الهدوء في بيتك.. لا يعادله الهدوء خارج هذا النطاق.. وبمعني آخر أن تعيش الهدوء داخل وطنك أجمل بكثير من أن تقطع آلاف الأميال لكي تنعم به خارج حدود أرضك.. فالهدوء داخل الوطن طبيعة حياة، أما الحصول عليها بالسفر فإنه شيء مؤقت.. الغريب في الأمر أن ما أتحدث عنه منذ أربعة أسابيع أصبح حالة عامة لدي الجميع، وعلي جميع المستويات، وجعل هذا الإحساس وتلك الغربة وتلك المرارة الكتاب والشعراء ينسجون لنا تيترات رمضان هذا العام فتجد في مسلسل «الحارة» كلمات كتبها الشاعر إسلام خليل ولحنها هاني فاروق وغناها طارق الشيخ يقول أحد مقاطعها: آه يا زمان يا مفركشنا ما سبتناش ولا يوم عشنا عمال يوماتي تقرمشنا حتت حتت وتاكل فينا «الظلم» ع البحري.. عايشها والراحة عن بالنا حايشها وشاغلنا ودماغنا داوشها رايح جاي تلعب بينا.. وفي أيامنا الغريبة.. حياتنا بقت عجيبة وآخر نعكشة. أتوقف عند تعبير «الظلم ع البحري عايشها».. هذا الظلم الذي نشعر به جميعا ليس من صنع الأيام أو الزمن، لأنه لم يعد إحساسا يخص الذين عاشوا عصورا أخري كانت الحياة فيها مختلفة بها مساحات بيضاء وأخري بمبية ليست سوداء قاتمة السواد كما هي الآن.. وإنما هو ظلم من صنع البشر.. والبشر هنا هم أولو الأمر منا، وأولو الأمر ليسوا بالضرورة أن يكونوا حكاما أو لواءات أو أطباء كبارا أو مهندسين مشهورين، وإنما كل من ملك بعضا من القوة فإنه حتما «يفتري» علي من تحت يده حتي وإن كان أمين شرطة يقف حارسا لإشارة في شارع مكتظ أو هادئ!.. فلم يعد الظلم مقصورا علي أصحاب السلطة والصولجان، وإنما أصبح دائرة محكمة الإغلاق.. لا منفذ بها.. كلنا نظلم بعضا لأننا في الأساس مظلومون.. وأعود هنا كذلك لقصيدة عمنا بيرم عندما يقول: «ولا حد يبيع حاجة يقول بريال وناخدها بصاغ/ يا خوانا حتي الإبرة تاخدها بدوشة وقلب دماغ/ حلفان وعراك ومناهدة ويمكن ضرب كفوف يا حفيظ/ ح اتجن يا ريت يا إخوانا ما رحتش لندن ولا باريز». وعلي الرغم من أنني استطعت اقتناص كثير من اللحظات التي شعرت فيها بالروقان وعشت راحة البال، إلا أنني عدت لأجد الجو شديد الحرارة، الناس زهقانة، مش طايقة نفسها، الغني يزداد ثراء، والفقير يزداد فقرا، فضائح من العيار الثقيل علي غرار قضية مدينتي وأزمة نهر النيل وتصدير الغاز لإسرائيل كلها قضايا تحرق الدم وتستنزف ليس أياما هادئة، بل قد تطول فتصبح سنوات، فقد أصبحت بلادنا قادرة علي امتصاص أي لحظة فرحة عشتها أو تفكر أن تعيشها، أصبح الهم والغم وحرق الدم هي السمات الرئيسية للحياة في مصرنا الحبيبة! آخر حركة إلي كل من عشق هذا البلد وأحبه.. إلي د. هاني عازر الذي يعيش في ألمانيا ولايزال يعشق موطنه، أقول له فلتبق هناك في ألمانيا وتغن واعشق مصر التي في خاطرك مثلما شئت، لكن لا تجعل من الذكري واقعا تعيشه!