تكليف إيهاب عبد الصادق بالعمل مديرًا عاماً للإدارة العامة لشئون التعليم والطلاب بجامعة القناة    الدرندلي يزور ثلاثي الزمالك المحتجز في الإمارات    نوري شاهين: لا نسعى للانتقام من ريال مدريد.. ولهذا السبب لم نتدرب على ملعبهم    الأونروا: سكان شمال غزة يعيشون في ظروف مروعة    تعرف على حجم تجارة مصر مع دول بريكس.. زيادة الاستثمارات تتصدر ملفات قمة قازان    إيران: جيراننا أكدوا عدم سماحهم استخدام أراضيهم وأجوائهم ضدنا    أيمن الشريعي: الأهلي المنظومة الأنجح ولكن لا يوجد أنجح مني    مصرع شخص وإصابة آخر إثر اصطدام دراجة بخارية بحوض مياه ري بالمنيا    ضبط 271 مخالفة خلال حملات تموينية مكبرة على المخابز والأسواق بالمنيا    وزير الأوقاف يلتقي رئيس إندونيسيا بقصر الرئاسة بجاكرتا - صور    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟    حيلة ذكية من هاريس لكسر ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية.. النساء كلمة السر    أداء متباين لمؤشرات البورصة في منتصف تداولات اليوم    وزيرة التنمية المحلية ورئيس جهاز تنمية المشروعات الصغيرة يوقعان بروتوكولا لتقديم الدعم    برلماني: إنشاء الميناء الجاف بالعاشر من رمضان نقلة نوعية في مجال النقل    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    مشيرة خطاب: خطة عمل متكاملة عن الصحة الإنجابية بالتعاون مع منظمات دولية    وزير التربية والتعليم يكشف عن إجراءات جديدة لتحسين أوضاع المعلمين وتطوير المنظومة التعليمية في جلسة مجلس النواب    خطفوه وصوروه عاريا .. تفاصيل جريمة منيا القمح    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    احتفالات أبوسمبل.. رقص السائحات خلال تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني| صور    مناقشات للتوعية بالحفاظ على البيئة وتواصل دوري المكتبات في ثقافة الغربية    حفل هاني شاكر في مهرجان الموسيقى العربية الليلة «كامل العدد»    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    وزيرا الشباب والرياضة والتعليم يبحثان التعاون في إطار مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    «الصحة»: إضافة الأمراض النادرة لقانون صندوق الطوارىء الطبية أداة فعّالة لعلاجها    فى اليوم العالمى له، اعرف ماهو التلعثم والتأتأة وأسباب إصابة الأطفال بهما    الاعتماد والرقابة الصحية تنظم ورشة عمل للتعريف بمعايير السلامة لوحدات ومراكز الرعاية الأولية    عشرات النواب الأمريكيين يدعون بايدن للسماح بدخول الصحفيين إلى غزة    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    واقعة فبركة السحر.. محامي مؤمن زكريا: اللاعب رفض التصالح وحالته النفسيه سيئة    تعرف على أسعار السمك والمأكولات البحرية اليوم في سوق العبور    وزير التعليم للنواب: لا يوجد فصل الآن به أكثر من 50 طالبا على مستوى الجمهورية    رئيس الأركان يشهد تنفيذ التدريب المشترك «ميدوزا -13» | صور وفيديو    «الأزهر»: دورة مجانية لتعليم البرمجة وعلوم الروبوت للأطفال والشباب    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل في الشرقية    أخواتي رفضوا يعطوني ميراثي؟.. وأمين الفتوى يوجه رسالة    إحالة مسجلين إلى الجنح لاتهامهم بسرقة شركة في المرج    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    وزير الشئون النيابية يناقش التقرير الوطني لآلية المراجعة الدورية الشاملة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان    أول رد من «الصحة» على فيديو متداول بشأن فساد تطعيمات طلاب المدارس    جامعة القناة تواصل دورها المجتمعي بإطلاق قافلة شاملة إلى السويس لخدمة حي الجناين    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    في خدمتك| العمل تحدد شروط شغل 950 وظيفة بالقاهرة    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    الجارديان تلقي الضوء على مساعي بريطانيا لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    رواية الشوك والقَرنفل.. السنوار الروائي رسم المشهد الأخير من حياته قبل 20 عاما    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    حدث بالفن| طلاق فنانة للمرة الثانية وخطوبة فنان وظهور دنيا سمير غانم مع ابنتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي حساب مصر


عبدالله كمال 5 يونيو 2010 3:00 م

حالة (الترك فوبيا) المتنامية في الشرق الأوسط العربي، والتي تزايدت في الأيام الأخيرة مع أحداث (قافلة الحرية) البحرية التي تعدت عليها إسرائيل في عرض المتوسط، فرضت في بعض الكتابات نوعا من المقارنة السياسية بين كل من مصر وتركيا.. وطاب لعدد من المحللين أن يجد في المجريات ما يقود مجددا إلي خلاصة مؤداها انتفاء الدور المصري الإقليمي لصالح الدور التركي.. وهي فرضية تستوجب نقاشا طويلا.. بعيدا عن الدهشة التي تتفجر حين تجد أن عليك أن تدافع عن دور مصري بني بأرواح مائة ألف شهيد في ستين عاما.. مقابل اجتهادات تركية في عامين.. قتل في إحدي وقائعها تسعة أتراك قبل أيام.
لقد جرت مقارنة من هذا النوع المجتزئ، إبان حرب غزة التي توزعت بين نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، وكانت المقارنة وقتها بين مصر وإيران.. وهي مقارنة كانت مطروحة من قبل إبان حرب يوليو 2006 في لبنان بين إسرائيل وحزب الله.. مع صعود ما يمكن تسميته كذلك ب (الشيعة فوبيا).. وفي وقت سابق منذ ما يزيد علي عقد كان أن راح بعض المحللين يقولون إننا نعيش في المنطقة (الحقبة الإسرائيلية).. بعد (الحقبة السعودية).. وأن (الحقبة المصرية) كانت قد وقفت عند مرحلة الستينيات.. وولي زمانها.
