بن أفليك يستثمر موهبته الخلاقة في فيلمه «المدينة» الذي يأخذ طريقه إلي دور السينما المصرية تحت عنوان «مدينة اللصوص» وليسمح لي قارئي أن أسميه علي هواي: الجميلة «وأمير اللصوص» وبعيداً عن هذا كله، هذا هو الفيلم الثاني لبن أفليك كمخرج وبطل وكاتب سيناريو، وكان فيلمه الأول متوسط النجاح ويحمل عنوان «اذهبي يا حبيبتي اذهبي».. إن «مدينة اللصوص» فيلم إثارة وجريمة تتخلله قصة حب رومانسية رقيقة، وهو يعيد إلي الذهن روعة فيلم ميشيل مان «حرارة» ففيه نفس التقنية المتفوقة.. إن بن أفليك لم يكتف بدور البطل لفيلمه بل أخرجه وشارك في كتابة السيناريو له.. وتجري أحداثه في مدينة صغيرة هي شارلز تاون في ولاية بوسطن، ولا تزيد أكبر المساحات في هذه المدينة علي ميل مربع، ولهذا تكثر في الجوار سرقات البنوك والسيارات عن أي مدينة صغيرة في أمريكا. - عصابة السطو المسلح يعطينا الفيلم في البداية شخصية دوج ماكراي «بن أفليك» اللص المحترف للسرقات المسلحة الذي يعمل مع عصابة من الفتيان الذين تربي ونشأ معهم، وهم جميعاً يكونون جماعة من الأذكياء. إلي حد أن يعجب بها العميل الخاص للبوليس الفيدرالي العميل فلاوري «جون هام» نلتقي بهذه الجماعة، لأول مرة وهي تمارس جريمة سطو مسلح، والوجوه تختفي وراء أقنعة سوداء، لا تظهر غير العيون، وتنقذف الجماعة كموجة عاتية علي مقر بنك كامبردج في المدينة ويعلن روج ماكراي بدء السطو بأعيرة نارية في الهواء. مما يعطي السطو مظهراً كارثياً مؤثراً.. وتقود العصابة مديرة البنك المتوترة الفاقدة للسيطرة علي أعصابها كلير «ربيكا هول» لكي تفتح الخزانة لكنها تفشل في أن تتذكر الأرقام السرية لفتح الخزينة فيروح يهددها رجل العصابة الفتوة جيم «جيرمي رينر».. وفي قمة ارتباك كلير وتوترها ينساب إلي أذنها صوت ناعم يحميها و يشجعها، وتسمعه من خلف أحد الأقنعة السوداء يقول لها «لا تتعجلي خذي وقتك» صوت دوج ماكراي.. ويستولون علي ما في الخزينة من نقود وعلي الرغم من أن كلير يمكن أن تكون رهينة تؤمن سلامتهم، إلا أن ماكراي يصر علي تركها وراءهم.. ويجعل هذا جيم الفتوة قلقاً من أنها قد تكون قد سمعت أو لاحظت ما يمكن أن يوقعهم في المتاعب. ويفصح جيم عن رغبته في اصطياد كلير وملاحقتها حتي يخيفها ويجبرها علي الصمت إلا أن خوف ماكراي من عنف جيم الذي قد يقتلها في النهاية ولهذا قرر أن يتعامل هو نفسه مع الفتاة، باقترابه منها لم يلبث كل منهما أن اكتشف أنه يحب الآخر.. كان ماكراي يريد أن يبتعد عن عالم الجريمة ويترك شارلز تاون ويخلق حياة جديدة كاملة مع كلير، وتجيء اللحظة التي لابد أن يفاضل فيها بين البقاء مع العصابة التي تربي مع أفرادها وبين حبه. - حب رومانسي رغم الضغوط إن الفيلم المأخوذ عن رواية شاك هوجانز «أمير اللصوص» قد يفشل في إرضاء فضولك إذا ثارت في ذهنك تساؤلات مثل «لماذا لا يأخذون رهينة وليس هناك أي رجال بوليس في الجوار»؟ أو «هل يعتقد ماكراي أنه يستطيع الاعتراف لكلير بما حدث» ؟ أو «كيف يمكن أن يكون الرجلان اللذان ضربهما بقسوة هما اللذان ضايقا كلير بالفعل».. علي أن جودة الفيلم لا تجعلك تقف كثيراً أمام هذه التساؤلات، الفيلم يستوعبك ويستولي عليك ويقنعك بأنك أمام حب رومانسي مثالي للص طيب القلب يريد أن يستقيم لكن الضغوط تنهال عليه من كل جانب. هناك جيم الذي يعتبر كأخ له، ويريد له أن يبقي وسط الجماعة وهناك فلاوري عميل البوليس الفيدرالي الذي يصر علي ملاحقته واعتقاله.. وهناك صديقته كريستا «بليك لايفلي» التي تخطط وتسعي إلي الزواج منه. وعلي غرار فيلم بن أفليك الأول كمخرج «اذهبي يا حبيبتي اذهبي» الممتع يطرح هذا الفيلم إمتاعاً وإثارة حقيقيين لما نسميه الطبقة العاملة الذين لهم رموز خاصة في الانتماء الصامت. إن الفيلم لا يقول لنا صراحة إن كان ماكراي يريد أن يخرج من عالم الجريمة فقط أو يريد أيضاً أن يخرج من الطبقة العاملة كنموذج للحياة.. وفي تصوري أنه أراد أن يهجر الاثنين معاً لسعيه إلي ترك صديقته واللحاق بمحبوبته كلير في عالمها بعد أن أحبته حقاً، وأصبحت العلاقة بينهما تعكس قيود الجيران الذين في الجوار والغيرة في قلوبهم. ويبقي أن الفيلم كفيلم حركة وجريمة وإثارة في لقطاته الأخيرة قد يبدو أقل عما نريد إلا أنه يتميز بأن الخيوط الدرامية فيه تتجمع لكي تخلق جوعاً للمعرفة التي تمكننا معرفة ماذا يمكن أن يحدث لماكراي وكلير. وبمجموعة متميزة من الممثلين مثل بيت يوستلوثويت كالرأس الكبيرة في المدينة، وشريس كوبر، والد ماكراي السجين، بل إننا أمام أسماء ممثلين ممتازين الواحد بعد الآخر. وبن أفليك يتألق دون تظاهر خاصة في اللقطات الهادئة أثناء الحوار مع كلير.. وهام متمكن من أدائه كعميل للبوليس الفيدرالي لا يهدأ حتي يطيح بماكراي. إن ربيكا هول ممثلة جيدة يمكنها أن تعيش دورا غير محدد المعالم مثل كلير لكي تشكله بإضافة معالمه المقنعة بأدائها. إن «مدينة اللصوص» يقول لنا صراحة إن بن أفليك لم يكن مجرد مخرج محظوظ في فيلمه الأول «اذهبي يا حبيبتي اذهبي» لكنه يخطو لكي يكون واحدا من أكبر المخرجين موهبة في أمريكا.