كلما مررت بمنطقة كوبرى قصر النيل، يخطف انتباهى منظر تجمع العشاق على سور كورنيش النيل.. كل شاب وبجواره فتاة وقد اختارا مساحة تطل على النيل ويعطيان ظهريهما لحركة المرور الصاخبة التى تجرى فى الطريق العام. عزلا نفسيهما تماما عما يدور حولهما وتواصلا فى حوار وضحكات لا يقطعه سوى نداءات وإلحاح الباعة الجائلين. ويمتلئ الكورنيش بالثنائيات التى تتوافد من وقت الغروب وحتى منتصف الليل.. وأغلبهم يأتون من الأحياء الشعبية بالقاهرة. هربا من اختناق الزحام وحصار عيون الآخرين.. هنا لا أحد يعرف أحداً.. والمكان أمان.. والجو جميل والفسحة لا تكلف شيئا.. وما أجمل أن تعيش قصة حب.. وما أجمل أن تراها أمامك! هنا تولد قصص الحب.. وهنا تولد الأحلام.. وهنا أيضا تأتى النهايات التى تفرضها ظروف الحياة الصعبة.. وهى غالبا نهايات مؤلمة. كنهاية ذلك الشاب الذى فاجأنا منذ أيام بأن شنق نفسه من على كوبرى قصر النيل.. وتدلت جثته فى نفس مكان لقاء العشاق.. وبالتأكيد كان هو أحدهم.. والذى كتب رسالة إلى محبوبته يقول فيها «حبيبتى منى أحبك ولن أحب سواك ولم أتمن غيرك.. الوداع يا أغلى منى فى العالم»! وصدمنى هذا الحادث.. كما صدم الكثيرين.. هل مازال هناك من يفكر فى الانتحار.. وينتحر فعلا.. لفشله فى قصة حب؟.. الإجابة أمامنا.. وإن كنا نحاول أن نغطى عليها ونخفيها كما فعل بعض أقارب هذا الشاب الذين اتهموه بالفشل فى حياته.. لقد اعتبروا انتحاره فضيحة يجب إخفاؤها.. أما حبه للفتاة «منى» فهو جريمة يتنصلون منها ويستنكرونها لأنه متزوج أصلا من سيدة تكبره بعشر سنوات وتسانده ماليا.. وهكذا تحول الحب فى نظرهم إلى جريمة أما الخطاب الذى وجدوه منه تحول إلى أكذوبة لأنه لا يعرف القراءة والكتابة أى أنه شخص لايؤتمن.. ولا يصلح لشىء. وعاقبته جنهم وبئس المصير!! ويا عشاق كورنيش النيل لكم خالص العزاء.. أما الحب فهو لا يموت.. لأنه أصل الحياة.. وعلينا أن نحميه ونرعاه حتى نستطيع أن نتغلب به على كل المصاعب التى تواجهنا.