والملاحظ أن هناك نوعاً من الحيرة متتالية المراحل علي مدي السنوات في تحديد من هي القوي التي يمكن ترشيحها في كتابات عدد من الأيديولوجيين لكي تنافس الدور المصري الإقليمي.. وفق مقتضي الظروف.. وحسب أهواء المروجين لهذه الترشيحات.. وليس غريبا أن نذكر أنه في وقت سابق كان أن تم ترشيح (عراق صدام حسين).. قبل أن يفني تقريبا، وكانت تلك الترشيحات تتردد حتي حين كانت مصر تشارك العراق واليمن والأردن فيما عرف باسم (مجلس التعاون العربي).
وكان أن رشحت لتلك المهمة في وقت لاحق سوريا.. حتي وهي تنضوي مع مصر ودول الخليج فيما عرف باسم (دول إعلان دمشق).. وفيما بعد جرت محاولات لدق الإسفين في حالة الود والتعاون بين مصر والسعودية بافتراض التنافس الإقليمي فيما بينهما خصوصا بعد مباحثات اتفاق مكة بين الفصائل الفلسطينية.. ومن المثير أنه يتم طرح اسم (قطر) إعلاميا في أحيان كثيرة لكي تقوم أيضا بمنافسة دور مصر الإقليمي. لقد ارتبطت هذه الحالة من المقارنات، وتسويق القوي الأخري، وترويج معاني (نهاية الدور المصري)، مع مناسبات مختلفة تميزت بالحدة والسخونة.. وجدها بعض من السياسيين فرصة لتحقيق (البزوغ الشعبوي) ومداعبة المشاعر الجماهيرية علي مستوي العالم العربي.. خصوصا لو كان الأمر يتعلق بقضية فلسطين من الناحية الشكلية.. بينما هو يتعلق بحسابات تخص الدول التي ينتمي إليها هؤلاء السياسيون.. لقد بلغ الحال في بعض الأحيان حد نفي التاريخ المصري ومحو نصر أكتوبر من سجل الأمة العربية.. وليس فقط نفي الدور المصري الحالي.. وهو ما جري حين قيل إن ما سمي نصرا لحزب الله في حرب 2006 هو أول نصر عربي علي إسرائيل.
وتكرر تقديم الأبطال البدلاء مع طرح صدام حسين باعتباره بطلا قوميا عربيا، قبل أن يفل مخلفا وراءه عراقا مدمرا، ومع حسن نصر الله ممثلا للدعاية الإيرانية.. قبل أن يخضع لشروط القرار 1701 ومراقبة قوة اليونيفيل في جنوب لبنان، مخلفا وراءه بلدا مدمرا و1200 شهيد ومليون مشرد، ومع أحمدي نجاد.. الذي يقود بلده إلي حتفه في مواجهة منظورة المراحل مع النظام الدولي بدءا من الشهر القادم حين يفرض علي إيران قرار العقوبات الدولي.. وها هو يتكرر مع تركيا فيما لاتستطيع أنقرة أن تجد ردا يلبي فوران الغضب الشعبي بعد سقوط القتلي التسعة الأتراك بيد إسرائيل في عملية (مذبحة البحر) الأخيرة.
ولا نكون مبالغين، أن نقول أنه لولا اختلاف الثقافات، وطبيعة العداء بين الأمة العربية وإسرائيل، لكان عدد من الكتابات قد رشح أبطالا من المجتمع الإسرائيلي لإلهام المخيلات العربية بعيدا عن أي نموذج مصري.. مع الوضع في الاعتبار أن هناك كتابات تقوم بالفعل بتمجيد شخصيات إسرائيلية باعتبارها (قاهرة) لا تقاوم ولاتجد ندية من الشخصيات المصرية.. أو يلقي بعبء اللوم علي مصر لأنها ب (تخاذلها) المفترض إنما سمحت لتلك الشخصيات بالظهور.. وكان عليها أن تعلن الحرب - ليس أقل - من أجل الدفاع عن دورها وحتي تنال الرضاء الدعائي.
- المكانة المصرية
وحتي لو كنت أرفض كل هذا من منطلقات مصرية، فإن علي أن أقدر (التحدي) الذي تمثله مصر.. حجما وقدرة ومكانة وتاريخا وحضارة.. بحيث إنه يتم طرح المنافسين الافتراضيين لها.. الذين يختلفون من مرحلة إلي أخري.. تلك هي طبيعة الحجم.. وهذه مواصفات المكانة.. ناهيك عن أن الإقليم تعتمل فيه متغيرات عديدة طوال العقود الماضية.. كلها تفرز نتائج.. تسمح للبعض أن يذهب إلي حد اختبار القدرة والقوة.. سواء بمحاولة طرح نفسه.. أو بالسعي إلي افتعال مقارنة مع مصر.. علي مستوي الدعاية وعلي مستوي الواقع.
