إبحارنا فى رسالة الماجستير التى تقدمت بها الطالبة سوزان صالح ثابت يقترب من النهاية. فبعد أن قدمت لنا الطالبة مشروعها الاجتماعى فى رعاية تلاميذ المدارس الابتدائية فى حى بولاق، قدمت لنا فى ختام رسالتها نماذج وأمثلة لإشراك المجتمع المدنى فى رعاية مدارس الحكومة فى الأحياء الشعبية والارتقاء بها حتى تؤدى رسالتها فى خدمة أبناء مصر الذين لا تتوفر لهم الخدمات التى تتوفر لأبناء المدارس الخاصة. الفصل الخامس من الرسالة يتحدث عن الأبحاث الاجتماعية فى مدرسة السلام المشتركة والتى فى نهاية الأمر تقدم نموذجا لما يمكن أن تصير إليه المدرسة الابتدائية الحكومية فى حى شعبى إذا تم استخدام الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة والتى يمكن توفيرها من خلال المجتمع المدنى. كما أن هذا النموذج أثبت أن العمل التطوعى المنظم والمبنى على الدراسة العلمية يمكن أن يحدث تطويراً للارتقاء بنظام المدرسة الحكومية. فبعد نجاح التجربة فى مدرسة السلام قررت جمعية الرعاية المتكاملة لتلاميذ المدارس الابتدائية امتداد نشاطها لمدارس أخرى فى مناطق مماثلة. وأصبحت الجمعية منذ تكوينها عام 7791، تمد نشاطها إلى مدرسة جديدة كل عام. وقد استطاعت الجمعية أن تنجح فى مد رعايتها لست مدارس ابتدائية أخرى فى حى بولاق تتسع لستة آلاف وخمسمائة تلميذ وتلميذة وهذه المدارس هى: مدرسة السلام المشتركة 0032 تلميذ وتلميذة خلال عام 77 - 8791. مدرسة المحروقى فى بولاق وبها 276 تلميذا عام 87 - 9791. مدرسة أبوالفرج فى بولاق 97 - 0891 وبها 8601 تلميذا. مدرسة الشيخ صالح فى السيدة زينب وبها 087 تلميذا عام 0891 - 1891. مدرسة أم الأبطال فى منطقة عين شمس وبها 0011 تلميذ 0891 - 1891. مدرسة عين شمس بمنطقة عين شمس وبها 066 تلميذا 1891 - 2891. وقد كانت المشاكل فى هذه المدارس الست متشابهة، فكلها تعانى من إهمال مبانى المدرسة وتهالكها، وعدم وجود أثاث مدرسى صالح للاستخدام معظمه متهالك، ولا أحد يقوم بإصلاحه، ولا تتوفر أدوات مدرسية لممارسة الخدمة التعليمية، ففى كل من المدارس الست اكتشفنا أن الأدوات المدرسية والخدمات لا تسمح بممارسة النشاط المدرسى الذى هو منصوص عليه فى مناهج الدراسة فى المدرسة الابتدائية، وهذا بالطبع قلل من فاعلية نظام التعليم الحكومى. فالتلاميذ فى المدارس الابتدائية يحتاجون الرعاية الصحية والغذائية والاجتماعية والتى هى أمور حيوية لنموهم الجسدى والعقلى. وتقول صاحبة المشروع أن الجمعية نجحت فى أن تجعل المدارس تتبنى الفكرة، وأن عناصر الدفعة الأولى لتطبيق النموذج كانت كافية لأن تجعل هيئة التدريس فى المدرسة قادرة على تبنى المشروع وتحمل مسئولية تنفيذه. وفكرنا أنه ربما بعض جمعيات المجتمع المدنى تحاول خوض تجربتنا فى المساعدة على الارتقاء بتلاميذ المدارس الابتدائية، لذلك كان لابد من التفكير فى الإجابة عن بعض الأسئلة التى تثيرها التجربة مثل: 1- كيف يمكن جمع الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ الفكرة؟ 2- كم هى تكلفة تنفيذ الفكرة؟ 3- كيف استطاعت الجمعية جمع التبرعات اللازمة؟ 4- إذا لم يكن بين المتطوعين للقيام بهذا العمل الاجتماعى بعض الشخصيات العامة والمهمة من ذوى الحيثية والنفوذ فهل يمكن تحقيق نجاح التجربة؟ صحيح أن بعض النجاح صادفنا لأن بعض المتطوعين كانوا من الشخصيات العامة، كشفت التجربة أن الإمكانيات متوفرة فى مجتمعنا وتحتاج لمن يحركها، والاستراتيجية الرئيسية فى تحريك هذا الأمر تعتمد على إقناع المتبرع بأن ما يقدمه سوف يستخدم استخداما جيدا وكل مليم سوف يصرف فيما يفيد تلاميذ المدارس الابتدائية. وفى حالتنا فقد قمنا بدعوة بعض الذين توسمنا فيهم القدرة على العطاء والتبرع لزيارة المدارس التى تقدم لها الخدمة، وبذلك يمكنهم أن يروا بأعينهم ما نحتاج إليه، وأين سيتوجه صرف تبرعاتهم لتحقيق الهدف المنشود. فمثلاً عندما قمنا باستكمال احتياجات مدرسة السلام المشتركة فى بولاق من مبان وفصول، وجدنا أنها تحتاج لمبلغ 53 ألف جنيه، ولم يكن هذا المبلغ متوفرا فى خزينة الجمعية. واقترحت إحدى المتطوعات دعوة شركة حسن علام للمقاولات لزيارة المدرسة والتعرف على احتياجاتها. ولدهشتنا وجدنا أن ممثل شركة حسن علام تحمس لفكرتنا وقال أنه سيكتب تقريراً لرئيس مجلس الإدارة لكى تتحمل الشركة جميع تكاليف إقامة جميع ما تحتاجه المدرسة. ولقد أسعدنا كثيراً أن نرى الحماس الذى سرى إلى زائرنا وتحمسه دون تردد لمساعدتنا. وهنا أدركنا أن مصر تزخر بمثل هؤلاء الذين إذا لمسوا جديدا فى العمل لا يتأخرون عن العطاء بسخاء للارتقاء بمدرسة فى حى شعبى، وعندما بدأنا فى إنشاء مكتبة لمدرسة السلام المشتركة فى بولاق، اتصلنا بالأستاذ على حمدى الجمال رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الأهرام لنستطلع ما إذا كان الأهرام يساعدنا على إنشاء المكتبة وتزويدها بالكتب وكانت إجابة الأستاذ على حمدى الجمال: أنه شرف كبير للأهرام أن يساعد تلاميذ مدرسة السلام المشتركة ليس فقط للفكرة النبيلة التى تقومون بها، ولكن لأن مبنى الأهرام يقع خلف المدرسة وعندما علم الأستاذ على حمدى الجمال أننا لم نقم بتصنيع المكتبة سارع بالقول أن ورش الأهرام على أتم استعداد لتصنيع المكتبة وتزويدها بالكتب ثم أضاف: أنه شىء مخجل أننا بجوار المدرسة ولم نفكر فى إهدائها الكتب من قبل، وقد بلغت تكاليف إنشاء المكتبة 0002 جنيه، وتجاوزت تبرعات الأهرام إنشاء المكتبة وتزويدها بالكتب إلى أن قدم لنا على حمدى الجمال أتوبيسات تحمل التلاميذ لرحلات مدرسية كل يوم جمعة داخل القاهرة للأماكن التاريخية والآثار. وذلك فى أيام الجمعة حيث لا يستخدمها الأهرام فى إحضار الموظفين وإعادتهم إلى منازلهم، وكانت إحدى المشاكل التى تواجه الجمعية هى كيفية تمويل الوجبة الغذائية لتلاميذ مدرسة السلام المشتركة كنا نحتاج إلى 21 ألف جنيه مصرى فقط فى العام لتلاميذ مدرسة السلام، ومع اتساع نشاطنا إلى ست مدارس أخرى وجدنا أننا نحتاج إلى 54 ألف جنيه سنويا، وكان هذا المبلغ أكبر من قدرات الجمعية على جمع التبرعات، وحتى لو أننا جمعنا هذا المبلغ فإنه سوف يزداد كلما توسعنا فى خدمة مدارس جديدة. وكنا قد سمعنا فى ذلك الوقت أن وزارة التربية والتعليم تفكر فى توفير وجبة غذائية لتلاميذ المدارس الابتدائية، وهنا عملنا من جانبنا على تحفيز المسئولين فى وزارة التربية والتعليم وفى مجلس الشعب على إصدار التشريع الذى يوفر هذه الوجبة لتلاميذ المدارس الابتدائية. وابتداء من عام (0891 - 1891) قدمت وزارة التعليم وجبة غذائية لتلاميذ المدارس الابتدائية، وهذا جعلنا نوجه جهودنا وإمكانياتنا نحو أنشطة أخرى لخدمة التلاميذ. وللأسف الشديد أقرر هنا أن جودة الوجبة الغذائية وطريقة توزيعها لم تكن بمستوى الدقة أو الجودة الغذائية عند تقديمها من خلال الوزارة. وحرصت الجمعية على مراقبة الوجبة الغذائية، ولكن بانتقالها إلى رجال وزارة التربية والتعليم الذين يعملون فى المنطقة لم تعد جودة الوجبة أو وصولها فى موعدها منتظما!! وقررنا فى الجمعية مخاطبة المسئولين فى وزارة التعليم ومناقشة هذا الموضوع الخاص بالجودة وانتظام وصول الوجبة فى موعدها. فإذا كانت وزارة التعليم قد أخذت على عاتقها تقديم وجبة غذائية لتلاميذ المدارس الابتدائية وعددهم يربو على الملايين، أليس من المنطقى أن تتعاقد الوزارة مع شركة كبيرة من شركات إنتاج الغذاء حتى تضمن الجودة والالتزام بالمواعيد بدلا من المخابز المحلية التى لا تفى بالجودة أو الموعد! وقد استطعنا أن نجعل الوزارة تتعاقد مع شركة بسكو مصر ليقدم بسكوتاً محشواً بالبلح وأن يقدم الجبنة من شركة نستو وبذلك ضمنا الموعد والجودة. وتقول