إعادة كارت البنزين.. فخري الفقي يكشف عن الآلية الجديدة لدعم المحروقات    "12 قتيلا من الفصائل الموالية لإيران".. آخر إحداثيات هجوم دير الزور    عاجل| صهر «قاسم سليماني» في دائرة الضوء هاشم صفي الدين ومستقبل حزب الله بعد نصر الله (التفاصيل الكاملة)    بايدن يتلقى إفادة بشأن الشرق الأوسط ويراجع وضع القوات الأمريكية بالمنطقة    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    موعد مباراة ريال مدريد ضد أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    التصعيد مستمر.. غارة إسرائيلية على الشويفات قرب الضاحية الجنوبية لبيروت    الصحة اللبنانية: استشهاد 33 شخصًا وإصابة 195 بالغارات الإسرائيلية    وزير الخارجية: مصر حريصة على تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة    عمرو أديب يشكك بركلة جزاء الأهلي ويقارنها بهدف منسي: الجول الحلال أهو    مدحت العدل: جوميز يظهر دائمًا في المباريات الكبيرة وتفوق على كولر    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    حار نهارا.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأحد    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    صلح شيرين عبد الوهاب وشقيقها محمد.. والأخير يرد: انتى تاج راسى    بعد انخفاض عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    نجم الزمالك السابق: هذا الشخص السبب في خسارة الأهلي بالسوبر    «غرور واستهتار».. تعليق ناري من نجم الأهلي السابق على الهزيمة أمام الزمالك    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    نشرة التوك شو| أصداء اغتيال حسن نصر الله.. وعودة العمل بقانون أحكام البناء لعام 2008    الأوراق المطلوبة لتغيير محل الإقامة في بطاقة الرقم القومي.. احذر 5 غرامات في التأخير    انخفاض جماعي.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    أسعار الذهب اليوم في مصر بنهاية التعاملات    ضبط شاب لاتهامه بتصوير الفتيات داخل حمام كافيه بطنطا    التحويلات المرورية.. بيان مهم من الجيزة بشأن غلق الطريق الدائري    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    وزير الخارجية يتفقد القطع الأثرية المصرية المستردة في القنصلية العامة بنيويورك    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    المنيا تحتفل باليوم العالمى للسياحة على كورنيش النيل.. صور    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي (فيديو)    المخرج هادي الباجوري: كثيرون في المجتمع لا يحبون فكرة المرأة القوية    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال مبارك.. ممنوع!


عبدالله كمال 7 أغسطس 2010 3:00 م

الصراع بين الدولة المدنية .. وفريق الدولة الدينية
في عام 2002 بدأت صحفيا متابعة (المشروع الإصلاحي في الحزب الوطني)، قبل أن أصبح عضوا في مؤسسته الأصيلة (أمانة السياسات) من خلال إحدي اللجان التابعة، تلك الأمانة التي اصطلح علي وصفها في وقت مبكر صفوت الشريف أمين عام الحزب بأنها (قلب وعقل الحزب النابض). وقبل أن تشهد مصر (نعمة الحراك السياسي) التي استحالت علي يد البعض إلي (لوثة) تخطب يد (الفوضي) وتلهث نحوها .. كان أن واجه هذا المشروع الطعن المباشر من خلال حملة سياسية وإعلامية منظمة .. لم تكن تستهدف جمال مبارك تحديدا .. بقدر ما استهدفت عن طريق ملاحقته شخصيا فكرة الإصلاح في حد ذاتها في (حزب الأغلبية).
أستطيع أن أؤرخ صحفيا لما جري في خلال السنوات الثماني تلك، للدقة السنوات العشر، فقد بدأ التوجه نحو الإصلاح من خلال التشخيص ولجنة تطوير الحزب في عام 2000، وعقب الانتخابات البرلمانية الشهيرة في ذلك العام .. وبينما أتيح لي أن أتابع عن كثب حركة التطوير والمعوقات التي واجهتها وحاولت أن تضع العثرات في طريقها.. وبما في ذلك حضوري فعاليات علنية ميدانية وأنشطة غير ذلك داخل الحزب .. فإنه يمكن القول أن أمين السياسات باعتباره (عنوان المشروع الإصلاحي ومحوره) تعرض إلي ما يمكن وصفه بأنه رغبة حثيثة في (منعه من العمل العام) وإبعاده عن الساحة. لقد تنوعت الأساليب في محاولة المنع، إما بالتشويه المتواصل، أو بالطعن في المقصد، أو بالإساءة إلي من التفوا حول الإصلاح، أو بافتعال الفبركات، أو بالضرب في الأفكار، أو بإساءة التفسير المتعمدة للتصرفات.. وصولا إلي الأسطورة الكبري المناقضة لواقع البلد دستوريا .. ونظامه الجمهوري.. والمعروفة باسم (التوريث).
