ثورة تفوت وآلاف بتموت والفاعل مجهول، والمفعول به لايزال يصرخ مطالبًا بالثأر.. بالحق.. بالعدل.. وهذه أبسط الحقوق الإنسانية.. فإذا طفح الكيل وفاض ونزل الناس للشوارع فى مظاهرات سلمية.. يصبحون بلطجية ومأجورين.. ويقتلون ويسحلون ولا يفرَّق بين شاب كان أو فتاة!! مر عام والجميع يبحث عن حقوقه الضائعة.. والدم يسأل: هل بعتم الشهداء؟! هل الثورة التى قامت لتحقق الحرية والعدالة الاجتماعية أتت بثمارها؟! هل إسقاط النظام وأعوانه هو كل ما نصبو إليه؟! مرت سنة ولم يحاكم فرد واحد منهم على أى جريمة قاموا بها.. فى حين حُكم على كثيرين بأحكام عسكرية لعدة سنوات، وقتل المزيد والمزيد من الشهداء دون أن يهتز لنا جفن، بل أطلقنا على الدكاترة والمهندسين زينة شباب مصر بلطجية وقذفنا المحصنات من بناتنا فقط للدفاع عن أخطائنا وكل ما فعلناه بعد ذلك هو التعبير عن مدى أسفنا لما حدث!!. قررنا التحدث لأصحاب القلوب المكلومة والمجروحة من فقدان ابن أو أخ أو أب أو ابنة لنعرف بماذا يشعرون بعد مرور عام.. هل سيحتفلون بالثورة المجيدة؟! أم أن لهم رأيا آخر. «قتلة ابنى طلعوا براءة».. بهذه الجملة صرخ فى وجهى راضى عبدالرحيم والد الشهيد عمرو الذى استشهد برصاص الداخلية أمام قسم السيدة زينب يوم جمعة الغضب. بدموع الحسرة يقول الحاج راضى: لا أستطيع أن أصدق مرور سنة على استشهاد ابنى فلذة كبدى.. عينى التى كنت أرى بها، وعكازى الذى كنت أتعكز عليه فى شيبتى، ويا ليته كان ارتاح فى قبره، فقاتله حر طليق أخذ براءة وكأنه لم يفعل شيئا أو يرتكب أى جرم. مرت سنة لا أستطيع أن أشعر فيها بطعم النوم، فكل ليلة يأتى لى عمرو فى المنام ويطلب منى القصاص له من قاتله. انتظرت تسعة أشهر حكم المحكمة على الضباط المجرمين الذين قضوا على زهرة شبابنا الذين كان ذنبهم الوحيد هو الخروج عن صمتهم ودفاعهم عن مستقبل بلدهم. لم ينصرنى القضاء، وحكم على قاتل ابنى بالبراءة بحجة أنهم كانوا يدافعون عن القسم وهذا واجبهم، وهل الواجب يقتضى بأن يقتل ضابط مسلح شابا أعزل، لا يملك إلا صوته الذى خرج يهتف به سلمية سلمية، المشكلة الآن هى أن دم ابنى ذهب هباءً وهدرًا، فأنا لا أرى حتى الآن أى شىء قد تحسن أو تحقق، فأين هى الحرية وأين العيش الذى زاد ثمنه، وأين العدالة الاجتماعية؟ وأين الكرامة التى دفع أولادنا وإخواتنا ثمنها من دمائهم؟! وللأسف إذا كان قلبى قد انفطر مرة عند استشهاد ولدى، فإنه الآن ينفطر ألف مرة، وأنا أرى قاتله حرا طليقا لم يدفع ثمن جرمه، وسيخرج ليمارس فساده مرة أخرى فى المجتمع، وليقتل مرة أخرى دون أن يحاسبه أحد. ويضيف الحاج راضى: بصراحة شديدة أنا لا أشعر بأن الدولة قد فعلت أى شىء لتأبين روح ولدى، أو أحد من زملائه الذين استشهدوا معه سواء فى السيدة زينب أو فى أى