وزير التموين: السيطرة على الفساد سواء في الدعم العيني أو النقدي شغلنا الشاغل    خريف 2024.. تقلبات جوية ودرجات حرارة غير مسبوقة هل تتغير أنماط الطقس في 2024؟    تعرف على شروط مسابقة التأليف بمهرجان الرواد المسرحي    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي ممثلي عدد من الشركات الفرنسية المهتمة بالاستثمار في مصر    غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    إبراهيم عيسى: السودانيين زي ما بيتخانقوا في الخرطوم بيتخانقوا في فيصل    بايدن يواصل تعزيز قيود اللجوء لمواجهة الانتقادات الخاصة بالحدود    طوني خليفة: لبنان مقسم لعدة فرق.. ومن يحميها هو الذي يتفق على رأسها    "أوتشا": العوائق الإسرائيلية تعرقل استعداداتنا لموسم الأمطار بغزة    استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مبنى سكني في غزة    القضية الفلسطينية..حسن نصرالله دفع حياته ثمنًا لها وبن زايد سخر طاقاته لتصفيتها وبن سلمان لا تعنيه    عادل عبد الرحمن: تعيين الأهلي محمد رمضان مديرا رياضيا «ليس قرارا انفعاليا»    نجم الأهلي يتخذ قرارًا مفاجئًا بالرحيل (تفاصيل)    مدرب الزمالك: احتفال ربيعة وعمر كمال حفزنا أكثر للفوز على الأهلى    رونالدو: هدفي في الريان له طعم مختلف..«يوم عيد ميلاد والدي»    توفيق السيد: محمد فاروق هو الأحق برئاسة لجنة الحكام    خالد عبد الفتاح يطلب الرحيل عن الأهلي وكولر يناقش القرار مع لجنة الكرة    160 جنيهًا تراجع مفاجئ.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 1 أكتوبر 2024 في مصر «بيع وشراء»    دخلت بها ولم أرى أثر.. نص تحقيقات النيابة العامة في مقتل عروس أسيوط علي يد عريسها    ما حقيقة إلغاء منهج الفيزياء وتغيير منهج الأحياء لطلاب تانية ثانوية؟.. مصدر بالتعليم يجيب    وكيل تضامن الشيوخ: كفاءة برامج الدعم النقدي المباشر للمواطنين أثبتت كفاءة أعلى    "المهاجر إلى الغد.. السيد حافظ خمسون عامًا من التجريب في المسرح والرواية" كتاب جديد ل أحمد الشريف    مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء القادم    أستاذ دراسات إيرانية: المجتمع الإيراني راض عن اغتيال حسن نصر الله لأن جزءا كبيرا من دخل البلاد كان يوجه لحزب الله    السيطرة علي حريق شب في شقة بالمطرية    أماكن سقوط الأمطار غدا على 14 محافظة.. هل تصل إلى القاهرة؟    محمد الشامي: لم أحصل على مستحقاتي من الإسماعيلي    الموافقة على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني يوم السبت بالإسماعيلية    برج الميزان.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: تواصل مع الزملاء في العمل    برج العقرب.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: احرص على دراسة الأمور جيدا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: واجه التحديات الجديدة    «وحشتوني».. محمد محسن يشوّق جمهوره لحفله بمهرجان الموسيقى العربية    «هيئة الدواء» تعلن ضخ كميات من أدوية الضغط والسكر والقلب والأورام بالصيدليات    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    كيفية التحقق من صحة القلب    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    مباشر أبطال آسيا - النصر (0)-(0) الريان.. انطلاق المباراة    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق بمدينة نصر    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذلك اليوم
نشر في صباح الخير يوم 06 - 10 - 2009

قبل ذلك اليوم بعامين فى سبتمبر 1791 ذهبت فى رحلة إلى موقع من جبهة القتال. كانت الرائدة راوية عطية التى كانت تحمل رتبة عسكرية وعضوية برلمانية تعد رحلات إلى الجبهة من المدنيين ليشعر الجنود أنهم ليسوا منسيين وليشعر المدنيون بحياة الجنود.. كانت الرحلة التى انضممت لها رقم ستمائة من رحلات الرائدة راوية عطية.
ساعتان فقط بين القاهرة وخط الجبهة فى مدينتى السويس، وبورتوفيق.. ومع ذلك كنا بعيدين عنه أميالا من التناقض والحياة المختلفة. كانت وجوه الضباط والجنود الذين استقبلونا وجوها مبتسمة حقيقة وهم يحيطون بنا ويحكون.. نعرف الكثير يا إخوتى عن بطولاتكم.. قالوا لايمكن أن تتصوروا ماذا تصنعون لنفسياتنا عندما تحضرون إلينا وتشعرون بنا.. ناولنى أحدهم منظارا مكبرا لأشاهد العدو على الجانب الآخر من القنال.. لم أرد أن أرى وجوههم. يكفى ما شاهدت من وحشيتهم على المدينة، ابتسم.. ربما فهمت سر ابتسامته وابتسامتهم فيما بعد.. إنهم أصحاب رسالة يعيشون من أجلها وينتظرون تحقيقها.