- ثلاثة فرق
في التفسير، يمكن القول أن النخبة المصرية علي تنوع اتجاهاتها تتوزع علي ثلاثة توجهات ومناهج حين ترغب في إحداث تطوير ما في المجتمع .. فريق يري أنه: لا إصلاح وتطوير إلا من داخل الدولة ومؤسساتها، اعتمادا علي تلادة الدولة المصرية وعراقتها ورسوخ مؤسساتها، وسيطرة بيروقراطيتها، وأن الدولة الحديثة عرفت التطوير والتحديث من داخلها.
وفريق ثان يري أن التغيير لابد أن يأتي عن طريق عمل ثوري يقوض المؤسسات ويبدأ كتابة تاريخ البلد من أول السطر.. ولو كان هذا بالفوضي، ولو كان هذا بالدماء .
وفريق ثالث يؤمن بأن التغيير لابد أن يأتي من خلال التعاون مع جهات خارجية تقدم العون والمساندة لفريق في الداخل وتدفع به إلي الأمام .. وهو فريق لايخجل من التعاون مع الدول ويبرر ذلك علي أنه نوع من العمل الوطني في مواجهة ما يري أنه (استبداد).
الفريقان الثاني والثالث يناقضان واقع التاريخ المصري الحديث، بغض النظر عن تناقض فكرة الفوضي التي يؤيدها الفريق الثاني مع طبيعة الإنسان المصري .. وبغض النظر عن رفض المصريين للتوجهات المتواطئة مع الأجندات الخارجية .. وهو رفض لم ينف علي الإطلاق أن أصحاب تلك الاتجاهات كانوا دوما موجودين علي الساحة وصولا إلي كثافة بروزهم وصراحتهم المذهلة الآن .. علي الرغم من أنهم لم يفلحوا في تحقيق مراميهم منذ كان الاحتلال الإنجليزي قابعا في البلد .. وحتي صاروا يتلقون الدعم العلني من الجهات الأوروبية والأمريكية حاليا.
ومن الممكن القول إن هذا الاختلاف المنهجي كان أحد أهم الأسباب الجوهرية للهجوم الذي لم ينقطع علي المشروع الإصلاحي في الحزب الوطني، في ضوء أنه تجسيد حقيقي لنظرية التطوير من داخل بنيان الدولة وعبر إليه الديموقراطية الحديثة أي من خلال مؤسسة الأحزاب.
لكن هذا الافتراض لا ينفي كذلك أن المشروع نفسه مثل ضربا لمصالح توجهات رافضة من الأصل للإصلاح .. حتي لو كانت داخل مؤسسات الدولة .. غير أن الأهم والأخطر علي الإطلاق هو أن القوة التي وجدت في ذلك العمل الإصلاحي الذي لم يتوقف تهديدا حيويا لها هي جماعة الإخوان والتوجهات التي تقف ضد مدنية الدولة وعصريتها وتحديثها .. علي اعتبار أن (المشروع الإصلاحي) وعنوانه (جمال مبارك) يمثل ترسيخا مدنيا وتعزيزا لصفات دولة القانون وتأكيد فصل الدين عن السياسة .. ما يناقض توجهاتها برمتها.
-من أجل الأحزاب
إن تطوير الحزب الوطني، باعتباره مبادرة دعا إليها الرئيس مبارك في لقاء له مع شباب الجامعات في الإسكندرية في عام 2000، لم يستهدف الحزب صاحب الأغلبية وحده .. وإنما قصد أن يكون الحزب نفسه نقطة الانطلاق بما يؤدي إلي تنشيط جوهري للحياة الحزبية بمؤسساتها المختلفة ولو كانت معارضة .. في ضوء أن الأحزاب المعارضة هي من بين مؤسسات الدولة وفق القانون والدستور وقواعد الشرعية.
