أدركت الطالبة سوزان صالح ثابت بعد لقائها بأستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية والذى اتهم جيلها بعدم المبالاة بتطبيق مادرسوه فى المجتمع الذى يعيشون فيه. قال لها الأستاذ عندما طلبت منه أن يقود خطواتها نحو القيام بالعمل الاجتماعى فى الأحياء الأكثر احتياجا: المشكلة مشكلتك أنت وليست مشكلتى! وهنا عرفت الطالبة أن الاهتمام بالعمل الاجتماعى قرار يصل إليه الإنسان بنفسه، وليس بمساعدة الآخرين! وعندما عادت إلى منزلها جلست تفكر وحدها. كانت القضية التى تشغل المجتمع والمثارة فى الصحف هى قضية تطوير التعليم فى مصر، وكانت كل الكتابات تصل إلى نتيجة واحدة وهى أن نقطة البداية هى الاهتمام بتلاميذ المدارس الابتدائية. وتكتب السيدة سوزان مبارك فى مقدمة رسالتها لنيل درجة الماجستير فى العلوم الاجتماعية: "أرغب فى تقديم امتنانى للدكتور "نيكولاس سياسكو" الذى لفت انتباهى ووجهنى لمعرفة المشكلات القائمة فى مجتمعى والاحتياجات اللازمة للأطفال أبناء الطبقة العاملة والذين يسكنون فى الأحياء الشعبية". وتضيف: "وأشكره شكرا جزيلا أنه دفعنى لخوض تجربة التحدى للقيام بعمل بناء فى هذا المجال.. "كانت نقطة البداية هى القيام بعمل دراسة ميدانية رائدة فى المدارس الحكومية الابتدائية واخترت منطقة بولاق، والهدف من القيام بهذه الدراسة هو وضع خطة للعمل على رفع مستوى المدرسة ونوعية الرعاية التى تقدم لتلاميذ مدرسة ابتدائية تقع تحت إشراف الحكومة وفى منطقة شعبية هى بولاق. "وكانت الدراسة تشمل تقييما للخدمات التى تقدمها المدرسة الابتدائية فى المنطقة تقييما موضوعيا بذكر الاحتياجات التى يحتاج إليها تلاميذ المدارس الابتدائية والتى قد تنطبق على معظم المدارس الابتدائية التابعة لوزارة التعليم". وتقول السيدة سوزان مبارك فى رسالتها: "والتقييم بالطبع هو أول الطريق نحو التعرف على المشكلة، والقيام بتقييم المشكلة تقييما واقعيا من واقع الدراسة، والتحليل العلمى يقدم تحديدا لحجم المشكلة". وحددت الطالبة سوزان صالح ثابت موضوع الرسالة التى تكتبها فى السطور التالية: "إن مشاكل واحتياجات تلاميذ المدارس الحكومية الابتدائية وخاصة أولئك الذين يعيشون فى المناطق المحرومة من الرعاية والخدمات هى صلب موضوع هذه الرسالة. واختيار مدرسة السلام الابتدائية المشتركة بحى بولاق كان لأنها النموذج الذى تبرز فيه المشاكل وقلة الخدمات التى يحرم منها تلاميذ المدارس الابتدائية الحكومية فى مصر بشكل ملحوظ وواضح". وتضيف الطالبة سوزان صالح ثابت: "لسنا ننكر أن هناك جهوداً قامت بها الدولة، ولكن الفجوة بين الأهداف المعلنة للعملية التعليمية والتطبيق العملى للوصول أو تحقيق هذه الأهداف متسعة وكبيرة بل لايمكن تصديقها! والهدف الرئيسى من القيام بهذه الدراسة الميدانية هو الاعتقاد بأن الجهود الحكومية يجب أن تتضافر مع الجهود الأهلية لتوفير مناخ يتحقق منه ومن خلاله توفير الاحتياجات الضرورية للأطفال المحرومين فى المناطق الشعبية. ويحدونى الأمل أن يصبح هذا البحث وهذه الدراسة الميدانية للظروف الاجتماعية التى يعيش فيها تلاميذ مدرسة السلام