تأدية الرسالة
إننا لانستطيع أن نحيا دون أن نشعر بأننا نحيا من أجل شىء أو شخص.. وهذا الشعور قد يكون سببا كافيا لتبرير الحياة، إن لم نقل بأنه هو الذى يجعل من الحياة نفسها رسالة تستحق أن يعيش الإنسان من أجلها.. الشعور بالرسالة ينير عقولنا ويعين إرادتنا، فما ذلك إلا لأننا نشعر بوجود توافق بين ما ينبغى تحقيقه من جهة وبين القوى التى أعطيت لنا من جهة أخرى.. وهكذا تجىء الرسالة فتنتشلنا من عزلتنا وترفع عنا الشعور بالعبث أو.. عدم الجدوى.
ذكرى وفاة جمال عبدالناصر
نصحونا بالعودة عند الغروب.. قبل أن أصعد السيارة نظرت حولى إلى المكان استمعت إلى صمته لم يكن صمت الحزن. أو صمت المكان المهجور. كان صمتا غريبا.. لأول مرة أسمعه.. فى نهاية ذلك اليوم كانت الرائدة راوية عطية تحمل حقيبة مليئة بخطاباتهم لأهاليهم، ومطالبهم من المسئولين. كانت مهمتها الإنسانية أن تحل مشاكل الجنود العائلية والعملية حتى تكون نفسياتهم مرتاحة وهم يترقبون ويدافعون عن الوطن، وكنا نحمل فى ذاكرتنا وجوها لن ننساها.. عندما وصلنا إلى صخب القاهرة.
توقفت بنا السيارة أمام جامع جمال عبدالناصر.. قالت لنا راوية عطية لنقرأ له الفاتحة فذكرى وفاته الأولى بعد أيام.. دخلنا ناحية مدفنه.. لنطمئنه أن رجاله بخير وقوة وأمل ينتظرون.
قبل ذلك اليوم بشهر
فى سبتمبر 3791 كنت فى برلين الشرقية عندما كانت ألمانيا مقسمة إلى ألمانيتين.. وبرلين.. إلى برلينتين!.. كنت مدعوة لحضور مؤتمر عن الصحافة فى دولنا التى يسمونها بالعالم الثالث.. كانت الوجوه حولى من بعض البلاد العربية والأفريقية ووجوه من الذين عرفتهم من قبل من الألمان أثناء منحة تدريبية صحفية، وكأنهم جميعا اتفقوا على سؤال واحد.. من هو أنور السادات وأسئلة خبيثة مصاحبة لذلك السؤال عن أحوالنا.. وهل السادات سيحارب؟.. أم سنظل على ذلك الحال؟!
إننا فى بلدنا يمكن أن نتحدث عن إستيائنا للمحيطين بنا من الأقارب والأصدقاء للمواطنين مثلنا.. لكن من خارج وطننا.. إذا قذف غريب الماء على وجه بلدنا أو وجه أحد رموزه نقذفه بالنار!!.. هكذا يقول المثل الشعبى المصرى.. وهكذا كنا نفعل فى جيلنا.. وهكذا تحدثت وزملائى المصريون لهؤلاء الذين يحاولون النيل من وطننا ورموزه.
فى ذلك اليوم
بعد أسبوعين من عودتى بدأت الحرب.. لا أنكر إننى فى أول الأمر لم أصدق أنها حرب حقيقية.. اعتقدت وأنا أسمع الخبر أنها مجرد استفزازات من جانب العدو ترد عليها القوات المصرية كما عشناها فى سنين حرب الاستنزاف.. وعندما بدأت تتوالى البلاغات الحربية أيقنت الحقيقة.. فكرت فى الوجوه التى قابلتها فى ألمانيا تذكرت محاولتهم إخفاء ابتساماتهم عن كلمات حماسية قلتها دفاعا عن بلدى، وشعورى أنهم لايثقون فى الرئيس السادات إنه سيحارب، ولايثقون فى الشعب المصرى أنه سيستجيب للحرب!. ولابد أنهم قد سمعوا صيحة جولدا مائير الرئيسة الاسرائيلية المحنكة فعلها السادات.. تلك الصيحة الغاضبة عن الرجل الذى ظنوا أنه لايستطيع الدخول فى حرب.. بينما كان يعد لها.. كان صاحب رسالة.