ويمكن لأي متابع غير متعمق أن يرصد أن التاليات من النتائج لمبادرة الإصلاح في حزب الأغلبية قد ذهبت في هذا الاتجاه .. حتي لو لم تكن التأثيرات قد أصبحت ملموسة بصورة فعالة .. والرصد القانوني والسياسي يمكن أن يسجل عوامل تحفيز وتحبيذ ومميزات نالتها المؤسسات الحزبية خلال السنوات الماضية وخصوصا بعد انطلاق الحراك عقب التعديلات الدستورية في 2005 ومن ثم عقب تعديلات 2007 .. لاسيما في التميز الممنوح للأحزاب من حيث إنها الأقرب والأجدر دستوريا إلي أن ترشح أشخاصا للتنافس علي منصب الرئيس .. وخصوصا مع النص في الدستور علي منع استغلال الدين في السياسة .. ما يعني أن المؤسسة الحزبية قد أضيفت إليها عوامل قدرة وترسيخ لم تكن متاحة لها بهذا الشكل قبل تعديل الدستور.
علي المستوي السياسي والتنظيمي، فإن حزب الأغلبية بادر إلي عزل نفسه عن الحالة القديمة التي كان عليها من خلط بين ما هو حكومي وما هو حزبي، وفصل الحزب عن الحكومة، وراح يقدم طرازا مختلفا من العمل السياسي في العلاقة مع الحكومة .. حتي لو كانت حكومة تنتمي إلي أغلبيته .. وأصر علي التعامل المؤسسي مع الأحزاب القانونية .. انطلاقا من الحوار الذي قاده الأمين العام صفوت الشريف قبل سنوات مع مختلف الأحزاب .. أضف إلي ذلك التواجد المتزايد للأحزاب من خلال القرار الرئاسي بالتعيين في مجلس الشوري - حق دستوري للرئيس- والإصرار الإعلامي علي أن الحوار والتفاعل يكون مع الأحزاب وليس مع غيرها من التوجهات السياسية غير القانونية أو خارج سياق الشرعية.
- ضد الإخوان
لقد أدركت جماعة الإخوان أن هذا التطوير الجاري في الحزب الوطني، ومن وقت مبكر، إنما يناقض مصالحه التاريخية ومشروعها المتوهم أنها قادرة علي تطبيقه لإعلان دولة دينية في مصر، ومن ثم فإنها وقفت ضد هذا المشروع برمته بطرق وأساليب مختلفة علي مدي السنوات الماضية .. ويمكن القول إنها في مقابل هذا الاتجاه نحو الترسيخ الحزبي وتعزيز الحياة الحزبية كان أن مضت قدما في دعم التوجه نحو الفوضي وتكريس تفتيت الحياة السياسية المصرية في مجموعات من الجماعات غير القانونية حتي لو كانت تختلف معها أيديولوجيا .. وحتي لو كانت تناقضها تماما من الناحية الفكرية.
الهدف الإخواني رمي إلي أكثر من أمر .. الأول هو ألا تبقي الجماعة وحدها في قائمة الفئات غير القانونية، وبالتالي فإنها استأنست بعدد لا يحصي من الجماعات التي لايوجد لها أساس قانوني، والثاني هو أن تلك الحالة غير القانونية إنما تؤدي إلي الالتفاف علي الدستور ومصداقيته، والثالث هو أن هذه الرعاية العلنية والخفية من قبلها لجماعات غير قانونية قد خلق لها نوعا من الحلفاء الذين يعملون من أجل تحقيق أهدافها حتي دون أن يدروا .. إلي أن تحين اللحظة - التي لن تأتي - وعندها تطيح الجماعة بكل هؤلاء الذين استخدمتهم.
