مصابون بالآلاف دفعوا ثمنا باهظا من عيونهم وأطرافهم، لم يبحثوا عن تعويض مادى فما فقدوه لا يعوض بثمن، لكن كل ما يسعون إليه هو التقدير سواء رسميا أو شعبيا، حيث يستطيعون رغم عجزهم أن يعيشوا عيشة كريمة. فطوال السنة الماضية لم يسمع المصابون سوى وعود فى وعود مع إيقاف التنفيذ وما زاد عليهم طوال 365 يوما سوى اتهامات ظالمة.. فأطلقوا عليهم بلطجية ومأجورين وكان ثمن نزولهم فى المظاهرات السلمية ضياع مستقبلهم واستوطنوا المستشفيات طويلا يستجدون العلاج والاهتمام! بدلا من أن ننحنى لهم تقديرا واحتراما. تحدثنا معهم لنعرف مشاعرهم بعد مرورعام على الثورة كما قمنا بزيارة لمصابى قصر العينى الفرنساوى المتهمين بأنهم بلطجية محمد محمود. هيثم عطية - 24 سنة - عامل بناء بسيط وهو من مصابى السويس الذين أصيبوا فى ميدان الأربعين بطلق نارى فى الكتف أدى إلى بتر الذراع بالكامل.. فيتحدث عن شعوره بعد مرور عام على ثورة 25 يناير قائلا: لقد قدمت ذراعى فداء للوطن والحفاظ عليه من الفساد والاستبداد والظلم، لكن رغم الوعود التى سمعناها من المحافظ عن معاش شهرى لكل مصاب كى يستطيع منه الإنفاق على نفسه وتوفير فرصة عمل تتناسب مع ظروف كل مصاب ونسبة عجزه ومنحهم شققاً سكنية، فكل هذا ما هو إلا مجرد كلام.. بل تطور الأمر وأصبحنا نتهم بأننا سبب الفوضى التى تحدث فى البلد.. فقد مرت سنة على الثورة ومازلت بلا عمل وبلا وظيفة وبلا راتب شهرى أستطيع حتى من خلاله الإنفاق على أطفالى، ولولا مساعدات أهل الخير لكنا فى الشارع.. فما يحدث معنا ما هو إلا «تهريج».. فنحن من قمنا بالثورة وضحينا بأرواحنا فى سبيل نجاحها فهل هذا هو المقابل إهمالنا وتهميشنا وعدم وضعنا فى حساباتهم. ∎ أحكام بلا تنفيذ عادل السيد 38 سنة - عامل نقاش وهو من مصابى السويس.. أصيب بطلق نارى فى عينه اليسرى أدت إلى فقدان عينه فيقول: مرت سنة على 25 يناير ولم نأخذ بثأر الشهداء الذين قتلوا غدرا برصاص الشرطة ودهس عربات الأمن المركزى.. وأيضا لم يأخذ المصابون حقهم ولم يجدوا الرعاية والاهتمام الكامل بهم.. مرت سنة لم يصدر حكم إعدام واحد على أحد من رجال الشرطة الذين أطلقوا الرصاص على المصابين والشهداء.. بل كافأتهم الدولة برفع مرتباتهم وإصدار حكم براءتهم فى قضية قتل متظاهرى السيدة زينب والبقية تأتى.. مرت سنة ولم يتم إصدار حكم واحد على «آل مبارك» و«العادلى» بل يتمتعون جميعا بصحة جيدة وكأن شيئاً لم يحدث.. مرت سنة ومازال المصابون فى المستشفيات يتلقون العلاج وينتتظرون التعويضات الكافية.. مرت سنة ولم يحدث فيها شىء يجعلنى كمصاب أفرح أو حتى شىء يعوضنى أو ينسينى إصابتى التى أنهت حياتى العملية.. فكل ما أبحث عنه هو وظيفة أستطيع من خلالها الإنفاق على نفسى.. فما قيل عن صرف معاشات شهرية للمصابين كلها أشياء وهمية لتهدئتنا فقط. ∎ المعاملة السيئة عم إبراهيم أحد المصابين الذين أصيبوا فى ميدان التحرير بثلاث طلقات نارية أسفل الظهر ورصاصة أخرى فى فخذه الأيمن أدت إلى توقف قدمه عن الحركة فيقول: بعد سنة تأكدت من خلالها أن دماء الشهداء وإصابة المصابين رخيصة جدا فى هذا البلد.. وأثناء صرف التعويضات تلقينا نحن المصابين وأهالى الشهداء معاملة سيئة جدا كأننا نشحت منهم