إن اللافت هنا هو أن مصر غالبا ما تفسح المجال، وتتيح الفرص، ولاتبدو علي الإطلاق كما لو أنها تضع عائقا أمام كل من يرغب في أن يطرح نفسه أو يقدم ذاته.. ويمكن في هذا السياق ضرب عديد من الأمثلة القريبة والبعيدة.. وهو تكتيك مصري معروف يقوم علي أساس أن مصر لاتحتكر السياسة في الإقليم.. ولا تغلق بابا.. وهي في ذات الوقت تثق تماما في أن قدرتها لا يمكن تجاوزها حتي وإن جرت مزايدات عليها.. لكن هذا التكتيك لايكون واضحا في الأغلب للرأي العام الذي تنتابه عوامل القلق.. أو تجرفه الإغواءات المتناثرة. وبخلاف الخصائص البنيوية المصرية، فإن طبيعة المواقف المصرية والسياسة الخارجية والشموخ الحضاري، المزعج لاشك لكثيرين، يدفع في أحيان مختلفة إلي أن تقوم قوي دولية بتحفيز هذه التحديات ضد مصر.. لعل ذلك يؤدي إلي معادلات جديدة.. ما قد يسفر عن تغيير في موازين القوي الاستراتيجية في المنطقة وإعادة ترتيب الأوراق.. وتلك طبيعة الأمور.. حتي لو كانت تلك القوي العالمية حليفة لمصر.. لكن الدول لا تقيس مصالحها بالعواطف ولاتبنيها علي الوشائج المشاعرية.
في هذا السياق، لايمكن إغفال عامل جوهري آخر، وهو أن هناك نموا أيديولوجيا للتطرف.. سواء في وجهه (العروبي).. أو في وجهه (الإسلاماوي).. مثل بدوره تحديا للاعتدال المصري.. أو مثل الاعتدال المصري تحديا له.. ووقف حجر عثرة في طريقه.. ما جعل بعض الدعايات تطرح من حين لآخر أسماء لشخصيات وتنظيمات علي أنها - ويا للمفارقة - تمثل نزالا لمصر وشخوصها.. وفي هذا السياق تجد أنه في مرحلة من المراحل كان مطروحا علي الرأي العام العربي أن الذي ينبغي أن يقوده أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة.. وأنه الأجدر بذلك من مصر(!!!) لكن هذا الصخب الإعلامي، والضجيج العاطفي الباحث عن بطل والمستدعي دائما لنموذج (صلاح الدين الأيوبي)، الذي تمثله البعض خلال الأسبوع الأخير في بطل منهزم اسمه (رجب طيب أردوجان)، فإن العقل المصري لابد أن ينتبه إلي طبيعة التحديات الإقليمية التي يواجهها.. بالاستناد إلي معايير علمية.. لا دعائية.. وأن يقيم المتغيرات.. وأن يقيس ما إذا كانت الدولة تواجه بالفعل ما ينبغي التعامل معه.. بعيدا عن أسماء أبطال من ورق وشخوص من دعايات.
- دول التخوم
وبعيدا عن الدعايات، واستنادا إلي معايير العقل، إذا كان كل من المشروع الإيراني والمشروع التركي يمثل قدرا من التحدي للوضعية المصرية الإقليمية، فإن من الواجب أن نقر بأن هناك بالفعل تحديات.. بشرط ألا تكون النظرة المصرية بهذا الضيق الاستراتيجي.. وإنما علينا أن نقيم طبيعة المنافسات والتقاطعات الإقليمية.. وحجم التحديات التي تمثلها القوي المختلفة.. ومن ثم فإنني أفتح (بعيدا عن لغو القنوات التليفزيونية) أفق الرؤية إلي النظر علي الخريطة بعين شاملة.. بحيث تضع في اعتبارها كلا من تركيا وإيران وإسرائيل وأثيوبيا.. وليس فقط تركيا وإيران.. باعتبار أننا قوة إقليمية مركزية لا نواجه التحدي فقط من محيطنا القومي أو من محيطنا الثقافي.. وإنما علينا أن نضع في اعتبارنا كل المحيط الجغرافي الأشمل.
وبقدر ما يستبعد هذا التصنيف عددا من الدول الشقيقة، لأنها في النهاية وبغض النظر عن الطموحات المشروعة لأي من الأشقاء، لن تمثل خطرا استراتيجيا متكاملا علي مصر، مهما جفت القنوات في بعض الأحيان، أو تعرقلت التواصلات في أحيان أخري، فإن التصنيف نفسه ينطوي علي ما يعرف باسم (دول التخوم) الواقعة علي الحدود الجغرافية العربية.. وهي الدول التي بدأ عدد من العقول في التعامل مع تحديها بشكل أو آخر.. غير أن مقاربتي للأمر تختلف في أن الغالب في تعاملات الآخرين هو النظر إلي دول التخوم باعتبارها تمثل تأثيرا علي الواقع العربي.. في حين أن المنهج هنا ينشغل بم
تمثله تلك التخوم من تحديات للمكانة المصرية. دافعي في هذا يقوم علي عدة أمور:
- إن رغبة عدد من الاتجاهات العربية، ولا أريد أن أقول الدول، في أن تجد لنفسها غطاءٍ من دول إسلامية أخري، ولا أقول أن تجد لنفسها زعامة، لايمثل السعي إلي تغيير في التركيبة المناطقية والعلاقات السياسية فقط كما قد يتخيلون.. علي حساب مصر.. وإنما هو يؤدي إلي تغيير جوهري واستراتيجي في تفاعلات مصر الإقليمية.. علي مختلف المستويات.
- إن هذه الأغطية التي تسعي إليها اتجاهات أو دول من بعض دول التخوم الإسلامية لاتنفي التحديات الاستراتيجية التي تمثلها دول تخوم غير إسلامية علي مصر.. وأعني بذلك مثلا أثيوبيا.. وحتي لو كانت إسرائيل منزرعة في قلب المنطقة فهي جوهريا من دول التخوم.
- إن مصر، قد تكون الدولة الوحيدة التي تمثل تميزا وانفرادا ثقافيا خاصا.. مقارنة بكل المقومات العربية للإقليم.. في مواجهة دول التخوم.. من حيث كونها ذات شخصية حضارية متمايزة.. بخلاف كل الدول العربية.. في ضوء التحدي الثقافي الذي تمثله غالبية دول التخوم للمحتوي الثقافي للمكانة المصرية في الإقليم.. وأقصد بهذا الدول الثلاث: تركيا وإيران وإسرائيل.. وهو ما لا يتوافر في المقابل لأثيوبيا.
