتة» و«شيكو» و«أوكا» و«أورتيجا» فى أغنيات أكثر غرابة مثل «تحية للمنحرفين» و«هاتى بوسة يا بت.. هاتى حتة يا بت»، الغريب أن الأغنية العشوائية تخطت حدود المغنين العشوائيين سواء بأغانيهم الفردية أو أغانيهم التى يتم إقحامها فى الأفلام والمسلسلات إلى نجوم تمثيل لهم أسماؤهم اتجهوا إلى هذه النوعية من الغناء للتخديم على أعمالهم مثلما فعلت «يسرا» فى فيلم «جيم أوفر» فى أغنية «حقى برقبتى» وتقول فيها «يا ولية يا زنانة.. ودماغك تعبانة.. على نارك خليكى.. والغيرة تاكل فيكى.. آه يا بت يا مزة.. راح أهزك هزة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.