أشعر أحيانا أننى أكاد لا أصدق نفسى عندما اتلقى رسالة من فتاة تحكى عن مشكلة وتكون تلك المشكلة واضحة الأبعاد ولكنها تتعامل معها بمنتهى الضعف. لا أود أن أحكم على رسالة قبل أن أعرضها لكم ولكننى لم أستطع إخفاء مشاعرى واستفزازى تجاه ذلك النمط من التفكير، الذى سأصفه - تأدباً - بأنه أبعد ما يكون عن المنطق. الفتاة 23 سنة - تخرجت فى كلية الآداب تاريخ - ليست مهمومة - على حد تعبيرها - بفكرة العمل.. والحقيقة: مش فارقة معايا إذا كنت اشتغل ولا لأ.. هكذا قالت دعاء. دعاء.. مخطوبة منذ عامين ونصف - وهى بصدد الزواج فى خلال الشهور القليلة القادمة. فاجأتنى بما يلى: «خطيبى شاب ظريف جدا، وشغله كويس وبيحبنى وبيدلعنى، لكن مشكلته ومشكلتى معه أنه عصبى جدا ولما يتعصب ما بيشفوش قصاده، يعنى ممكن يشتمنى وأوقات بتكون شتائم مثل التى نسمعها فى الشوارع!! والحقيقة أنه ضربنى (4) مرات خلال فترة الخطوبة، لكن بيرجع يتأسف وبيكون ندمان جدا، يعنى ممكن يبوس رجلى عشان أصالحه.. وأنا باحبه جدا ومش متخيلة حياتى من غيره، وهو وعدنى أنه عمره ما هيضربنى بعد الجواز، لأن أكيد ح يكون فيه أطفال وما ينفعش يضربنى قصادهم.. بس أنا قلقانه شوية. أعمل إيه؟! لقد تعمدت أن أكتب أجزاء من الرسالة - كما أرسلتها دعاء لى - وبلغتها ومفرداتها. دعاء تتحدث عن خطيب به الكثير من المواصفات الجيدة، لكنه عصبى ويظهر عصبيته - التى لم تذكر أسبابها تحديدا ولم تذكر المواقف التى تصل به إلى درجة الإفلات من التفكير المنطقى وغياب الحوار والاتجاه إلى التعبير بالألفاظ النابية وبالضرب لخطيبته!! ومع ذلك فهى ذكرت أنه فى عامين ونصف العام ضربها (4) مرات، منها - مرة كما ذكرت لى فى بقية رسالتها - ترك آثار الضرب علامات زرقاء على وجهها وذراعها اليسرى!! تتحدث دعاء - الفتاة الجامعية - التى تعب والداها معها لتتخرج فى الجامعة والتى لم يفرق معها أن تبنى مستقبلا أم لا، لا يهمها أن تعمل وتحصل على وظيفة أم لا.. فكله عادى بالنسبة لها وتتحدث عن هذا الخطيب وتصفه بأنه يحبها وهى تحبه ولا تتخيل الحياة بدونه (!!) دعاء.. ألا ترين فى نفسك ما يستحق لكى تعيشى حياة جميلة مستقرة مع شاب به مواصفات جيدة ويحبك.. ويحترمك ويدفعك إلى الرقى والأمام بدلا من أن يضربك ويصيبك بأذى وعنف وأنت مازلت فى كنف ورعاية أهلك، لكنه لا يحافظ عليك ولا يحفظ كرامتك، هل تتصورين أنه بتقبيل يديك وقدميك فهو قد أعاد كرامتك بهذا الشكل.. وهل كبر هو فى عينيك مقاما واحتراماً فى كل مرة يهينك فيها؟ هل تصدقين وعده بأنه لن يفعل ذلك بعد الزواج ولن يهينك، لمجرد وجود أطفال لا يصح أن يضرب أمهم أمامهم؟! يا دعاء.. أطلب منك التريث الحقيقى فى هذه الزيجة، إذا كنت بالفعل تهتمى بأن تؤسسى حياة زوجية سعيدة ومستقرة وهادئة ومحترمة، يسودها الحب والاحترام والرقى.. وهذا اختيارك، عليك أن تؤجلى الزيجة، وتتحدثى إلى متخصص فى الشئون الأسرية أو طبيبة نفسية أو مرشدة نفسية وتحكى لها بعض التفاصيل عن تربيتك وعن أسباب عصبية خطيبك، وكثير من الوقائع التى ستجعل ذلك المتخصص قادرا على فهم الصورة متكاملة الأبعاد ومساعدتك فى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان هذا الخطيب يصلح زوجا أم لا؟! لكننى - وبشكل أمين - ورغم أننى لست متفائلة بأن هذا النوع من الزيجات يصيبه التوفيق والنجاح أو على الأقل: ستكونين قد اخترت حياة تقبلين أن تلعبى فيها دور الزوجة الضحية المهانة التى تتعرض للضرب كلما شعر زوجها بالعصبية، وما أدراك بمشكلات الحياة الزوجية وتفاصيلها التى تتطلب الحكمة والمودة لاستيعابها ولحلها وكم من التعقيدات التى قد تجعللنا فى أعلى درجات العصبية، ولكن كيف سنتحكم فى إدارة حياتنا.. بالحوار وبالحب وبالاختلاف المحترم الراقى، أم بشتائم الشوارع وبالضرب وبالعنف الأسرى وبأذى بعضنا البعض؟! عليك أن تحددى اختيارك فى الحياة وتتحملى نتائجه. دعاء.. عليك أن تعيدى التفكير بشأن ذلك الخطيب، عليك التأكد بأنه تغير بالفعل، وبأن المواقف السابقة كانت عرضا استثنائيا لن يتكرر وأنه نادم بالفعل، عليك أن تطيلى فترة الخطوبة وتضعين اختبارات قاسية لخطيبك لتمتحنى بالفعل درجة عصبيته وكيف يتحكم فيها، لذلك طلبت منك اللجوء إلى متخصص يساندك فى فهم تلك الاختبارات وكيف تتأكدين أن خطيبك يحبك بالفعل، لكننى مازلت أؤكد لك أننى لا أفهم هذا النوع من «الحب المؤذى». دعاء.. لا تتزوجى الآن.. ولا تتعجلى.. كما أطلب منك أن تنظرى فى أهداف أخرى فى الحياة.. الزواج هدف رائع لمن يحب ولا أقلل منه، لكن عليك أيضا أن تدركى أن الزواج محور مهم فى الحياة لكنه ليس «الحياة كلها»!!؟