- تمثل كل من تلك الدول نزعة قومية بعينها.. راغبة في فرض هيمنتها علي المحيط الجغرافي.. كله أو بعضه.. الفارسية في إيران.. والعثمانية في تركيا.. والعبرية في إسرائيل.. والحبشية في أثيوبيا.. وإن كانت الأخيرة تسعي إلي توسيع النفوذ علي مستوي القرن الأفريقي والمحيط الحيوي لدول حوض النيل.
- تتسم كل دول التخوم بأن لها نطاق تأثير، يختلف نسبيا من دولة إلي أخري، في نطاق المصالح الحيوية المصرية في القارة الأفريقية.. وبالتحديد في حوض النيل.. سواء كانت إيران أو تركيا أو إسرائيل.. وبالطبع أثيوبيا.. ما يعني أن الأمر لايقتصر علي نطاق التنافس في المجال الحيوي للمصالح المصرية في المشرق العربي.
- تقييم موضوعي
في إطار التقييم، وباستثناء إسرائيل، فإن هذه الدول الأربع الأضخم سكانيا في الإقليم الممتد من الأناضول شمالا إلي هضبة الحبشة جنوبا، ومن فارس شرقا إلي موريتانيا غربا هي علي الترتيب: أثيوبيا (88 مليونا)، مصر (80 مليونا)، تركيا (77 مليونا)، إيران (67 مليونا).. في حين تزيد إسرائيل قليلا علي سبعة ملايين. ولا يمكن تفويت العنصر العددي حين نقيم الأوزان الاستراتيجية للدول في المنطقة، باعتبار أن عدد السكان من مقومات القوة الشاملة لأي دولة.. كما أنه - وباستثناء إسرائيل - فإن الدول الأربع الأخري تتميز بالاتساع الجغرافي.. بدون أن نتجاهل أحجام دول مثل السعودية والجزائر والعراق وليبيا والسودان.. إذ تبلغ مساحة مصر مليون كيلو متر، وأثيوبيا مليون ومائة ألف كيلو متر، وإيران مليون و600 ألف كيلو متر، وتركيا ما يزيد علي 700 ألف كيلو متر.
وبدون الدخول في مقارنات تفصيلية فإن القوي العسكرية للدول الخمس تعتبر هي الأضخم من حيث العدة والحجم والعتاد والمستوي التكنولوجي والاحترافي والخبرات الميدانية.. مع اعتبارات أقل لأثيوبيا التي تدخل هذه المقارنة بدون سلاح بحري في ضوء أنها دولة مغلقة.. فضلا عن تراجع المستوي التكنولوجي والتسليحي بالقياس إلي الدول الأخري.. هذه حقائق لاتعني موقفا من العقيدة العسكرية لكل دولة.. ولابد من الانتباه إلي أن كلها دول (محاربة) أي خاضت حروبا مختلفة.. بغض النظر عن طبيعة المواقف الحالية لكل منها.. سواء كانت في حالة حرب مستمرة كما هو الحال في إسرائيل.. أو حروب متقطعة كما هو الحال بالنسبة لتركيا التي تواجه تمردات الأكراد.. أو علي مشارف حرب كما هو الحال في إيران.. أو خارجة لتوها من حرب كما هو حال أثيوبيا.
وفي حين تضع تصنيفات مستحدثة كلا من تركيا ومصر وإيران في سياق الدول الصاعدة اقتصاديا علي المستوي العالمي، فيما يعرف باسم الاقتصادات الناشئة، وبينما تتميز إسرائيل بتفوق اقتصادي، ويلمس الكثيرون حالة نمو نسبية في أثيوبيا، مقارنة بمحيطها، فإن الدول الخمس - باستثناء أثيوبيا - تتميز بارتفاع متفاوت في مستوي التعليم.. وتتسم بوضوح المكون البشري القادر علي إحداث الانتقال الحضاري.. مع اختلاف المستوي من دولة إلي أخري.
وتنطق كل دولة من (الخمس) لغة مختلفة: العربية في مصر، التركية في تركيا، الفارسية في إيران، العبرية في إسرائيل، والأمهرية في أثيوبيا.. وثلاث منها هي دول مسلمة.. مصر وتركيا.. وإيران التي تنفرد بالمذهب الشيعي.. في حين أن إسرائيل هي دولة يهودية.. وأثيوبيا هي دولة مسيحية بالأساس وتوجد بها أقلية مسلمة. لكن أربع دول منها تنتمي إلي حضارات تليدة وتاريخ أممي سابق.. وهي: مصر، وتركيا، وإيران، وأثيوبيا (الحبشة).. لكن إسرائيل دولة مستحدثة عمرها ستون عاما.
- أديس أبابا
أثيوبيا، عمليا، تفتقد إلي كثير من الميزات النسبية التي تتمتع بها دول التخوم الأخري.. وهي تقع في منطقة غير مستقرة علي الإطلاق.. أو علي أقصي تقدير تتميز بالاستقرار الهش.. جارها الملتصق (الصومال) يجسد أشهر الدول الفاشلة حول العالم.. ولديها خصومة معقدة مع أريتريا مرشحة بشكل مستمر للانفجار.. وتواجه تحدي انفصال جنوب السودان.. وعدم الاستقرار السياسي في كينيا.. بخلاف أوضاع اليمن علي الجانب الآخر من البحر الأحمر.
لكن أصواتا في الغرب تطالب لها بأدوات تمكنها من أن تتحول إلي زعيم حقيقي للقرن الأفريقي.. استنادا إلي أنها الأقرب إلي الاستقرار في المنطقة.. والمتفوقة سكانيا.. والمتمتعة بموارد طبيعية مهولة خاصة في الأرض الزراعية التي تجعلها قبلة للاستثمار من مختلف الجهات لاسيما من المستثمرين الخليجيين.