بمعني أوضح فإن مشروع الإصلاح في الحزب الوطني، وما استتبعه وما يليه من تأثيرات علي حالة الحراك من خلال التصرفات والمبادرات التي يتبناها، واجه بديلا غير معلن الاسم خلال نفس السنوات الثماني، من خلال جماعة الإخوان ..هو مشروع (هدم الدستور) وصفات الدولة المدنية .. وفي حين كان رافد واحد يصب في المشروع الأول متمتعا بأنه صاحب الأغلبية والقادر علي تنفيذ توجهاته عبر الآليات القانونية .. فإن المشروع الثاني تميز بأنه حصل علي روافد عديدة صبت في اتجاهه .. بحدوث تحالف لم يكن مفاجئا بين أصحاب المنهج الثوري في التغيير وأصحاب المنهج الأجنبي والمنتمين إلي أجندات أجنبية .. وبما يخدم المشروع المناقض للدولة المدنية العصرية الذي تتبناه وتؤمن به جماعة الإخوان.
ومن المؤسف حقا أن مؤسسات الأحزاب، إما لقراءة خاطئة، أو لانتهازية قصيرة النظر، أو لعدم تواصل مع حزب الأغلبية، أو لأنها ترفض خوض المعارك وتستسهل السير في سياق جمعي، وجدت أن المشروع الإصلاحي في الحزب الوطني إنما يعارض مصالحها، ومضت فترة طويلة من الوقت تصطف في الفريق الذي يعمل ضده .. بل تحاربه وتروج عكس توجهاته وتقدم وقودا في ماكينة تشويهه .. وهي حالة يمكن القول أنها قيد المراجعة الآن من قبل الأحزاب القانونية .. ليس من أجل مساندة المشروع الإصلاحي في الحزب الوطني أو تعضيد عنوانه .. وإنما لتحقيق استفادتها من المزايا التي أنجزتها مبادرات حزب الأغلبية من أجل الحياة الحزبية وتعزيز صفات الدولة المدنية .. وهي استفادات ذات طابع قانوني وسياسي وثقافي يمكن أن تحرز نتائج أوسع مما هي عليه الآن علي المدي القصير والمدي المتوسط.
- الحرس القديم والجديد
ولا يمكن أن ننكر أبدا أن هذه القراءة الخاطئة حكمت تصورات موجودة داخل حزب الأغلبية نفسه، في بداية عملية الإصلاح الحزبي، ما أسفر عن التمييز بين المعوقين والمساندين .. أو أولئك الذين اصطلح علي تسميتهم بالحرس القديم والحرس الجديد .. وقد لجأت قيادات سابقة في الحزب إلي التحالف غير المعلن وإن كان مكشوفا مع عناصر خارجة للعمل ضد مشروع الإصلاح وعنوانه .. إلي أن انتهت تلك الحالة بمضي الوقت ومع تدفق تيار الإصلاح ومع حدوث ترتيبات سياسية وتنظيمية في الحزب .. ما قضي علي (حالة الحرسين) .. إلا قليلا .. في ضوء وجود ترسيبات محدودة لحسابات شخصية ضيقة ولا تمثل تيارا .. ويمكن أن تعالج بأساليب سياسية.
لقد تعرض هذا المشروع الإصلاحي في حزب الأغلبية إلي معوقات وحملات كثيفة وكثيرة، تنوعت أساليبها بدءا من الاستهداف الشخصي .. وهي الغالبة .. إلي الاستهداف الموضوعي .. غير أن أهم لحظات الاختبار الشرسة كانت تلك التي جرت في انتخابات 2005 .. وفيها سعي أنصار الدولة الدينية إلي فرض زخم لمشروعهم المناقض للدوله المدنية من خلال ال 88 نائبا .. وهاهي تحين لحظة جديدة قريبة في الانتخابات البرلمانية لعام 2010 .. ولكنها لحظة مختلفة تماما.
ويخطئ البعض حين يعتقد أن الفرقعات الإثارية التي تطلق خلال هذه الأيام حول عنوان مشروع الإصلاح الحزبي (جمال مبارك) إنما لها علاقة بانتخابات 2011 علي المستوي الرئاسي .. في حين أن هذه انتخابات تبدو محسومة التوقع حتي لو لم تكن يسيرة كما جرت الأمور في 2005 .. ولكن الموضوع الأساسي في الموقف الحالي يتعلق جوهريا وعمليا بانتخابات مجلس الشعب .. بينما إطلاق النار يصل بالطلقات الفوضوية إلي ما يقال أنه له علاقة بالانتخابات الرئاسية.
