هي سعاد حسني.. هي رمز الجمال الهادئ والمثير للعواطف.. هي من عصر الأفلام السينمائية المبهجة التي يخرج منها الفرد مبتهجا راقصا يحب نفسه والعالم. حتي في الأفلام الجادة وإذا كانت تعبر عن مأساة أو صراع ما.. كانت بحيويتها وجمالها تخفف عن المشاهد مثل تلك المشاهد الصعبة والموضوع الجاد يدعو للتفكير؛ فمن الذي اغتال هذا الجمال والحيوية لتكون نهاية حياتها بذلك الشكل الدرامي الغامض؟! -السندريلا في أحضان اليسار السينمائي الأستاذ الكاتب العاشق لفن السينما ونجومها عبدالنور خليل يكشف لنا عن حياتها التي أدت إلي النهاية المفجعة للجميلة المليئة بالحيوية في كتابه: «سعاد حسني ضحية اغتالها المثقفون».. والكتاب مرجع مهم لمن يريد أن يصور حياة سعاد حسني في فيلم سينمائي، بل الكتاب نفسه فيلم سينمائي عن حياة طفلة موهوبة لأب بوهيمي لم يهتم بتعليمها أو يلتفت لموهبتها.. وأم لم تستطع مواصلة حياتها مع مثل ذلك الرجل فتتركه لتتزوج من غيره. طفلة لم تعرف معني استقرار أو.. التزام. صبية في مقتبل شبابها تظهر فجأة بطلة لفيلم سينمائي «حسن ونعيمة» مع وجه شاب جديد صوته جميل «محرم فؤاد» ثم يبدأ صعودها علي السلم السينمائي ليس درجة درجة.. بل في قفزات سريعة تليق بشبابها وحيويتها. أقول إن كتاب الأستاذ عبدالنور خليل فيلم سينمائي يحكي عن زمن ظهور سعاد حسني خلال وجوه وأشخاص وأحداث، وصلته الشخصية بذلك الزمن. نعرف الكثير في عالم صناعة الأفلام وصناعة النجوم. نعرف الكثير عن منتجين للأفلام السينمائية وصناعتهم لنجوم ونجمات وإن كان التركيز علي بطلة كتابه.. سعاد حسني. حكي لنا كيف تعلمت الكتابة والقراءة، وكيف كانت صفحة بيضاء مستعدة أن تتلقي أي تعليمات وكتابات، وكيف تلقت أفكار اليساريين التي كانت منتشرة في ذلك الزمن.. أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.. حيث كان ظهور سعاد.. وأن الفنان له دور أساسي واجتماعي وليس فقط جماليا.. شكليا. حكي لنا عن الكُتاب المشهورين وتعليماتهم لها وتمثيلها لأشهر رواياتهم الأدبية.. والشعراء الذين أحبوها وكانت ملهمتهم.. حكي لنا عن قصة حبها للمخرج الصاعد في ذلك الوقت «علي بدرخان» وزواجهما.. وقال إن زواجها من علي بدرخان كان الحدث الأكبر في حياة سعاد وكان من جماعة اليسار السينمائي. - سعاد تدخل في نفق مظلم أقول إن كتاب عاشق الفن السينمائي عبدالنور خليل عن سعاد حسني فيلم سينمائي متكامل لأنه يحكي فيه عن صعود ثم هبوط نجمة.. ثم صعود. ثم هبوط.. في حكايات شيقة ومثيرة.. فقد انفصلت بالطلاق من المخرج «علي بدرخان».. ربما لم تستوعب أفكاراً جادة ومتلزمة.. ربما خنقها الاستقرار.. وتمردت بإلحاح ميولها في عدم الاستقرار وعدم الالتزام. يقول عبدالنور: «كانت سعاد مهيأة تماما لمغامرة شبابية. كانت أرضا خصبة لهزة حياة حقيقية تغرق فيها كل أحاسيسها ومشاعرها الجائعة لتجربة حقيقية واقعية، أوقفت عقلها عن التفكير وانساقت لغريزتها الإنسانية، وهي تري وراء الكاميرا عيونا نهمة تحتويها في جرأة ووعد بالانطلاق بلا قيود.. عيون المصور الشاب «صلاح كريم» كانت تلك العيون والنظرات لغة جديدة وتعد بشبع لا محدود من متع الحياة. وانقادت السندريلا وأفلتت عقالها في ذلك الصيف بالإسكندرية». ويحكي عبدالنور عن مغامرة سعاد والاختفاء في مدينة الإسكندرية يوما كاملا وعطلت تصوير فيلم لمخرج كبير هو «بركات» الذي قرر ألا يعمل معها بعد ذلك.. ومن تلك المغامرة تزوجت سعاد من المصور «صلاح كريم» ويصف الكاتب تلك الفترة من حياة سعاد.. إنها دخلت في نفق مظلم.. فقد قرر زوجها أن يفصلها