ويحدو ميليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا الفائز بالانتخابات الأخيرة طموح كبير للقيام بعمليات تنمية واسعة النطاق يبدو غير قادر علي تلبية احتياجاتها في ضوء ضعف الإمكانيات.. ومن المقدر أن نمو النوازع القومية.. وضغوط زيادة السكان.. وارتفاع الطلب علي الديمقراطية.. وعلي التنمية.. أن كل هذه الأمور هي عوامل تدفع أثيوبيا إلي النظر لمسألة مياه النيل علي أنها قد تكون وسيلة لتوسيع مكانتها.. وتحقيق مكاسب مختلفة.
وتدرك أثيوبيا أهمية أن 85% من وارد مياه النيل إلي مصر يأتي من النيل الأزرق الذي ينبع في أرضها.. وتقود ما يمكن وصفه بأنه (توجه دول الحوض) إلي التمرد علي الاتفاقيات التاريخية الموزعة لمياه النيل.. وفقا للتفاصيل المعروفة.. وهي، وكثير من الدول الأخري، تعتقد أنه يمكن أن تستخدم تلك الورقة في ممارسة ضغوط نوعية علي المصالح الاستراتيجية لمصر في مياه النيل.
وبالقياس إلي بقية التحديات الإقليمية التي تواجهها مصر، فإن هذا المتغير قد يكون الأيسر، وإن كان سيكون الأطول مدي.. ذلك أنه لا توجد نوايا عدائية لدي أثيوبيا تجاه مصالح مصر.. ويمكن تصنيف التفاعلات الدائرة علي أنها تندرج تحت صراع الإرادات.. الذي لاينتظر له أن يتخذ أبعادا أكبر.. في ضوء ثقة مصر في مواقفها.. وميلها إلي التعامل بتفاهم عميق مع كل دول حوض النيل وعلي رأسها أثيوبيا.
ولاتمثل الحبشة تحديا ثقافيا للمشروع الحضاري المصري، علي اعتبار أنه لا يوجد تماس لغوي، أو عقيدي، فضلا عن نضوب الرسالة الثقافية التي يمكن أن تساند الطموح الإقليمي لأثيوبيا.. وكونها لاتمثل نظيرا سياسيا.. وإن كانت تفرض نفسها علي أجندة العقل المصري والمؤسسات المختلفة من حيث كونها تبدو مجهولة معرفيا لقطاعات النخبة المصرية.. بحيث إنها تظل عصية علي الفهم العام.. بغض النظر عن توافر قدر هائل من الخبراء الرسميين في الشئون الأثيوبية.
وإذا كان من الممكن التعامل مع هذا التحدي في المدي المنظور بالوسائل الدبلوماسية المعتادة وما يوازيها من أدوات، فإن الهدف الاستراتيجي المصري لا ينبغي أن يكون هو الحفاظ علي الحصة المقررة من مياه النيل (55 مليار متر مكعب سنويا)، وإنما تعضيد التعاون وتنمية العلاقات وخوض التفاوض من أجل زيادة كمية المياه الواردة إلي مصر قبل نهاية العقد الحالي إلي ما يقترب من الضعف.. أي نحو 90 مليار متر مكعب. سوف يتطلب الأمر إعادة قراءة استراتيجية لمحيط الجنوب المصري برمته، مع ترجيح احتمال انفصال جنوب السودان، في أعقاب الاستفتاء المقرر بعد أشهر، وفي ظل أن هذا المحيط الجنوبي أصبح مطمعا لعديد من القوي.. خصوصا الاقتصادية من خارج القارة الأفريقية برمتها.. والإغواءات المالية التي تقدم لأطراف عديدة.. وأيضا احتمالات عدم الاستقرار المتصاعدة في غالبية دول حوض النيل.
- تل أبيب
تحكم العلاقة بين مصر وإسرائيل اتفاقية السلام الموقعة في عام 1979، وعلي الرغم من أن هذا الإطار القانوني يضمن الحد الأدني من علاقات الجيرة المستقرة، إلا أن هذا لا ينفي مجموعة من التحديات التي تمثلها إسرائيل للمكانة المصرية.. وللاستقرار المصري أيضا:
- المماطلة الإسرائيلية المستمرة في ملف السلام الهادف إلي إعلان دولة فلسطينية مستقلة، فضلا عن أنه يلتهم الحقوق العربية المشروعة، فإنه يفجر عوامل عدم الاستقرار الإقليمي، ويبقي التوتر قائما مبطنا نذر الحروب المستمرة بالإضافة إلي تنمية دوافع الإرهاب وانتشاره.
- تتوازي هذه المماطلات الإسرائيلية مع وجود مخططات عبرية قائمة فعلا تستهدف تفتيت الأقاليم الفلسطينية.. وتوزيعها ما بين مصر (غزة) والأردن(الضفة الغربية).. والقضاء علي حلم الدولة برمته.. وتذويب القضية الفلسطينية بالكامل.. وهو ما يمثل خطرا استراتيجيا أيضا علي التركيبة الديموجرافية لمصر.. ويؤدي إلي تغيير شكل الدولة الثابت.. ويحملها بأعباء مهولة.. ويقوض استقرار الأردن برمته.. ولذلك أخطاره الكبيرة في المشرق العربي.
- بقدر ما تنعكس القضية الفلسطينية علي الحالة المصرية العامة باعتبارها في القلب من اهتمام كل المصريين.. بقدر ما تؤثر أوضاع غزة علي استقرار سيناء.
- تؤدي هذه الأوضاع المهلكة للوقت وللأرض والمؤدية إلي ضياع الحقوق إلي صعود التيارات المتطرفة في مصر ومختلف أنحاء الإقليم.. ما يؤدي إلي تقويض الاستقرار برمته.. وبالتالي تعطيل عمليات التنمية.. والضغط علي رغبات التطوير الديمقراطي.