إن المسألة ببساطة، ومرة جديدة، تكمن في أن هناك من يسعي إلي فرض أجندة تجعل أنظار الرأي العام والجهد الحزبي يركز علي انتخابات 2011 بقصد التمويه علي انتخابات 2010 .. أو التفاوض غير المعلن علي نتائج تلك الأخيرة .. كما لو أنها تخضع للتقسيم وتوزيع الأنصبة .. وعلي سبيل المثال فإن جماعة الإخوان هي نفسها أكثر الفئات إدراكا أن التوقيعات التي تجمعها (إلكترونيا) ومن خلال الأجهزة وليس من خلال التفاعل السياسي في الشارع مساندة للسياسي السائح محمد البرادعي .. إنما هي نوع من العبث .. ولكنها تستخدم ذلك اعتقادا منها أن التوقيعات قد تكون ورقة للضغط في الانتخابات البرلمانية.
- أزمات ومعسكرات
لا توجد أزمة حقيقية في معسكر المشروع الإصلاحي المؤيد والمعضد للدولة المدنية .. الأزمة الأكيدة موجودة في معسكر الدولة الدينية .. ذلك أن الاختبارات العامة التي تعرضت لها جماعة الإخوان، فضلا عن الجماعات غير القانونية المتناثرة حولها، قد أظهرت أن هناك مشكلات عويصة لدي هؤلاء .. سواء علي مستوي المضمون أو علي مستوي الرموز أو علي مستوي الثقة التي يمكن أن يحصلوا عليها من الرأي العام.
عمليا تواجه جماعة الإخوان حتي الآن تبعات تفجير داخلي رهيب بعد الصدام العنيف الذي وقع داخل الجماعة وأدي إلي انقلاب علي فريق منها من قبل فريق آخر، وهي تعاني من أزمة شرسة تتعلق بإحباط الشباب المنتمين إليها، بخلاف أن مجموعة نوابها السابقين في مجلس الشعب ال (88) لم يحققوا للناخبين ماوعدوا به.
وبخلاف التحدي الدستوري الذي تواجهه الجماعة من قبل النص الذي يرفض خلط الدين بالسياسة، فإن الجماعة خضعت لاختبارات خارجية أظهرت إلي أي مدي هي خارج سياق العصر وتناقض معادلاته وتمثل خطرا علي الاستقرار الإقليمي لو نالت الأغلبية في مصر في ضوء تحالفها المعلن مع معسكر علي رأسه إيران وفي وقوده جماعات من نوع حماس وحزب الله، ناهيك عن أنها لم تطرح حتي الآن أي بديل موضوعي للأفكار العملية المطبقة تنفيذيا مما أدي إلي فقدان الثقة في إمكانية أن تكون قادرة علي إدارة حي أو نقابة فما بالنا بدولة عريقة وضخمة ولها توازناتها ودورها مثل مصر.
وفي ذات السياق فإن الجماعات المتناثرة حول الإخوان، بما في ذلك (كفاية)، وجمعية البرادعي، وحزب الجبهة الديموقراطية، وما شابه من توجهات .. عانت من فشل جوهري وتراجع في الزخم إما لافتقادها البنية والقدرة، وإما لطبيعتها النخبوية، وإما لأنها لا تطرح بديلا سوي الفوضي أو علي أقل تقدير الامتناع عن ممارسة السياسة والدخول إلي اللعبة الديموقراطية من باب الخروج منها والانقلاب عليها ورفضها .. بخلاف عوامل أخري ليس هنا موقع سردها التفصيلي.
ويدرك هذا الفريق، وفيه الإخوان وما حولها، طبيعة الأزمة التي يعاني منها، ومن ثم فإنه يلجأ إلي الأساليب التي تدفع بتصدير المشكلات إلي الجانب الآخر، خصوصا مع اتضاح عدم إمكانية قدرة هذا الفريق علي اجتذاب الأحزاب القانونية المعارضة إلي معسكره .. من خلال الدعوة إلي تحالف يقاطع الانتخابات البرلمانية المقبلة .. وبالتالي فإننا خلال الأشهر المقبلة وخصوصا في الفترة التالية لشهر رمضان سوف نواجه مزيدا من الفرقعات السياسية التي تسعي بأي شكل إلي توزيع مختلف للأوراق والترتيبات قبيل الانتخابات البرلمانية.