بقعة من بقاع مصر، وكل ما أتمناه الآن هو أن تحقق الثورة ثمارها أو على الأقل أى هدف من أهدافها الذى استشهد من أجله أبطال هذا الوطن. ويتساءل أبو الشهيد عمرو: كيف أهدئ من النار التى تجتاح قلبى وتشتعل فيه؟! هل أذهب بنفسى وأقتص من القتلة لأريح ابنى فى قبره، أم أترك أمرى لله المنتقم الجبار؟! ∎ التوقيت الصيفى اتلغى أما أمل عبدالفتاح شقيقة الشهيد فرج عبدالفتاح.. شهيد السويس فتسخر قائلة: من أهم إنجازات الثورة التى أرى أنها تحققت على مدى عام أن التوقيت الصيفى «اتلغى»، فحتى الآن لم أر أى شىء تحقق غير أن الفساد استشرى، فقد أصبحنا أسوأ من عصر مبارك، فما معنى أن يخرج الضباط المسئولون عن قتل الثوار فى شهر 7 الماضى؟! وما سبب الإفراج عن رجل الأعمال إبراهيم فرج.. رجل الحزب الوطنى الذى شارك فى قتل متظاهرى السويس، والذى لو لم نقم بعمل احتجاج على خروجه لما قامت الداخلية باعتقاله مرة أخرى؟! ما يحدث معى، ومع أهالى شهداء السويس وأهالى شهداء مصر كلها لا ينم إلا عن شىء واحد، وهو أن الدم المصرى رخيص. تصمت أمل قليلاً ثم تقول بصوتٍ متهدج: أهالى الشهداء جواهم نار، ونحن لا نطلب الكثير.. نطلب فقط حق أولادنا، وإذا لم نأخذه أو لم نشعر بأن دماءهم لم تذهب هدرًا سننزل كلنا ميدان الأربعين، وسيأتى إلينا الشيخ محمد حسان والشيخ محمد جبريل والمستشار أحمد مكى والخضيرى وسيذهب معهم أهالى الشهداء ليصلوا فى مسجد الشهداء ونأتى بنعش وسيرتدى الرجال أكفانا وسنقوم بعمل مسيرة حتى حى الأربعين ونقوم بمحاكمة شعبية للضباط، ولإبراهيم فرج. وتشير أمل إلى نقطة فى غاية الأهمية وهى أن نواب البرلمان الإخوان والسلفيين لم يفيدونا بأى شىء، بل على العكس كانوا يقولون لنا: قاعدين ليه.. أنتم اللى خربتم البلد.. مش أخدتم فلوس.. عاوزين إيه تانى. ∎ قرحة الفراش!! كنت أتمنى أنى احتفل «بعيد الثورة» يوم25 يناير 2012 لكن إزاى؟! مقدرش. هذه كانت الجملة التى ردت علىَّ بها أم الشهيد «محمود خالد» الشهيد الذى تعذب 3 شهور بعد إصابته جراء دهسه من قبل السيارة البيضاء الدبلوماسية التى حتى الآن لا نعرف نحن كشعب أو نحن كحكومة.. أو لجنة تقصى الحقائق.. كلنا مازلنا لا نعرف بعد مرور عام من دهسه مَنْ ولماذا دهسته السيارة.. كان محمود يحاول إنقاذ شاب مسيحى من ضربات عساكر الأمن المركزى وبعد نجاحه فى الدفاع عن الولد.. دهسته السيارة بعد أن أبعد الشاب المسيحى عنه لينقذه من السيارة. هذا ما علمته أمه فى الجنازة عندما جاءت لها أم الشاب المسيحى لتشكرها وتعزيها.. تشكرها على تربيتها لهذا الشاب الخلوق الشجاع وتعزيها فى فقدانه. حادثتها.. لا أعرف ماذا أقول لها بعد مرور عام من الثورة، ولم يحكم على من قتل ولدها.. مر عام ونحن محلك سر.. ولكن كلمتها لأسألها عن حالها بعد