فهم يتعاملون معنا على أننا نأخذ منهم حسنة.. فقد مرت سنة على 25 يناير ومازلت منتظراً آخذ باقى التعويضات التى كان قد صرح لنا بها د. عصام شرف.. فلقد صرفت ألف جنيه بعد إصابتى بثلاثة أشهر ومازلت منتظراً ال 5000 جنيه الباقية.. فكل ما أتمناه هو أن يصدقوا فى وعودهم وتصرف لنا وزارة الجنزورى معاشاً شهرياً حتى أستطيع من خلاله الإنفاق على أبنائى وسداد ديونى التى كثرت علىّ! وفى الدور السابع بمستشفى قصر العينى الفرنساوى وبالتحديد قسم الحالات الحرجة.. حيث يرقد حوالى 41 شاباً من شباب «محمد محمود» مصابين بطلق نارى لم تكن المفاجأة فقط فى عددهم ولا صعوبة حالتهم، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت فى هيئتهم ومراكزهم العلمية التى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنهم ضحايا. معوض أحمد 20 سنة ثانية صيدلة.. عندما حاولت الدخول له فى الرعاية وجدت أخاه الكبير مصطفى يقف أمامى منفعلاً.. ماذا تريدون.. اتركوه فى سلام أرجوكم.. فعذرته وشرحت له موقفنا كصحفيين نريد الدفاع عنه وعن الشائعات التى تقول أنهم مجموعة من البلطجية. فهدأ وقال.. هذا البلطجى المرمى فى الإنعاش.. طالب فى ثانية صيدلة ووالده دكتور جامعى ويدرس فى الجامعة.. وأنا طبيب صيدلى أعمل فى شركة أدوية وأخوه الأصغر فى كلية هندسة.. هذا هو البلطجى.. أنا لا أريد إثبات شىء فكل ما أقوله هو «حسبى الله ونعم الوكيل» أخى معوض نزل لميدان التحرير خوفا على بلده وضياع الثورة من أيدينا.. فكان جزاؤه رصاصة تخترق رأسه وتدخله فى غيبوبة كاملة.. ويضيف مصطفى.. أغلب الرصاصات إما فى العين أو الرأس وكأنها إشارة أن كل من يرى الحق أو يفكر فى وطنه ستوجه له رصاصة لا تقتله.. بل تقتل شبابه، وأفكاره، وآماله فى الغد. فعندما جاءت لى مكالمة من صديق له يقول لى إن «معوض» فى المستشفى.. ذهبت على الفور قصر العينى ودعوت الله أن تكون إصابة طفيفة.. لكنى جئت ووجدته مصاباً برصاصة فى رأسه كسرت عظام جمجمته وخرج المخ للخارج.. واحتاج عملية جراحية، ولكنه فى غيبوبة كاملة منذ خروجه من غرفة العمليات.. وليس فى أيدينا غير الدعاء إلى الله. وحق أخى عند الله.. وسيأخذ الله لنا حقنا مهما طال الوقت.. ثم قال «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا منهم سالمين». ∎ أحمد ورصاصة الغدر على وجهه علامات الطيبة والبشاشة من كلامه تكتشف مدى ثقافته ولباقته عندما رأيته أيقنت بأن ما قيل وقتها أن كل من فى الميدان بلطجية.. ليس له أساس من الصحة.. فالميدان كان مليئاً بشباب مصر الصاعد الواعد المثقف الدارس لتاريخ بلده ويحاول ومازال يحاول الدفاع عنه ضد الفاسدين.. المخربين الذين يزرعون الفساد فى البلد.. فهذا الشاب هو أحمد عاطف - 12 سنة - طالب هندسة فى الصف الثانى بمعهد السلام العالى.. يقول والده عاطف أحمد محمد مدير إدارة فى أحد قطاعات شركات البترول نزل أحمد وعشرون واحداً من أصدقائه مساء السبت إلى ميدان التحرير وعندما رأوا سيارات الإسعاف تدخل إلى ميدان التحرير وتنقل المصابين إلى المستشفيات وسمعوا ضرب النار أخذتهم الحماسة ودخلوا ميدان التحرير وخاصة شارع محمود محمود ليساعدوا فى حمل المصابين ونقلهم إلى سيارات الإسعاف.. فتلقى