الابتدائية المشتركة فى بولاق نموذجا لما يجب أن تكون عليه المدرسة الابتدائية فى مناطق أصحاب الدخول المنخفضة، وذلك من خلال الاستخدام الأمثل وبكفاءة لما هو متاح من مصادر بشرية ومادية. ومن ثم فإن هذا البحث من الممكن أن يصبح تطبيقا عمليا يحتذى فى مدارس أخرى وفى مناطق مماثلة. ولأننا وضعنا ذلك فى اعتبارنا منذ البداية، فإن الهدف الرئيسى من استمرار التقييم والتحليل للتجربة هو معرفة مدى إمكانية تطبيقها وإعادة تطبيقها فى مدارس مماثلة أخرى ذلك أن العمل الاجتماعى يجب أن يستمر حتى نتصدى للمشكلة بحق وحقيق وليس من باب التظاهر بالاهتمام". المشروع وإيجابياته على الريف أيضا كانت نقطة الانطلاق فى البحث الذى تعده الطالبة سوزان صالح ثابت هى الرغبة فى خدمة الأطفال الفقراء فى الأحياء الشعبية.. ولكن كيف؟! كان ذلك هو التحدى. بدأت الفكرة تتبلور فى ذهن الطالبة سوزان صالح ثابت والتى تذهب إلى فصول الدراسة بالجامعة فى ميدان التحرير دون أن يعلم أحد أنها أصبحت عام 1975 حرم السيد نائب رئيس الجمهورية. كانت الطالبة فى السنة الثانية من دراستها "سوفومور"، ولم تشغلها واجبات المنصب الجديد لزوجها عن رعاية أولادها الذين قاربوا على الحصول على الثانوية العامة، أو عن دراستها فى الجامعة. بل أحست الطالبة بأن هناك ضرورة فى إعطاء دفعة قوية لفكرتها ولتحقيق النجاح فى المشروع. قامت بإثارة اهتمام زميلاتها فى الدراسة وحثهن على العمل التطوعى، ثم بدأت فى إثارة اهتمام المتطوعات. وحرصت على تكوين مجموعة متفهمة ثم فكرت كثيرا فى الأسلوب والطريقة التى تصل بها إلى الأطفال المحتاجين للرعاية. قالت سوزان لزميلاتها: التجمع الذى نستطيع أن نبدأ منه الدراسة هو المدرسة الابتدائية المشتركة فى حى بولاق. أطفال تلك المدرسة يمثلون مصر (الحضر والريف) بمشكلاتها ومعاناتها ويمثلون مصر أيضا بتطلعاتها وآمالها فى مستقبل أفضل. ثم أضافت وهى تتحدث إلى المتطوعات فى الفصل الدراسى: نحن جميعا نعلم أن المستقبل هو ملك للجيل الصاعد.. جيل الطفولة اليانعة أبناءنا وبناتنا فى المدرسة الابتدائية المشتركة بحى بولاق والتى اخترناها كتجربة رائدة. لو استطعنا توفير الرعاية والعناية والحب فإن عطاءهم لذويهم ولوطنهم مستقبلا سيكون بغير حدود. وبقدر ما نبذل لهم اليوم سنأخذ منهم فى الغد. وكلنا يعلم ويعرف أن ضمان حق الطفولة فى رعاية متكاملة هدف نبيل يستحق الاهتمام من جميع الأفراد والجماعات التى يعنيها تقدم مصر ومكانتها بين الأمم. إن المشروع الذى نحن بصدده قد يبدو لأول وهلة محدودا فى نطاقه، متواضعا فى أهدافه، ولكنه سوف يكون مثالا يحتذى. إننا نهدف إلى تحقيق الرعاية المتكاملة لتلاميذ المدارس الابتدائية، والارتقاء بمستوى المدارس الابتدائية الحكومية التى تقع فى الأحياء الشعبية المزدحمة بالسكان فى القاهرة، والتى هى فى أمس الحاجة إلى تقديم العون لأبنائها، وتوفير الرعاية المتكاملة لهم من اجتماعية وصحية وثقافية وتربوية. وأحب هنا أن أستدرك أن نظام التعليم فى الجامعة الأمريكية يتيح للطالب بناء على موافقة الأستاذ الاستعانة بالطلبة فى إجراء البحوث الميدانية