- تمثل إسرائيل تحديا حضاريا، وخصما ثقافيا، حتي لو كانت بيننا وبينها معاهدة سلام، وبافتراض الوصول إلي صيغة ملائمة للتسوية السلمية، فإن هذا لن يعني نهاية التاريخ في الإقليم.. بل من المتوقع أن يؤدي ذلك إلي مرحلة مختلفة من التقاطعات علي المستوي الاقتصادي والسياسي.. وسوف يكون هناك ترتيب مختلف للأوراق في المنطقة بعيد هذه المرحلة.. وسوف تكون نقاط التقاطع الأساسية بين المصالح الإسرائيلية والمصالح المصرية.. حتي في المحيط العربي.
- لن يكون من المناسب لإسرائيل أن تجد إلي جانبها جاراً ضخماً مستقراً.
- تلعب إسرائيل أحيانا دوراً إفسادياً في العلاقات المصرية الأمريكية.. استنادا إلي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.. ما يجعل العلاقة بين الحليف الأكبر عالميا والحليف الأكبر إقليميا في مهب أهواء ومصالح ومؤامرات. إن إسرائيل، رغم علاقات السلام، تقتضي إعمال عقل مصري عام، شامل ومعقد، وتفترض في الدولة والنخبة وضع تصورات مستقبلية ممتدة لكل السيناريوهات.. علما بأن المصلحة المصرية الأساسية تنبني علي إتمام إعلان الدولة الفلسطينية.. وضمان الاستقرار علي الحدود الشرقية.. وتمكين آلية تلك الدولة من أن تلبي احتياجات شعبها.. لاسيما أن التحديات الأخري التي تمثلها دول إقليمية مغايرة تستفيد إلي حد كبير جدا من بقاء هذا الوضع الظالم إقليميا وتاريخيا ومعيشيا للشعب الفلسطيني.
- طهران
منذ اللحظة الأولي لاندلاع الثورة الإيرانية بقيادة الخوميني وضع نظام الملالي نفسه علي النقيض من مصر، سواء بسبب استضافة مصر للشاه الراحل في أيامه الأخيرة، أو بسبب تناقض التوجهات الإيرانية الجديدة لقضية فلسطين مع التوجهات المصرية المتحولة في ذلك الوقت، أو بسبب وقوف مصر إلي جانب العراق في حربه الممتدة مع إيران خلال فترة الثمانينيات بطولها.
وبغض النظر عن الومضات التي حاولت من خلالها أطراف في إيران أن تفتح بها أفقا نحو مصر، سرعان ما كانت تنطفيء.. فإن المشروع الإيراني الثوري الشيعي الفارسي يقوم في بنيته علي الخصومة الكاملة مع القاهرة.. بدءا من تخليد ذكري قاتل الرئيس المصري الراحل بإطلاق اسمه علي شارع في طهران.. وحتي استضافة ما لا يقل عن 47 إرهابيا مصريا مطلوبين حتي الآن.. ووصولا إلي تقاطعات إقليمية معقدة للغاية تصاعدت في السنوات الأخيرة.
القومية الفارسية والمذهبية الشيعية ومبدأ تصدير الثورة والرغبات التوسعية والسعي المستمر إلي فرض الهيمنة علي المنطقة العربية، تمثل مقومات جوهرية في رسوخ العقيدة الإيرانية التي تفترض في مصر خصما لابد له من حلين: إما الإخضاع والانضواء تحت الحسابات الإيرانية.. أو النفي الكامل. اعتقادي الجازم أنه لو كانت مصر علي حدود إيران لكانت فارس قد شنت حربا ممتدة ضد مصر.. وهي عمليا، وبالوكالة، حاولت أن تسجل في المصالح المصرية بطريقة غير مباشرة ما يمكن أن تحققه الحروب بطريقة مباشرة.. وليس ببعيد استهداف الاستقرار المصري برمته إبان حرب غزة.. والتحريض العلني من إيران.. وتمويل التنظيمات المهاجمة لها.. وبما في ذلك تدبير العمليات ولو بشكل غير مباشر من خلال حزب الله.
ومن المثير في هذا السياق أن مصر طلبت تسليم الإرهابيين المطلوبين فتحججت إيران بأنها منحتهم الأمان بحيث لايقومون بعمليات إرهابية ضدها.. كما لو أنها تقول أنه يمكنهم من خلال إيوائها لهم أن يقوموا بما يريدون خارجها. لقد سبق في هذا السياق أن نشرت أن مصر حين أنكرت إيران وجود هؤلاء الإرهابيين كان أن قدمت لإيران كشفا بالعناوين وأرقام الهواتف التي يستخدمها هؤلاء في أرضها. وتتقاطع المصالح المصرية مع المطامع الإيرانية في مساحات بعرض الإقليم كله، بدءا من تشكيلها محاور سياسية معوقة للتوجهات المصرية، وتعمل ضد الأچندة المصرية طوال الوقت، وصولا إلي الانغماس في دول حوض النيل، وبدون أن نغفل التهديدات النوعية التي تمثلها إيران لاستقرار الخليج والعراق ولبنان.. وبينهم الأردن.. فضلا عن التحدي النووي الذي تمثله الطموحات الفارسية وتوابعه علي الإقليم.. وما يفرضه من إمكانية نشوء سباق نووي إقليمي سوف يؤثر بالتأكيد علي خطط التنمية.
لست من أولئك الذين يمكن أن يلتفوا حول الأمور بطريقة ناعمة لكي نخدع الرأي العام بأنه من الممكن أن تنبني جسور الحوار والتعاون مع إيران الحالية.. ومن ثم فإنه إذا لم يحدث تغيير جوهري في توجهات النظام الحاكم.. وهذا مستحيل عمليا.. فإن التنافس الإقليمي الحاد بين مصر وإيران سوف يستمر وقتا طويلا. وهذا الاحتمال يقتضي أيضا تفكيرا جوهريا وشاملا.. بقدر ما تقتضيه عملية التفكير المطلوبة في اتجاه إسرائيل.
