ميلاد المسيح سالة سلام كنا خمسة أطفال نلعب الكرة فى الشارع. أحمد وخالد وحسن وجرجس وأنا. كنا فريقا مرعبا لانفترق. ونجول شوارع بورسعيد نلاعب فرق الشوارع بالكرة الكلة. وكنت وجرجس لانفترق. كان يسكن خلف بيتنا. وكنت أدخل بيته كثيراً. (1) أرى صورة العدرا معلقة على الجدران تحتضن ابنها عيسى فى حنان. تلك الصورة الشهيرة. كنت أقف أمامها مشدودا وأسفل الصورة كانت هناك شموع. وأتذكر جدتى الحنون. وكان اسمها مريم نفس الحنان والرقة والعذوبة. وكان جرجس أسمر اللون بديعا وسيما هادئا. الابتسامة لاتفارق وجهه. لم نكن نعلم وقتها ما الفرق بين جرجس وبيننا. عرفناه ذات يوم عندما ذهبنا لنصلى الجمعة وجاء معنا جرجس وهم أن يدخل المسجد. ورآه أبوخالد وقال له: جرجس. صلاتك فى الكنيسة وفهم جرجس سريعا. ولم نفهم.. وعاد جرجس ينتظرنا خارج الجامع حتى تنتهى الصلاة. وبعد أن خرجنا. قال لنا أبوخالد. جرجس قبطى ومكان صلاته الكنيسة. وقتها. عرفنا لأول مرة أن لجرجس مكاناً يصلى فيه ولنا مكان نصلى فيه. وكان فى رمضان. لايأكل إلا معنا فى المغرب. ولايشرب أمامنا. وفى عيد الميلاد. كانت أم جرجس ترسل جرجس لبيتنا وفى يده طبق من الحلويات. وكان يقول لأمى. أمى بتسلم عليكى وبتقول كل سنة وأنتم طيبين. ويدخل جرجس معى الحجرة نلعب الكومى وهو يرتدى لبس العيد الجديد. وقبل أن يرحل جرجس إلى بيته كانت أمى تعطيه نفس الطبق وبه حلويات أخرى وتقول له. قول لأمك كل سنة واحنا طيبين. وقول لها النهارده هنخرج بالليل. وفى الليل. كنا نخرج إلى ديليسبس. جرجس وأمه ومارى أخته الصغرى. وأمى وأختى وأنا وكنا نعود متأخرين. فتحلف أم جرجس أن أنام معهم وتوافق أمى: وكانت أمه تقول: طارق لازم ينام معانا ليلة العيد. وكنت أنتظر ليلة عيد الميلاد لأنام عند جرجس. وأتأمل صورة العدرا. (2) فى ثانوى. كنت فى فصل الأقباط. بمدرسة بورسعيد الثانوية العسكرية. كان يجلس بجوارى شريف قلدس. أبيض بشعر أصفر.. وسيم تماما كتوم كروز. كنا نلعب الكرة ونذاكر سويا، وفى إحدى المرات. دبت بيننا مشاجرة فى مباراة كرة. أنا وقلدس. وقد تبادلنا الشتائم. وسمعنا الأستاذ عصفور مدرس التربية الرياضية واستدعانى ونهرنى لأننى سببت قلدس. وكنت مراهقاً فائرا لا أقبل التأنيب ورفضت أن أعتذر لقلدس لأنه ضيع المباراة وانهزمنا لرعونته غير المتوقعة. وذهب بى الأستاذ عصفور إلى وكيل المدرسة المرعب يوسف الجبرونى. الذى كان ينطق كلمة رفد كأنه يقول صباح الخير. ويقول كلمة إحضار ولى الأمر كأنه يقول مساء الخير، وعرفت مصيرى بالرفد وإحضار ولى الأمر. وانحنى الأستاذ عصفور على أذن الوكيل. وكنت أراقب وجه الوكيل الذى كان يحمر ويشتاط غضبا فخبط علي المكتب بكلتا يديه غاضبا وهو يقول: هاتوا شريف قلدس. وجاء شريف. وقال له الوكيل. الواد ده شتمك. فقال شريف. محصلش. فرد الأستاذ عصفور. قول الحقيقة يا شريف أنا شفته. قال قلدس: محصلش ده أنا اللى غلطان وشتمته. فقال الوكيل. ودينى وإيمانى لأرفدك.. أنت يا شريف قول. فقال شريف محصلش. وكنت أغوص حرجا وأنا واقف مبتلا من العرق. فقال الوكيل على فصلك أنت وهو. وخرجت وفى يدى شريف وسمعت الوكيل ينهر الأستاذ عصفور ويقول ابقى خللى بالك يا عصفور دول صحاب. فقال شريف: هتيجى معايا النهارده نشترى لبس العيد. قلت لشريف. كل سنة وأنت طيب يا قلدس. بس قول لى بصراحة. يعنى إيه قلدس. فقال. أبقى اسأل أبويا!! (3) فى العباسية حيث أسكن خلف الكاتدرائية العتيقة. ليلة عيد الميلاد كنت أسمع بوضوح. صوت أجراس الكنيسة. وذات يوم. ليلة عيد الميلاد وكانت زوجتى حاملاً فى شهرها الأخير. حلمت بالعدرا تأتى لى وتبتسم وهى تحمل رضيعها عيسى بين يديها. وأعطت لى وردة بيضاء ولم أرد من هول ما رأيت. وقمت مسرعاً. وفى الليل ذهبت إلى ميلاد مدير المقهى الذى أرتاده كل مساء. ميلاد كان شماساً فى الكنيسة واختار أن يعمل خارجها عندما كبر. قلت لميلاد إيه الشياكة دى يا ميلاد. قال ليلة العيد بقى يا أستاذ قلت له لقد حلمت بالعدرا وفى يدها المسيح وأعطت لى وردة بيضاء أفتنى يا ميلاد. فجلس ميلاد بجانبى وقال وهو مبهج الوجه وقد احمر اشرح لى وجهها. فقلت وشرحت. فقال ميلاد. مراتك حامل. قلت أنه فى أيامها الأخيرة. قال: سترزق بولد طيب. وبعد ستة أيام ولدت زوجتى ابنى الأصغر مازن. وذهبت لميلاد وقلت له. فقال بركة العدرا. تذكرت صورة العدرا عند جرجس وليلة النوم فى بيتهم وشريف قلدس وأنا أشترى معه لبس العيد ووجه العدرا فى الحلم. ليلة الميلاد!!