- مجلس الشعب .. أولاً
المشروع الإصلاحي علي الجانب الآخر، لم يستجب علي الإطلاق إلي محاولة فرض أجندة الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية، وأصر علي أن تكون أولوياته هي (مجلس الشعب) فعليها سوف تنبني حسابات معقدة علي مستوي الشرعية والسياسة والتحالفات المختلفة، ومن الواضح أن هذا المعسكر قد نجح إلي حد بعيد في تعديل قراءة الأحزاب القانونية للواقع السياسي المصري .. إلا قليلا يحتاج مزيدا من الجهد .. خصوصا علي مستوي اتجاهات داخل الأحزاب تري أنها يمكن أن تمارس الانتهازية السياسية عن طريق اللعب بورقة الإخوان.
وفي قراءة تحركات هذا المشروع الإصلاحي المعضد والمعزز للدولة المدنية فإنه يمكن رصد ما يلي: ؟ قراءة مدققة قام بها حزب الأغلبية لنتائج انتخابات الشوري علي مستوي التصويت والتمثيل والتصرفات أثناء عملية الانتخاب وصولا إلي نتيجة مؤداها ضرورة تطوير الأداء السياسي وتحسين عمليات الترشيح وآلياته وبما في ذلك الاستجابة إلي توجهات الرغبة في مزيد من التغيير وتقديم وجوه جديدة .. وصولا إلي الحرص علي تحسين أداء العملية الانتخابية وحماية نزاهتها وصون مصداقيتها بكل الأساليب القانونية المتاحة.
- المبادرة إلي إعداد برنامج انتخابي بطريقة الحوار الداخلي في الحزب، وهو ما لم يتم الاستقرار علي خطوطه وملامحه الأخيرة حتي الآن في إطار عملية معقدة لاستجلاب التوقعات والأماني التي تريد قواعد الحزب أن يتضمنها هذا البرنامج .. ويمكن القول أنه سيكون برنامجا منفتحا وعصريا ويمثل تمهيدا نوعيا جذابا لانتخابات الرئاسة في عام 2011 .
- بدء الزخم السياسي من خلال اللقاءات الصيفية المعتادة لأمين السياسات جمال مبارك، وفي مقدمتها اللقاء المهم الذي حضره مع نخبة من شباب الجامعات في معهد إعداد القادة في حلوان .. حيث أكد أمين الس ياسات علي صفته الحزبية .. وحيث أكد أنه مستمر في العمل العام .. وحيث أكد أنه يتقبل النقد .. وحيث أكد أنه يدرك أن السياسة معركة .. وحيث كان حريصا علي أن يكون النقاش مع الشباب ممتدا لوقت طويل دون قيد أو شرط علي الشكل أو المضمون. إن الرسالة الجوهرية التي قدمها جمال مبارك، باعتباره عنوان المشروع الإصلاحي في الحزب، بخلاف كشف الحساب الذي بدا أنه يطرحه علي الشباب منذ بدأ هذا المشروع يقطع خطواته الأولي في الحياة الحزبية، هي أن هذا المشروع ضد المنع .. وأنه يخضع للنقد الذاتي .. وأنه قادر علي أن يكون مرنا ومتحاورا مع الرأي العام (لسنا في أبراج عاجية) .. وأن الإجماع التام لم يعد قاعدة مقبولة في الحياة العامة المصرية .. وأنه لابد من قبول الاختلاف.
قراءتي الشخصية من مجمل ما رأيت في هذا الحوار مع الشباب، وقد كان شديد الثراء، لا تتعلق بالمضمون وإنما تتعلق بالمنهج والقدرة علي الانطلاق .. إذ أثبت مجددا (المشروع الإصلاحي) أنه قادر علي أن يصل إلي أقصي سرعة من نقطة السكون حين يريد .. وهذه صفة جوهرية للغاية.

عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى:
http//alsiasy.blospot.com
أو على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
البريد الإلكترونى
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.