فى ظل نظام يتيح ممارسة التطوع فى أوقات الفراغ والحصول على تقدير نظير المجهود الذى بذل أثناء التطوع. والجامعة فى هذا المضمار تكمل عملية النهوض بالمجتمع. ونعود إلى الطالبة سوزان صالح ثابت التى استفادت من هذا النظام التعليمى فقد جمعت المتطوعات من طالبات الجامعة الأمريكية اللواتى سوف يشتركن فى القيام بالبحث الميدانى وقالت لهن: قد تكون المتطوعة من خارج حى بولاق، وقد تكون من سكان مصر الجديدة مثلى أو المهندسين أو الزمالك أو جاردن سيتى أو الدقى أو المعادى، ولكننا جميعا من أعماق الشعب المصرى العظيم ثم استطردت: نحن اليوم نخطو الخطوة الأولى نحو فكر علمى فى مواجهة المشاكل الاجتماعية لبلدنا.. إننا جميعا نرغب فى الخدمة الاجتماعية وحل المشكلات، وهذا بالطبع لايكون بالنيات الحسنة، ولكن بالبحث العلمى وبالتحليل والتقييم ثم المواجهة والاقتحام، وهذا عمل جماعى لايمكن أن يقوم به فرد لوحده، لابد من تعاون الجميع وبذلك نؤكد قيمة أصيلة اندثرت وسط المشكلات اليومية التى تستهلكنا وتستنفد قوانا، ألا وهى الاعتماد على الذات والثقة فى قدرة الفرد على العطاء والتعاون فى حل المشكلات. وأحب أن أؤكد هنا على حقيقة مهمة وهى أنه إذا لم يتعاون الجميع بصدق من مدرسين، وآباء وأمهات فإن مجهودنا يمكن أن يضيع سدى فى بضعة شهور، أما إذا تآزرنا وعملنا سويا فنجاح المشروع مؤكد ومضمون. وفى إطار هذا المفهوم والإيمان بالمشروع بدأ العمل بهدف حشد الجهود وتنسيقها على أساس تطوعى لضمان رعاية تربوية وصحية وثقافية ونفسية وتعليمية واجتماعية لتلاميذ المدرسة الابتدائية لما لها من دور فعال وحاسم فى تنشئة الطفل المصرى. وانطلاقا من الحقيقة التى تقول أن مستقبل أى وطن يتوقف على ما يوفره لإعداد أطفاله إعداداً سليما يجعلهم فى الغد قادرين على تحقيق طموحاته وأيضا يكونون أمناء على مصير الوطن. وبدأت السيدة سوزان مبارك حرم نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت النزول ومجموعة العمل إلى ميدان الواقع لدراسة مشكلات المدرسة والتلاميذ وذلك بعقد اجتماعات دورية مع الآباء والأمهات وهيئة التدريس فى مدرسة السلام المشتركة بحى بولاق حتى يتم الإلمام بجميع المشاكل التى تحيط بالتلميذ والأسرة والمدرسة والحى وحتى يمكن أن تتحول المدرسة إذا ماتم تغيير الأوضاع إلى مركز إشعاع تنطلق منه خدمة المجتمع فى الحى ويعاون هذا المركز أهل الحى على إدراك الصلة التى تربط بين المدرسة والبيت فى تربية الأبناء. بذلت الطالبة سوزان صالح ثابت هذه الجهود من خلال النزول إلى ميدان الواقع بزيارتها لمأمور قسم بولاق ورئيس الحى ومدير المنطقة التعليمية.. تعاملت معهم على أنها طالبة فى الجامعة الأمريكية تجرى بحثا ودراسة ميدانية ولم تذكر على الإطلاق أنها السيدة سوزان مبارك حرم السيد نائب رئيس الجمهورية.. فى ذلك الوقت أدركت الطالبة سوزان صالح ثابت أن النزول إلى الناس ومعرفة الواقع أفضل بكثير من الدخول إلى بولاق بمعرفة السلطة. ذهبت إلى الناس وتعاملت معهم كمواطنة فأحبوها وباحوا لها بأسرارهم وتعاونوا معها حتى نجحت التجربة.. تفاصيل أخرى فى قادم الأعداد.