أحمد رصاصة من أعلى أسطح البيوت استقرت فى جانب البطن الأيمن ومازالت مستقرة بداخله حتى الآن لكن فى ظهره وقد تم ضربه من خلال مسدسن ليزر حتى يستطيع الشرطى أن يرى فريسته بوضوح... وفى الحال فقد أحمد الوعى وسقط على الأرض مغشيا عليه.. وأسرع أصدقاؤه فى نقله إلى سيارة الإسعاف ولكن ظلت السيارة عالقة فى الميدان لمدة ساعة كاملة بسبب تكدس الناس. ∎ إهمال المستشفى وبعدها تم نقله إلى مستشفى المنيرة وهناك قام الأطباء بخياطة مكان الطلقة وهى بداخله وحموه بمياه باردة، ثم قالوا له «حمدا لله على سلامتك أنت الآن بخير».. ونزل أحمد بعدها ذلك الميدان مرة أخرى.. لكن بعدها بعدة أيام كان يتقىء دماء وأغشى عليه مرة أخرى.. فنقله أصدقاؤه إلى قصر العينى الفرنساوى واتصلوا بى.. وهناك قام الدكتور الجراح بفتح استكشافى من الصدر إلى البطن حتى يرى ما بداخله فوجد القولون متهتكاً والطحال متهتكاً فاستأصل منه جزءاً وخيطه، وكل هذا ومازالت الرصاصة بداخله.. وبعدها طلب منى الدكتور أن أشربه عصائر دافئة ومياهاً ولكن بعد أربعة أيام.. أجرى له الدكتور عملية ثانية وهى عملية منظار حتى يرى الدكتور إذا كان يريد دعامة أم لا، لكن الدكتور قال إنه لا يستطيع أن يقوم بإجرائها لأن المنطقة الداخلية متهتكة تماما وخاصة عند الكلى اليمنى.. لكن سأقوم بعمل قسطرة جانبية نستطيع من خلالها أن نشغل الكليتين.. وبعدها بثلاثة أيام وجدت قسطرة الكلى بدلا من أن تنزل البول كانت تنزل قطع التفاح الذى أطعمته لأحمد ووقتها لم أكن أعلم ماذا أفعل حتى ظهرت لى السيدة هبة السويدى وقالت لا تقلق ابنك سيكون بخير وفى الحال أرسلت فريقاً مكوناً من خمسة أطباء لمتابعة حالة ابنى.. وفتحوا مرة أخرى ووجدوا جزءاً آخر متهتكاً من الكلى فتم قطعه وإخراجه من الجسم.. ولكن بالنسبة للرصاصة قال لى دكتور الأعصاب أنه لا يستطيع أن يجرى له عملية فى الظهر لإخراجها لأنه حتى الآن جريت له خمس عمليات.. وبعد عمل القسطرة توقعت أنه سيكون بخير، لكنى فوجئت بأنه غير قادر على التنفس كما أن لون وجهه تغير تماما.. فعندما جاء الدكتور وجد ترشيحاً فى الصدر كما وجد أيضا مياهاً على الرئة فقام الدكتور بإخراج 5 سم مياه من الرئة. ∎ هبة السويدى وأكمل والده والدموع فى عينيه قائلا إن السيدة هبة السويدى تدخل إلى غرف الإفاقة كى تطمئن على المصابين كما تظل معهم قبل إجراء العملية حتى تؤازرهم وترفع من معنوياتهم.. هذه السيدة لا يكفى شكرها بل يجب أن نرفعها على رؤوسنا رغم أنها لا تنتظر شيئاً.. نحن هذه الفترة محتاجون أشخاصاً حكماء وليس أشقياء وأصحاب مناصب.. فحتى الآن لا يوجد أحد من الشرطة أو المجلس العسكرى أو أحد الوزراء الجدد الذين تم تعيينهم مؤخرا أو حتى أعضاء مجلس الشعب المرشحين حاليا فى الانتخابات حاول أن يأتى ويطمئن على المصابين. فأحمد الآن محتاج أن يسافر إلى ألمانيا حتى يتم زرع حالب صناعى له وإخراج الرصاصة وتصحيح المصار العصبى. ∎ قرارات صارمة ويضيف والده قائلا البلد مازالت حتى الآن تدار من داخل سجن طرة.. فمازلنا حتى الآن لا نملك عقولاً ناضجة نستطيع من خلالها أخذ قرارات صارمة.. فالسيناريو الذى حدث فى نوفمبر هو ما حدث فى يناير.. فأى إنسان شريف عفيف ذو كرامة يأبى أن