استوقفنى من بين الأمواج البشرية التى كانت تسير فى إحدى محطات مترو الأنفاق.. حتى هذه اللحظة لا أدرى السبب الذى جعلنى من بين من اختارهم هذا الشاب الأسمر النحيل ذو العينين الغائرتين، قال لى ”أنا عندى مشكلة، لن أرويها إلا أننى أريد المساعدة!! لم أتردد لحظة فى أن أفتح حقيبتى وألتقط ما طالته يداى من بعض النقود وأعطيتها له وفى هذه الأثناء لازال هو يتحدث فيقول والله أنا خريج جامعة وابن ناس، إلا أننى أعفيته من الحرج وسرت فى طريقى. ذكرنى هذا الشاب بآخر خريج جامعة كذلك ويعمل منادى سيارات فلم يجد البكالوريوس الذى حصل عليه مكاناً وسط منظومة هذا الوطن، فاضطر لأن يقضى يومه فى أحد شوارع القاهرة وأمام أحد المقاهى المكتظة بالبشر ليباشر السيارات ذهاباً وإياباً.. خيط سميك يربط ما بين الشابين خريجى الجامعة فى مصر، الأول يتسول ليعيش والثانى يعمل منادى سيارات.. شزمان كانوا بيضحكوا على الشباب ويقولون لهم إذا لم تعمل ما تحبه، فأحب ما تعمل، كيف أطلب من هذين الشابين أن يؤمنا بهذه المقولة، فقد اتسعت الفجوة بشكل فظيع ما بين الحلم والواقع، فلم يعد الأربعة جدران أو كوب ماء نظيف، أو وظيفة من أساسيات حياتنا بل أصبحت من ضمن المستحيلات لدى الكثيرين. وسط هذا كله أستمع إلى أغنية لأحمد مكى الذى كتبها ولحنها ودينا سمير غانم التى شاركته الغناء، كانت ربما مُسكنا وقتيا لما بدأت به يومى، والرسالة التى أرادت أن تصدرها الأغنية لنا أن يبحث كل منا عن نقطة الضوء بداخله التى قد تكون فى شكله أو عائلته أو لغته أو صوته أو حتى طريقة طبخه وما أحوج شبابنا إلى هذه النصيحة وسط عتمة أيامهم، تقول ”ماتحاولش تبقى حد تانى غير نفسك دور بنفسك جوه نفسك ماتكسلش وقوم قلب ودور حتلاقى ميزتك صدقنى.. ح.. حتلاقى ميزتك، دور بنفسك جوه نفسك، ماتحاولش تبقى حد تانى غير نفسك، خليك واثق من نفسك، قوم دور بنفسك جوه نفسك، حتلاقى حاجة محدش فيها ينافسك، ماتكسلش وقوم قلب ودور حتلاقى ميزتك، ميزتك فى صوتك أو فى رسمك، ماتستبعدش تبقى ميزتك حركة بيعملها جسمك، أو فكرة فانتاستيك فى مخك، ممكن تكون كمان مميز فى الطب أو فى الحساب، أو ميزتك نفسك فى طبخك، ممكن ميزتك تطلع فى لوحة أو كتاب، ممكن تكون ميزتك لياقتك، ميزتك أنك قلب ميت تقدر تضرب كل الناس.. بادى جارد، أو تكون ميزتك سياستك، ميزتك أنك رومانسى ”مأفور” فى الإحساس، أو تكون ميزتك فراستك وهكذا حتى تنتهى الأغنية قائلة: ”لومالكش عازه ماكنتش اتخلقت، ولا أتحسبت من الناس ولا أترزقت”. بداية سطورى كانت شديدة الظلمة وآخرها ليس تفاؤلاً بقدر ما هو رغبة فى التفاؤل حتى نستطيع أن نحيا ونظل متعلقين بهذه الأرض. آخر حركة عندما نطلق على شىء أنه شبابى، يتبادر إلى ذهننا فوراً ”التفاهة” وذلك حديثاً، ومع ذلك فإن راديو مصر محطة شبابية، جادة، ممتعة.