وإذا كانت التفاعلات الإقليمية والدولية سوف تمثل عناصر ضغط حقيقية علي الوضعية الإيرانية الحالية، وإذا كان النظام الدولي يتجه إلي إخراج إيران من مواصفات الشرعية، حتي لو تأجل التصويت علي قرار العقوبات القادم من الأسبوع الأول في يونيو إلي الأسبوع الثالث منه.. لأن الولايات المتحدة لاتريد أن تؤدي تفاعلات مذبحة البحر في قافلة الحرية إلي ضغوط علي مناخ مجلس الأمن بحكم أن تركيا عضو فيه.. وبحكم أن حليفيها في تل أبيب وأنقرة بينهما أزمة حادة الآن.. حتي لو تأجل هذا.. فإن علينا أن نستعد لأزمة إقليمية كبري سوف تنفجر من تبعات الملف النووي الإيراني.
- أنقرة
طرح المشروع التركي، ذو الخلفية العثمانية، نفسه علي الساحة، خلال العامين الماضيين، من باب القضية الفلسطينية.. حين دلف إلي المنطقة من مدخل (أزمة غزة).. عارضا تقديم يد العون من أجل الحل.. وقد أتاحت مصر هذا إبان الأزمة.. ولجأت إلي أسلوبها المعتاد بأنها تتيح الفرص لكل من يبذل جهدا.. وبخلاف بعض المعونات التركية الإغاثية وقت الحرب.. فإن مصر دعت الرئيس التركي إلي المؤتمر الذي أعلن فيه في شرم الشيخ بحضور مختلف الزعماء الأوروبيين وقف إطلاق النار.
قبيل ذلك، كانت تركيا تطرح نفسها كوسيط بين إسرائيل وسوريا، ولكن اللافت أنه رغم العلاقة الاستراتيجية بين تل أبيب وأنقرة، سرعان ما قفزت أنقرة الأردوغانية إلي حد تعليق وساطتها علي خلفية أحداث حرب غزة.. وفي حين كان التعاون العسكري بينهما مستمرا.. وبينما كان مبعوث السلام الأمريكي ميتشيل يضع أنقرة في جدول زياراته ربما مرة أو أكثر حين يصل إلي الإقليم.. فيما يشبه الإقرار بالرقم التركي في معادلات الإقليم الجديدة.. وسافر أوباما وألقي خطابا في البرلمان التركي.. قبل أن يلقي خطابه الأشهر والأهم إلي كل العالم الإسلامي من جامعة القاهرة.. كان أن توالت التصعيدات التركية المصطدمة مع إسرائيل علي خلفية الملف الفلسطيني.
عمليا، وخلال العامين الماضيين، لم تقدم تركيا إلي القضية الفلسطينية جهدا ملموسا بخلاف الصخب الدعائي والمظهري.. ونتيجة لافتقاد المقومات والأدوات التي تمكنها من القيام بدور ملموس.. فإن تركيا لجأت إلي الافتعالات علي طريقة رجب طيب أردوجان في منتدي دافوس.. والخطابات الأردوغانية الملتهبة ضد إسرائيل.. والتنابذ عن طريق السفراء.. وصولا إلي العملية الإغاثية التي انتهت دمويا في مذبحة البحر.
من الناحية الواقعية اختبرت تركيا في الأزمة الأخيرة.. وخضع دورها المطروح إلي تحد غير مسبوق.. يوازي رغبتها في خرق الزمن والمراحل للوصول إلي مكانة لم تعمل علي بنائها طوال السنوات الماضية.. وفي هذا هي لم تقم سوي بالخطوات التالية:
- استدعاء السفير التركي لدي إسرائيل - استدعاء السفير الإسرائيلي لدي أنقرة للاحتجاج - الإعلان عن تأجيل وليس إلغاء 3 مناورات عسكرية - إلغاء مباراة لكرة القدم - الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لم تسفر سوي عن بيان رئاسي - الدعوة لعقد اجتماع لدول الناتو لمناقشة الأمر - الدعوة لعقد اجتماع في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
هذه هي الخطوات التي لجأت إليها تركيا، بينما سقط لها تسعة قتلي في المياه الدولية، وتعرضت مكانتها لإهانة إسرائيلية فظيعة ودموية، وهي لم تلجأ إلي قطع العلاقات مع إسرائيل، أو إعلان الرغبة في الانتقام، أو شيء أبعد من الخطابات الرنانة.
لكن هذه المحدودية في التأثير والدور مقارنة بالصخب.. لاتدفع إلي إهمال التفكير في التحدي الذي يمثله الصعود التركي إقليميا لعدة أسباب:
- نقلت تركيا فضاء اهتمامها الاستراتيجي في وقت قصير من أوروبا وآسيا الوسطي إلي الشرق الأوسط مباشرة.
- تريد تركيا أن تلعب دورا أساسيا في العلاقة بين الغرب والشرق.. بما يقدم سندات استحقاقها الثقافي والسياسي للانضمام إلي عضوية الاتحاد الأوروبي.. بخلاف تلبيتها للمواصفات المشترطة أوروبيا علي المستوي الاقتصادي.
- تطرح تركيا نفسها في وقت مبكر بديلا في المشرق للفراغ الذي سوف تتركه إيران حين تتعرض لعملية إقصاء من النظام الدولي مغبة مشروعها النووي.
- تبني تركيا تحالفات موازية للتحالفات الإيرانية في المشرق العربي.. ربما يضم أغلبها ذات الأطراف المشاركة في التحالفات الإيرانية الحالية في المشرق أيضا.