ينتمى لهذه العقلية المتخلفة الرجعية فكل الشباب الذين تمت إصابتهم هم طلبة جامعيون ولا يوجد بينهم بلطجى واحد فمن قتل يقتل ولو بعد حين. وفى نهاية حديثى مع والد أحمد سمعت أحمد يصرخ متألما من شدة الألم ويقول «آه» فين الدكتور يا بابا مش قادر أتحمل الألم قوى جدا، رأسى وجانبى الأيمن يؤلمونى قوى» فرد عليه والده قائلا تحمل يا حبيبى أنت لسه حالا واخد مسكن مينفعش تأخذ واحد تانى فرد عليه أحمد وهو متعصب ويصرخ قائلا آه المسكن ده ضعيف قوى، خليهم يجيبوا واحد أقوى منه. ∎ حماسة ابن البلد عم ربيع يحيى - 34 سنة - مواطن بسيط لا يملك من الدنيا سوى التاكسى الذى يعمل عليه كى يكسب منه قوت يومه حتى يستطيع الإنفاق على نفسه وعائلته.. عندما سمع عم ربيع بما يحدث فى الميدان أخذته حماسة ابن البلد وذهب إلى هناك كى يساند أبناء بلده فى الحفاظ على مطالب الثورة.. وبمجرد وصوله إلى ميدان التحرير سمع صوت إطلاق النار وشباب يجرون إلى شارع محمد محمود ويصرخون قائلين فيه مصابين فى شارع محمد محمود ويجب نقلهم فورا إلى المستشفى فهرع مسرعا دون أن يفكر إلى شارع محمد محمود كى يساعد فى نقل المصابين إلى سيارات الإسعاف.. ولم يكن يتوقع بأنه سيكون واحداً من هؤلاء المصابين.. فبمجرد دخوله الشارع تلقى عم ربيع رصاصة خرطوش مباشرة فى عينه اليمنى وأخرى مباشرة فى الظهر وسقط على إثرها فاقدا للوعى وغرق فى الدماء. فيقول عم ربيع نزلت التحرير يوم 19 و12 كى أساعد الشباب فى نقل المصابين إلى سيارات الإسعاف و أصبت يوم 22 وتم نقلى فورا إلى مستشفى قصر العينى وقام الأطباء بإجراء عملية جراحية فى العين كى توقف النزيف.. ورفضنا أنا وسبعة من المصابين الخروج من المستشفى إلا بعد أخذ تقاريرنا الطبية التى تؤكد إصابتنا فى التحرير.. وظللت فى المستشفى حتى يوم 29/11 وخرجت وأخذ معظمنا التقارير الطبية.. وأنا الآن أتابع مع دكتور فى مركز عيون بمصر الجديدة، وهذا بفضل السيدة هبة السويدى التى وقفت بجانبى وقدمت إلى المساعدة... فأتمنى سرعة الشفاء من الله حتى أستطيع مواصلة عملى مرة أخرى... وأستطيع رعاية أولادى . ∎ هذا جزاء عمل الخير مصطفى محمد 24 سنة مهندس.. دخلنا عليه الغرفة وكانت والدته تجلس بجواره.. وأخوه الطبيب.. فسمع صوتنا نتحدث إلى أمه.. فظهرت على وجهه علامات الغضب.. وأخذ يشد ذراع أخيه وسأله بصوت خافت.. من بالغرفة؟! فرد عليه فتاتان صحفيتان من صباح الخير فقال لهم.. لا تسمح لهم بتصويرى.. وعلمت وقتها أنه لا يرى... فقد الرؤية بسبب الرصاصة التى اخترقت رأسه.. فخرجت مسرعة خارج الغرفة محاولة تمالك نفسى... وطلبت من أخيه الخروج بالخارج للتحدث.. فقال لى نزلنا يوم الجمعة وكانت المظاهرة سلمية وبعدها عدنا إلى المنزل وسألت مصطفى «هل ستنزل غدا الميدان» فقال نعم سأنزل كى أساعد فى حمل المصابين وكان يجهز نفسه، وأشترى العديد من المناديل وزجاجات خل كى يعطيها للناس.. وبالفعل نزل مصطفى يوم السبت وكان واقفا عند «هارديز» يساعد الناس الخارجة من شارع محمود محمود ويعطى لهم المناديل والخل حتى يستطيعوا التنفس.. وأثناء وقوفه تلقى خرطوشاً مباشراً فى رأسه أدى إلى تهتك الجمجمة وأثر على البصر وضغطت على مراكز الكلام مما أدى إلى صعوبة فى النطق.