صاحبة التجربة أحب أن أشير إلى أنه يوجد فى مصر ما يقرب من تسعة آلاف جمعية تطوعية، ومعظم هذه الجمعيات يعملون مثلنا فى حقول خدمة اجتماعية كثيرة ويحققون نتائج أكثر مما حققنا بوجود شخصيات عامة مرموقة أو بعدم وجودها، وإذا كان من الأفضل وجود الشخصيات العامة فى العمل التطوعى، فإننى لا أرى ضرراً فى ضم بعض الشخصيات للجمعيات مثلا زوجة وزير، أو زوجة محافظ أو زوجة عضو من أعضاء مجلس الشعب أو مجلس الشورى، ولنا كبير الأمل فى أن يهتم الناس فى مصر باحتياجات تلاميذ المدارس الابتدائية. ولقد كنا خمسة وعشرين متطوعا فى جمعية الرعاية المتكاملة لتلاميذ المدارس الابتدائية تخدم ما يقرب من 0056 تلميذ وتلميذة، ولقد قسمنا أنفسنا إلى مجموعات وكل مجموعة مسئولة عن مدرسة، وهذا جعل روح المنافسة تدب بين المجموعات وكل مجموعة تحاول أن تتفوق على المجموعات الأخرى فى أداء الخدمة، ولكن عندما تتجمع المدارس كلها فى نشاط واحد فإن المجموعات المتنافسة تتضافر جهودها لإنجاح المهمة العامة لجميع المدارس. لقد تعلمنا من خلال تجربة المحاولة والخطأ، وتعلمنا أيضاً مواجهة كل مشكلة عندما تبرز إلى السطح. ولقد علمتنى هذه التجربة أن المدرسة الابتدائية فى مصر تحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية والجهود التطوعية لأن حجم المشكلة كبير، وما تحتاج إليه ليس نظاما بيروقراطيا محكما، ولكن الذى نحتاجه هو الإيمان بضرورة تضافر الجهود لمواجهة المشكلة الاجتماعية، إننا نحتاج إلى مسئولية اجتماعية تضامنية تجعلنا نواجه ونلبى احتياجات أطفال مصر فى الأحياء الشعبية. كان ذلك هو النموذج الذى قدمته الطالبة سوزان صالح ثابت يوم أن كانت طالبة فى الجامعة، واليوم توالى السيدة سوزان مبارك عملها من أجل أطفال مصر ونساء مصر ومن أجل حركة السلام فى العالم لكى تنهض بمستوى الإنسان المصرى. بدأت سوزان مبارك عملها الاجتماعى فى الأحياء الشعبية وكانت أول مصرية تقتحم هذا المجال فى الخدمة الاجتماعية وقدمت نموذجا عمليا للنهوض بالمدارس الابتدائية، هل قرأ وزير التربية الدكتور يسرى الجمل رسالة الماجستير للسيدة سوزان مبارك؟ وهل قرأها أيضاً وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى؟ فهذه الرسالة تقدم نموذجاً فى التعامل مع المشكلة ومواجهتها بالبحث العلمى واستطلاع رأى أصحاب المشكلة وتحفيزهم للعمل على حلها. لم تقم السيدة سوزان مبارك بالعمل على إصدار قرارات، ولكنها درست وبحثت وعندما عرفت المعلومات وضعت استراتيجية للعمل التطوعى فى خدمة تلاميذ المدارس الابتدائية فنجحت. رجاء خاص لمعالى الوزير الدكتور يسرى الجمل ورجاء آخر لمعالى وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى فى الاطلاع على هذه التجربة العلمية فى مجال النهوض بعقول وأبدان تلاميذ المدارس الابتدائية بدلا من إصدار القرارات التى جعلت عامنا الدراسى مرتبكا وأولياء الأمور أشد ارتباكا ولا أحد يتساءل ما أثر هذه القرارات المتطرفة فى الجامعات والمدارس على تحصيل أبنائنا وبناتنا خلال هذا العام الدراسى؟ هل فى الإمكان اللحاق بإنقاذ العام الدراسى من تطرف الوزراء الذين يثيرون الهلع والرعب بين أبنائنا وفى بيوتنا، لقد عشت فى مصر كوارث أهم وأصعب عندما تفشى مرض الكوليرا وعندما تفشى مرض الطاعون وأيضاً عندما تفشى مرض السل. هذه الأمراض واجهتها وزارات الصحة والتعليم، والتعليم العالى بالحكمة والرؤية الواضحة المستنيرة وليس بالقرارات المتطرفة التى جعلت التلاميذ يلزمون البيوت وقاعات المدرجات فى الجامعات فارغة، وفصول الدراسة فى المدارس خاوية والدروس الخصوصية على ودنه، والتكلفة ارتفعت على أولياء الأمور. إننى أناشد وزراء التعليم العالى، والتعليم، والصحة مراجعة قراراتهم وأخذ الأمور بروية ودون تطرف حتى ننقذ العام الدراسى الحالى من الدمار والضياع!