كلما تحدث أحد عن كتابة مذكراته عدت بالذاكرة لقصيدة رائعة للشاعر السورى الراحل نزار قبانى يقول فيها: أشعر فى قرارتى أن يدى فى يدك الصغيرة.. قرصنةٌ حقيرة.. أن يدى.. كخيط عنكبوتٍ تلتف حول الخصر والضفيرة.. أشعر فى قرارتى أنك، بعد نعجةٌ غريرة أما أنا.. فمركبٌ عتيقٌ يواجه الدقائق الأخيرة. هكذا تبدو كتابة المذكرات بالنسبة لى لحظة استقالة من حياة إلى أخرى، أو من عالم إلى آخر، وأبدو كما يقول نزار مثل مركب عتيق.. يواجه الدقائق الأخيرة.. لذلك أرفض المذكرات، واستدعاء الماضى، فليس فيه أفضل من الطفولة والمراهقة، نتذكرها ونحكيها دون خجل، لكن لا أعرف لماذا يداهمنا الشعور بالعجز.. والرغبة فى النسيان، أو حتى تزوير التاريخ والحكايات كلما تعلق الأمر بالماضى القريب؟! فى داخل كل منا طفل صغير، ينتهز الفرصة للتمرد على سلطة العمر التى تقهره دائما، وحين تلوح فرصة الفرار من سجن الزمن ينطلق هذا الطفل الصغير.. ربما ليغير حياته أو حتى يكتب مذكراته. وفى الحب والعشق نعتبر نحن الشرقيين التجارب القديمة جريمة لا تغتفر.. لذلك نتجاهلها حين نود فتح الحاضر للتاريخ.. نغلق عليها بالضبة والمفتاح.. ولا نخرج سوى الانتصارات الوهمية.. أو ما يرضى غرورنا.. مثل أغنية قالها شخص ما فى عينيك.. أو لحظة حب مع فتاة عشرينية غضة.. لا تزال تطارد شخصا فى الخمسين داخل خياله وتندس إلى أحلامه! أنا شخصيا لست مثلك لم أمر بتجربة كتابة مذكراتى.. وربما لن أحاول.. هل لأننى أشعر فى قرارة نفسى أننى أصبحت كما يقول نزار قبانى مركب عتيق يواجه الدقائق الأخيرة؟! أم لأننى عشت على قناعة دائمة بأن تاريخ أى شخص لا يهم أحداً غيره.. وهو يحفظه عن ظهر قلب .. فما الداعى لكتابته وتدوينه لا أحتاج لكتابة مذكرات.. أو بالأحرى تزويرها.. ثم تقطيعها.. ربما أحتاج أكثر من أى شىء بعض الشباب الذى ولى، أو حتى رائحته، لعلها تعيننا حين يتقدم بنا العمر. ونبحث عن بعض الأمور المشرقة فى مجتمع يطارد المرأة الخمسينية ويحكم عليها بالانتهاء.. بينما يسمح للرجل فى مثل عمرها، باستعراض رجولته، ومواصلة انتصاراته الوهمية، وفتوحاته النسائية.. فما حاجتنا نحن معشر الرجال لمثل هذه المذكرات؟؟