- تطرح تركيا نفسها كقائد سني للعالم الإسلامي.. موازية لكل من مصر والسعودية.
- تسوق تركيا دورها المستجد باعتباره بديلا إسلاميا معتدلا يمكن أن يكون نموذجا للتيارات الإسلامية في المنطقة.. ومستوعبا لها.. وقد تخطت حدود هذا التصور إلي الاتجاه للتواصل مع التيارات التي تعود في جذورها للارتباط مع جذور حزب العدالة والتنمية.
وتقوم الفكرة علي أنه يمكن تطبيق المشروع الإخواني الحالم باستعادة الخلافة من خلال استعادة الحلم العثماني.. في ضوء أن جماعة الإخوان لا تمانع من أن يحكم مصر أو أي دولة عربية أي من غير مواطنيها.
- تدفع تركيا بدورها في غلاف ثقافي تتسع النطاق وبتسويق إعلامي عالي التخطيط.. سواء من خلال المسلسلات الدرامية أو عبر محطة تليفزيون بالعربية.. وتعيد الأردوغانية إحياء أيديولوجية العثمانية بكل ميراثها التاريخي الذي احتل الدول العربية طيلة قرون.. وبما يدلل علي رغبة في التوسع الإمبراطوري المختلف.
- تمارس تركيا دورا اقتصاديا في فضاءات المصالح المصرية في أفريقيا.
وفق هذه المعطيات، ذات الإطار الناعم غالبا، فإن تركيا إنما تمثل تحديا لابد من الانتباه إليه، وإذا كانت أنقرة قد منحت إسرائيل نصرا بلا ثمن حقيقي مكن الدولة العبرية من استعراض القوة إقليميا، فإن إسرائيل قد منحت تركيا ربما دون أن تقصد دفعة معنوية تقوم علي استثمارها دور الشهيد الذي كان يرغب في تقديم المعونات للمحاصرين في غزة.. ودفع حياة أبنائه في سبيل ذلك.
ومن المسلم به أنه لاتوجد خصومة حضارية بين مصر وتركيا، لكن أنقرة تحتاج إلي أن تستوعب مجموعة من الحقائق.. من بينها أن العالم العربي في 2010 ليس هو العالم العربي في بداية القرن العشرين حين سقطت الخلافة العثمانية.. وأن هذه النزعات القومية المتطرفة إنما تؤدي إلي تأثيرات سلبية علي المدي المتوسط والبعيد.. وأن العروبة لن تستبدل التحدي الفارسي بالتحدي العثماني.. وأنه لا يمكن قبول طرح مشروع ذي إبعاد أيديولوجية يهدف إلي تغيير التركيبة المستقرة للقومية العربية.. وأن العرب لا يمكنهم أن يقبلوا عودة الجدل السقيم بين مشروع (الجامعة الإسلامية) والتوجهات الوطنية الذي كان سائدا في بداية القرن الماضي.. ومنها أن أهل مكة أدري بشعابها.. والعرب أدري بقضية فلسطين.
إن في الساحة متسعا للجميع، طالما أنه لم يكن القصد محاولات فرض الهيمنة، وحرق الأدوار، وتحدي القدرات، وطرح البدائل لما هو من مكتسبات الآخرين.. خاصة أن تركيا في النهاية دولة غريبة عن المنطقة رغم إسلامها.. ورغم التصاقها الجغرافي.. وسوف يكون من الخطأ تخيل أنه يمكن دخول الدول العربية بنفس الطريقة التي دخلت بها المسلسلات التركية بيوت المشاهدين العرب عبر الدبلجة في الاستديوهات السورية.
- القاهرة
إن تعدد التحديات التي تواجه مصر.. هو - في التحليل الأخير- دليل علي حجم ومكانة مصر.. أكثر من كونه كما يردد البعض انتقاصا من دورها.. وعلي قدر الدول تكون التحديات.. ولاتعيش أي قوة في العالم علي المستويين الإقليمي أو الدولي بدون أن تواجه مسائل استراتيجية من هذا النوع. بل إن المكانة تبقي وترسخ كلما عبرت الدول مثل هذه التحديات لكي تواجه غيرها.. فالطريق ليس له نهاية والتاريخ ليس له ختام.
وإذا كانت كل هذه الدول تريد أن تأخذ قدرا من الأنصبة علي حساب مصر.. فإن هذا يعني أن رصيد مصر كبير جدا.. ويمثل مطمعا.. لكنه لن يكون يسيرا للناهبين.. والتاريخ مليء بالوقائع.
غير أن المهم هنا هو أن نستوعب تلك الحقائق.. وأن ننتبه إلي ما يلي:
- إن هذه التحديات لا تواجه إدارة الحكم وحدها.. وإنما تواجه مصر شعبا ودولة ونخبة.. ومن ثم فإن وقوف بعض المصريين في اتجاه تحبيذ التحديات التي تواجه مصر وتسويقها ليس له سوي مسمي واحد.
- إن هذه التحديات تستوجب الحفاظ علي استقرار مصر.. فبعضها أخطار جمة.. وكثير منها يمثل تهديدا حيويا.. ولايمكن مواجهة كل ذلك إلا بنسيج وطني متسق ومتناغم في إطار عملية ديمقراطية ناضجة.
- إن هذه التحديات ممتدة ولن تنتهي غدا.. وتتطلب صبرا.. بنفس القدر الذي تفترض فيه في الجميع عملية تفاعل عقلي واسعة النطاق وبحيث تكون بناءة.
- إن سلاحنا الأهم في مواجهة تلك التحديات هو قوتنا الناعمة.. العقول.. والثقافة.. والإعلام.. والدبلوماسية.. ومقومات القدرة الاقتصادية.. وتماسك البناء الاجتماعي.. والتفكير الاستراتيجي الشامل.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى: http//alsiasy.blospot.com
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.