تأدية الرسالة.
الرسالة التى يكتشفها الإنسان فى نفسه تهديه إلى شىء أعظم منه ليعيش له.. لذلك فإن القضية التى يعمل من أجلها صاحب الرسالة هى بالضرورة قضية اجتماعية أو إنسانية أو وطنية.. بمعنى أنها موضوع مشترك تتلاقى عنده إرادات الكثيرين.. وحين يعمل الفرد من أجل هذا الموضوع المشترك.. أى تحقيق هذه الرسالة.. يتزايد شعوره بنفسه من جهة.. وشعوره بالعلو على نفسه من جهة أخرى.. فهو يشعر أولا بأنه يعبئ كل قواه من أجل أداء مهمته لكنه يشعر فى نفس الوقت بأن الجهد الذى يقوم به ليس مجرد جهد فردى بل هو عمل مشترك تشارك فيه إرادات الكثيرين.. تأدية الرسالة لايمكن أن تكون مجرد مهمة فردية بل هى مهمة إنسانية يعمل صاحبها للآخرين وبالآخرين...
هزمنا الهزيمة
هكذا كتب العزيز الراحل الكاتب أحمد بهاء الدين فى كتابه وتحطمت الأسطورة عند الظهر.. ردا على الكتاب الذى نشرته الدعاية الصهيونية وتحطمت الطائرات عند الفجر.. بعد هزيمتنا عام 7691. وقد توالت أيام الحرب بعد ذلك اليوم السادس من أكتوبر 3791 وكانت قضية وطنية استجاب لها الشعب المصرى الذى ظنوا إنه لن يستجيب لها.. ورسالة اشترك فى تأديتها.. سادت الأخلاق السمحة والمحبة بين الناس فى بلدنا مصر.. سارعوا لزيارة الجرحى فى المستشفيات وقدموا لهم الهدايا والتمنيات بالشفاء وبفكرة أن معنويات المريض ترتفع بالزيارة.. لكن هؤلاء المرضى كانوا نوعا آخر.. فكانوا هم الذين يرفعون الروح المعنوية لزائريهم.. وعندما كنت أشاهد علما مصريا مرفوعا فوق رأس جريح أعلى فراشه كنت أعرف أنه من الأبطال الذين رفعوا أعلامنا على أرضنا التى كانت مسلوبة.. وقد كان رصاص الأعداء وراء رافعى الأعلام حتى لايرفعوها.. ولم يهتموا فأصيبوا. شاهدت الوجه الجاد للمرأة المصرية فى المستشفيات.. المتبرعات بالخدمة فى التمريض.. بالخدمة فى جمع التبرعات.. شاهدت طوابير الذين يتبرعون بدمائهم.. شاهدت حماسة الشبان للانضمام إلى المقاومة الشعبية إذا احتاجوا لهم.
تأدية الرسالة
حين تتراخى فاعلية الإنسان. أو حين يشعر أنه أصبح عاجزا عن تحقيق أى عمل يشعر بأنه يجر نفسه جرا كما لو كان جسدا هامدا.. وهذا ما يحدث لنا حين نفقد ثقتنا فى أنفسنا.. أو حين نفقد إيماننا بالقيم ورموز حياتنا.. ونظل موزعين مشتتين منقسمين إلى أن نكتشف الرسالة الخاصة التى لابد لنا من تأديتها.. أو المشاركة فى أدائها.. ويتم لنا التلاقى مع الآخرين فى العمل...
ذلك اليوم خريفيا
ففى الخريف عندما يبدأ النهار يقصر وتقل فترة الضوء هذا يشعر بعض الناس بالانقباض.. وإذا حدث فى هذا الوقت حدث يسرهم تختلط مشاعرهم!! وحرب أكتوبر التى جاءت فى الخريف هز الانتصار مشاعرنا إذ إننا ابتهجنا فى فترة انقباض.. وربما كانت الحقيقة أننا ابتهجنا بعد فترة طويلة من الانقباض.. وابتهجنا بتلك الأغانى ذات الكلمات المعبرة الصادقة وألحانها الجميلة التى ألفت ولحنت فى تلك الفترة.. وجميل أن تذكر وسائل الإعلام الناس بذلك اليوم.. لتبهج من عايشوه بالذكريات.. وتعرف الذين لم يعايشوا تلك الفترة بأن الشعب الذى له حضارة عريقة لايستكين لهزيمة طارئة.. ربما يتحملها لفترة.. لكنه لايستكين لها أبدا.
ملحوظة: كلمات تأدية الرسالة من أبحاث مهمة فلسفية واجتماعية ونفسية للفيلسوف المصرى. د. زكريا إبراهيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.