أحياناً أنسحب من لسانى وأنصح شاباً أو شابة بأن ما يكتبه أو تكتبه يستحق أن يصدر فى كتاب!! وتصدمنى إجابة الشاب أو الشابة على نصيحتى فيقال لى: إن العشرات من دور النشر تلهث ورائى حتى أوافق على نشر كتابى عندهم!! لكننى أدرس هذه العروض!! هذه الإجابات المغرورة تذكرنى بتلك العروض الخيالية التى يحكى عنها معظم لاعبينا ونجومنا وكيف أن أندية برشلونة وريال مدريد وروما ومانشيستر يونايتد تلهث وراءهم لكى يحترفوا بهذه الأندية. باختصار شديد من يؤلفون ومن يلعبون سعداء بلعبة اللهث والركض خلف موهبتهم النادرة، ويملأون الدنيا والصحافة والفضائيات زيطة وشوشرة بهذا الكلام الفارغ!! تذكرت ذلك وأنا أتصفح كتاباً بديعاً وجميلاً ومهماً أيضاً هو «قطوف من الذاكرة التاريخية» للسفير «صلاح الشعراوى» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب «200 صفحة»، حيث يقول السفير: ترددت كثيراً فى تجميع ما لدى من أوراق وإصدارها فى كتاب، وزاد من ترددى أننى عندما عرضت الفكرة على إحدى دور النشر كان رأى صاحبها أن الناس لا تقبل على شراء أية مذكرات ما لم يكن كاتبها شخصية مشهورة. هكذا ببساطة شديدة يعترف السفير بما لا يجرؤ «واحد نكرة» يدوب يفك الخط أن يعترف أو يبوح به. كان والد السفير صلاح شعراوى يعمل فى السراى الملكى من سنة 1915 حتى أغسطس 1943، كما عمل السفير نفسه ضابطا بالحرس الملكى من عام 1948 وحتى قيام الثورة 1952 ثم تبدأ مسيرته الدبلوماسية بعد ذلك ولسنوات طويلة! صحيح أن أغلب تلك الذكريات سبق أن قرأتها مسلسلة عبر صفحات مجلة «الدبلوماسى» التى تصدرها وزارة الخارجية، لكن قراءتها مجتمعة فى كتاب لها مذاق مختلف، بكل ما تحمله من جدية وطرافة أيضاً! فى سبتمبر 1957 أصبح «صلاح الشعراوى» مستشاراً للسفارة المصرية فى هولندا حيث وقعت أحداث هذه القصة، حيث يقول: «كانت مصر هدفاً للحملات الصحفية وكان الرئيس «عبدالناصر» هدفاً مستحباً لكل من يرغب فى الهجوم عليها، وحدث أن نشرت إحدى الصحف أن عبدالناصر كان فقيراً وكان لا يملك سوى حذاء واحد يكرر إصلاحه عند إسكافى القرية ويبقى فى دكانه لحين الانتهاء من إصلاحه وخلال انتظاره تعلق بابنة الإسكافى وأحبها وتزوجها!! غضبت من هذه المقالة لما حوته من مغالطات وأردت الرد عليها، لكن «مسز فولتشر» وهى عضو فى جمعية الصداقة العربية الهولندية أشارت بأنه يجب ألا ألقى بالاً لهذه المقالات بل يجب التركيز على المقالات الخاصة بمصر وسياستها، وأن العقلية الأوروبية غير عقلية شعوب الشرق الأوسط لأنهم يحترمون من كان أصله متواضعاً ثم يصل بجهده وشخصيته إلى مركز قيادة البلاد، وأن كثيراً من زعماء أوروبا بدأوا حياتهم من الصفر». «أستطيع القول - والكلام للسفير - إن محادثاتى مع «مسز فولتشر» غيرت الكثير من مفاهيمى ومن نظرتى للأمور، كما اقتنعت بأن الإعلام المصرى الموجه لكى ينجح لابد أن يشارك فى وضعه علماء نفسيون دارسون لمشاعر الشعوب حتى يكون المعروض متجاوباً مع روحهم ومفاهيمهم واحتياجاتهم للمعرفة». وينتقل السفير بذكرياته إلى حكايات لها العجب حيث يقول: «خلال قراءاتى فى ملفات السفارة القديمة عثرت على مجموعة من صور بعض التقارير التى كان يرسلها أحد السفراء فى غاية الطرافة! إذ ركز السفير فى هذه التقارير على محاسنه ووجاهته، وفى تقرير كتبه عن تقديم أوراق اعتماده للملكة «جوليانا» أنه بعد ارتداء بذلة التشريفة ارتدى طربوشه الأحمر القانى الذى زاده بهاء على بهاء ثم يصف المقابلة مع الملكة ويقول: وعندما سقط منديلها التقطته برشاقتى المعهودة، وفى عيد جلوس الملك أرسل مجموعة صور للبوفيه مع مجموعة من الطباخين ويكتب أنه بعد العشاء الفاخر وزع «أكواب الشوكولاتة الساخنة اللذيذة» ثم أضاف فقرة فى نهاية التقرير أنه بمناسبة العيد السعيد لم ينس توزيع الحلوى على رجال البوليس وأطفال الملاجئ مما جعلهم يرفعون أيديهم لله عز وجل أن يحفظ مليك البلاد». وتنتهى خدمة السفير فى هولندا لتبدأ محطة أخرى فى اليونان ثم الاتحاد السوفيتى السابق - روسيا الآن - وهو ما يستحق التوقف عنده!