عن معارفها وأصدقائها وكل من ساعدها ليسيطر عليها باعتبارها الدجاجة الذهبية لتمثل فقط لشركة إنتاج أنشأها مع أخيه.. عاشت معه مسلوبة الإرادة تماما ليمارسا معا كل موبقات الحياة.. وكانت سيطرة مدمرة بليالي السهر حول دخان الكيف ومائدة القمار والضياع.. وفجأة كتب صلاح قصة فيلم «الزواج علي الطريقة المصرية».. وكان رقم الفيلم «45» الذي تمثله سعاد.. وسقط الفيلم.. وكان سقوطه مطرقة علي رأس سعاد حسني أيقظتها من غفوتها.. وتمردت من جديد وطلبت الطلاق ولم تهتم بما كلفها ذلك «وعادت السندريلا تملك حريتها بعد حوالي عامين من زواج كان كارثة عليها وعلي مستقبلها». - وتصعد السندريلا من جديد ثم.. في كتاب.. أو.. فيلم عبدالنور خليل يحكي لنا عن احتضان الفنان والشاعر «صلاح جاهين» لسعاد وهروبها إليه بمشاكلها العاطفية وارتباطها بعاطفة الأبوة نحوه. ويحكي لنا حكاية فيلم «خلي بالك من زوزو» والمسلسل الوحيد الذي مثلته سعاد للتليفزيون «هو.. وهي» من حكايات الكاتبة المتميزة «سناء البيسي»، والذي قام بكتابة الأغاني والسيناريو صلاح جاهين واشترك في كتابته المخرج «يحيي العلمي» الذي قام بإخراجه.. وكان «أحمد زكي» البطل المشارك من الذين كان يحتضنهم صلاح جاهين.. وتصعد السندريلا من جديد ليس فقط لعشاق السينما بل لكل البيوت المصرية والعربية من خلال المسلسل.. لكن تبدأ مشاكل صحية تعانيها سعاد أثناء وبعد ذلك الصعود العظيم.. في ظهرها والأوعية الدموية.. بعدها لم تعد سعاد تغني وترقص رقصات استعراضية فسقطت الأفلام التي صورتها بعد ذلك.. فلم تكن سعاد التي عشقها الجمهور. لقد بدأ هبوط سعاد بالمرض.. وبالخوف من المستقبل، والاكتئاب من الحاضر خصوصا عندما مات «صلاح جاهين» شعرت أن العالم انفض من حولها.. ويحكي لنا عبدالنور عن سنين الغربة التي عاشتها سعاد للعلاج في فرنسا ثم إنجلترا.. وزيادة وزنها بفعل حقن الكورتيزون المعالجة والمخففة لآلامها.. وفقدان بريقها الحيوي حتي إن أصدقاءها القدامي عندما كانوا يشاهدونها صدفة في فرنسا وخصوصا في إنجلترا لايعرفونها ويزداد إحباطها عندما تنادي أحدهم وتقول: «أنا سعاد»!! - انقذي نفسك يا سعاد في عام 2000 طلب الزميل والصديق «رءوف توفيق» من كتيبة مجلة «صباح الخير» وكان وقتها رئيسا لتحريرها أن نكتب لسعاد حسني نساندها في محنتها المرضية وهي في لندن لنشعرها أن الناس في مصر يحبونها وينتظرونها.. وكان عدد المجلة «سعاد حسني لن ننساها».. وكتبنا وأرسلنا لها المجلة.. وضمن ما كتبته أنا «الحقيقة يا سعاد أنا لا يعجبني لقب سندريلا الذي اشتهرت به.. سندريلا يا سعاد من الحكايات التي حلمنا بها وظللنا سنين نحلم بالمنقذ من شيء لا ندريه، نحلم بالأمير الذي أصبحت صورته مهزوزة إلي أن فهمنا أن لا أحد ينقذنا من شيء إلا أنفسنا، فالمنقذ الذي بحثنا عنه سنين خارجنا.. هو في الحقيقة داخلنا.. حبيبتنا سعاد انقذي نفسك بقوة إرادة وأمل في الشفاء».. وكنا ننتظر صعود سعاد حسني مرة أخري فهذه كانت حياتها بين صعود وهبوط.. لكن في العام التالي جاءنا خبر... - هبوط سعاد حسني الأخير! صدمنا الخبر.. سعاد تلقي حتفها بسقوطها من نافذة مرتفعة من عمارة.. في لندن؟! ويتساءل عبدالنور خليل في كتابه عن سعاد حسني.. هل كانت سقطة الموت الأخيرة انتحاراً.. أم اغتيالا؟! وفي ختام تصوراته وافتراضاته: «وقد يجئ الوقت الذي تتكشف فيه الحقائق عن سقطة الموت الأخيرة في حياة سعاد حسني وتتأكد فيه حقيقة أنها لم تنتحر بل اغتيلت بدم بارد.. وهذا ما أعتقده ويعتقده كثيرون من الذين كانوا يحيطون بها في حب طوال حياتها».