عام ورأيها فى فكرة الاحتفال بالثورة.. فوجدت صوتها.. ضعيفا واهنا.. فسألتها لماذا.. فردت بصوت خافت.. والله يا بنتى عيانة كان عندى جلطة! «والله أنا عايزة أروح لمحمود.. أنا مش مبسوطة من اللى بيحصل ده.. دم ابنى راح هدر.. وبيقولوا على الشباب اللى زى الفل بلطجية.. طيب والله يا أستاذة أنا رحت قصر العينى والولاد هناك مرميين فى الإنعاش ولاد ناس وزى الفل.. شباب مصر بيموت بإيدهم وهم يا أما يقولوا إنهم بلطجية.. أو الأيد الخفية.. يا شيخة قطع أيدهم على أيدهم الخفية!! ثم تكمل وهى محتدة والحزن يكسو صوتها.. سنة كاملة ومش عارفين يحكموا على اللى قتل ابنى.. اللى قتل ولادنا كلنا.. سنة وهو على السرير مش قادر يقوم!! ده أنا محمود ابنى جاءت له قرح الفراش بعد 40 يوم من نومه على ظهره!! ثم تبكى وتقول: نور عينى حبيبى.. والله أنا مت يوم ما مات.. وبموت فى اليوم ألف مرة.. والنار بتكوى فى صدرى كل ما أشوف البشوات مبارك وأولاده وحبيب العادلى بيلعبوا بينا وهم فى السجن ومش عارفين يحكموا عليهم.. ليه.. هو القاضى مش عارف هم عملوا إيه فى البلد وعملوا إيه فى ولادنا.. والله لو ما حكم بالعدل لآخذ حقى بإيدى.. كان نفسى أفرح وأحتفل بالثورة وأقول الحكومة أخدت لى حقى.. لكن للأسف ما حصلش!! ليه مش عارفة.. والسيناريو يتكرر مع الجيش قتلوا ولادنا وسحلوا بناتنا وبرضه مش هناخد حقنا.. هو إحنا رخاص قوى كده.. ثم تأخذ نفسها وتكمل.. لكن لا أنا دم ابنى مش هيروح هدر حق ابنى مش هيضيع وربنا معايا ومع كل واحدة أو واحد أخذوا حياة ابنه فى عز شبابه.. أنا ابنى كان عريس.. كان بيحلم يبقى أب.. وكان يقعد يتخيل لما يخلف ولد يسميه إيه.. ولما يخلف بنت يسميها إيه.. ويقولى هسميها على اسمك يا أمى.. لكن ملحقش.. حتى مالحقش يلبس هدوم جهازه الجديدة.. وتغرق فى البكاء. دعوت لها بالصبر من عند الله ورجوتها أن تهدأ حتى لا تؤذى صحتها لتعيش لولدها وابنتها، إلا أنها قالت لى «ما أنا عشت وربيت وبقى عريس ومات.. لا يا بنتى ماتخافيش ربنا مش هينساهم بس أنا عايزة أروح لمحمود نور عينى». ∎ صندوق رعاية أهل الشهداء بعد محادثتى مع أم محمود خالد اتصلت بإبراهيم أخو الشهيدة «رحمة» أول شهيدة فى ميدان التحرير حيث اخترقت رصاصة رأسها وماتت فى الحال.. رحمة نزلت لتهتف ضد الظلم الذى أبعدها عن والدها بعدما حرمت منه 14 عاما لعمله غلطة واحدة دفع ثمنها 14 سنة من عمره ومن وقته مع أولاده وبعد ذلك فوجئ بعد الإفراج عنه بعشرة أيام فى الفجر بضباط يقبضون عليه دون سبب.. «طوارئ» وظل فى السجن دون ذنب أكثر من 3 سنوات.. لذا نزلت رحمة بنت شبرا لتهتف كفاية ظلم.. وكانت هذه آخر كلماتها «لا للظلم.. كفاية ظلم» ثم سقطت بين يدى أخوها إبراهيم بعدما نزل ليبحث عنها بعد قطع الاتصالات عن مصر!!