فى رحلة السفير «صلاح الشعراوى» عشرات القصص والحواديت التى تستحق التوقف أمامها ربما بالدهشة أو الإعجاب أو حتى الحيرة، هذه القصص الرائعة والمروعة سجلها الرجل بقلم رشيق وبسيط فى كتابه «قطوف من الذاكرة التاريخية» - صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.من أهم المحطات اللافتة للانتباه ما يرويه السفير عن فترة وجوده فى موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتى السابق، وكان سفير مصر وقتها هناك الدكتور «مراد غالب» الذى روى تجربته أيضاً فى كتاب مهم يستحق الاحترام والتقدير. يقول السفير: فى يوم 16 سبتمبر 1964 استلمت عملى بالسفارة لكنى لم أجد أحداً يهتم بى إذ كانت كلها مجندة لخدمة زيارة السيد «على صبرى» رئيس مجلس الوزراء والوفد المرافق له والذى بلغ حوالى أربعة وستين شخصاً يمثلون كافة أنشطة مصر الاقتصادية والإنتاجية، وهنا أشير إلى أن «خروشوف» - الزعيم السوفيتى وقتها - كان فى استقبال «على صبرى» وهاله هذا العدد فقال له: ومن تركته يعمل فى مصر؟!!. وحكاية أخرى يرويها السفير: قام المستر جروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتى بزيارة لمصر وعينت مرافقاً له فى تحركاته، وبعد مقابلته للرئيس «عبدالناصر» توجهنا إلى منزل السيد «أنور السادات» نائب رئيس الجمهورية بالجيزة وتصادف فى ذلك اليوم أن فاز النادى الأهلى على نادى الزمالك، وطوال الطريق كنا نرى الأعلام الحمراء والشباب يهلل للنادى الأهلى، وازدادت الأعلام كلما قربنا منه وعندما وصلنا إلى ميدان التحرير، التفت إلى المستر جروميكو بوجهه الجامد وسأل: هل حدث شىء فى البلد، شرحت له سبب هذه الأعلام الحمراء فابتسم وسكت!. وخذ عندك هذه الحكاية ذات الدلالة المهمة: «فى حفل السفارة الذى أقيم احتفالاً بالعيد القومى يوم 23 يوليو 1966 اختلى بى نائب رئيس العلاقات الاقتصادية الخارجية وقال: أرجوك تبليغ ما سأقوله لك ولرؤسائك بالطريقة التى تراها مناسبة لقد صرح رئيس وزرائكم السيد «زكريا محيى الدين» فى مجلس الأمة بأن نسبة الغياب فى شركة الحديد والصلب بحلوان بلغت تقريباً حوالى 21% الأمر الذى جعلكم تطلبون منا القيام بإدارة المصنع، نحن غير عاجزين عن القيام بهذه المهمة، ولكن سبق أن لجأت مصر لشركات ألمانية كشركة كروب وشركة أخرى متخصصة لإدارة الأعمال الهندسية لكنهما فشلا ليس لعجزهما، بل لأن قوانين العمال عندم تعطى حقوقاً ولم تفرض على العمال واجباتهم، ورغم أننا دولة عمالية تقف دوماً فى صف العمال إلا أننا لا نستطيع إدارة هذه المصانع إلا بقوانيننا، فعندنا إذا بلغت نسبة الغياب فى إحدى المؤسسات واحداً فى المائة نقوم بمساءلة ثلاث جهات: إدارة المصنع ولجنة المصنع النقابية ولجنة الحزب بالمصنع، ومن ثم فنحن قد نعتذر عن طلبكم ما لم تضعوا قوانيننا فى الاعتبار! أشرت إليه بأننى لن أتأخر فى توصيل هذه الرسالة ولكننى أعتقد أنه أكثر اتصالاً بالمسئولين فى مصر، فأجاب: إنهم أحياناً لا يقبلون النقد!» ولعل أغرب الحكايات التى يرويها السفير هى التى جرت قبل حوالى أسبوعين من هزيمة يونيو 67 حيث يروى هذه الحكاية فيقول: وفى يوم السبت 26 مايو حضر وزير الحربية «شمس بدران» فى زيارة عاجلة لمدة ثمانى وأربعين ساعة لمقابلة المسئولين السوفييت، وفى يوم عودة الوفد توجهت لقصر الضيافة، وكنت فى استقبال المارشال «جريشكو» وزير الحربية السوفيتى والذى جاء بحلته العسكرية لمقابلة الوزير شمس بدران الذى قابله بالقميص والبنطلون وشبشب فى قدميه وانتهت الزيارة وتوجهنا للمطار لتوديع الوفد، وحضر «جريشكو» للمطار وشد على يد الوزير «شمس» وردد عبارات المجاملة والتأييد وأن الاتحاد السوفيتى سيقف دوماً مع مصر، ولم يذكر إطلاقاً كلمة سنحارب معكم أو شىء من هذا القبيل (!!). لكن أغرب ما يرويه السفير تلك الحكاية حيث يقول بالحرف الواحد: «فى عام 1965 قام عبدالناصر بزيارة رسمية للاتحاد السوفيتى ولكن حضر فجأة وفد عسكرى قبل الزيارة بأسبوع للتباحث مع الطرف السوفيتى فى المشاكل العسكرية المعلقة لتوقيع اتفاقيات جديدة ولم يستطع السيد «مراد غالب» استقبال الوفد فى المطار نظراً لكونه عميد السلك السياسى إذ كان يقيم حفل توديع لسفير اليابان، فأوفدنى بالنيابة عنه وتقديم الاعتذار للوفد لهذا السبب القهرى، لم يقبل الوفد هذا الاعتذار بل تمادى أحدهم وأصر على أنه كان يجب إلغاء حفل الوداع وتطورت المناقشة وتطاول على مكانة السفير، فذكرته بألا ينسى أن السفير فى البلد المعتمد فيه ليس شخصاً عادياً بل هو يمثل رئيس الدولة شخصياً، ففوجئت برد لم أكن أتوقعه إطلاقاً إذ قال مين رئيس الدولة اللى بتتكلم عليه ده إحنا نشيله فى يومين ثم أعقب ذلك بقوله: يومين إيه قول ساعتين!! ويعلق السفير على ما سمعه بقوله: حقاً لقد أسكتنى هذا الكلام إذ لم يعد مجال لأى تفاهم، بعدئذ فكرت ملياً فيما سمعت من هذا الضابط، هل حقاً المشير عامر بهذه القوة التى تتيح له فرصة خلع الرئيس عبدالناصر!! وللأسف لم يذكر السفير اسم هذا «الأحدهم»، لكن المؤكد أن ذكريات السفير «صلاح الشعراوى» مهمة وخطيرة أيضاً.