سكان المقابر والعشوائيات كلاهما فى كفة واحدة، وهى كفة الفقر والحرمان والشقاء. البعض لا يعرف عنهم شيئا ولا يهتم كثيرا بتفاصيل حياتهم إلا أنهم سرعان ما تسلط عليهم الأضواء مع بدء الموسم الانتخابى ليصبحوا ثروة يتقاتل عليها الجميع واستغلال الفقر والحاجة لديهم واستمالتهم بكافة الإغراءات من وعود انتخابية بشقق سكنية وحتى حلم (البوتاجاز بأنبوبة). بولاق من أبرز المناطق العشوائية الفقيرة فى القاهرة، وعلى بعد خطوات منها أشهر الأبراج والفنادق على كورنيش النيل. ولا علاقة بين ساكنى عشش بولاق وأبراج كورنيش النيل إلا الحاجة إلى صوتهم الانتخابى وبنظام المقايضة يتفق الطرفان وتتم الصفقة الانتخابية. ولكن هل سيختلف الحال هذا العام مع غياب رموز الحزب الوطنى الحاكم وشغل الساحة برموز آخرين وللإجابة عن هذا السؤال كان لابد من لقاء سماسرة الأصوات الانتخابية هناك واستطلاع آرائهم حول شكل الموسم الانتخابى هذا العام. * أكياس لحوم و200 جنيه للصوت الحاجة أم جمال إحدى المقيمات بالحى تؤكد أن مرشحى الحكومة كانوا دائما هم الأقوى لأنهم يسيطرون على المنطقة قبل موعد الانتخابات من خلال توزيع الأموال واللحوم على الفقراء من ناحية، ومن خلال الاستعانة ببلطجية المنطقة من ناحية أخرى لترويع الناس وإجبارهم على النزول من منازلهم يوم الانتخابات للتصويت لمرشحى الوطنى. رغم أنه لم يكن فارقا لها من يفوز بالانتخابات وأنها قبلت بالتصويت لهم بعد أن وزعوا عليهم أكياسا من اللحم وعلب السمن ونقودا وصلت إلى 200 جنيه للصوت الواحد، مشيرة إلى أنهم أعطوا أصواتهم نظير ما حصلوا عليه دون التفكير بالمستقبل. * المرشحون ووعودهم الكلامية «المرشحون جميعا سواء من الحزب الوطنى السابق أو الإخوان لا يفعلون شيئا بعد نجاحهم» والحال يظل كما هو عليه منذ عشرات السنين بالمنطقة وسيظل كذلك»، هكذا تحدث محمود سليمان أحد السكان، ويضيف: «لا نسمع منهم سوى الوعود بتحسين أحوالنا ليضمنوا أصواتنا التى لا تظهر أهميتها سوى وقت الانتخابات وبعدها لا يسمعون أصواتنا ولا أوجاعنا، ويعتبرونها رصيدا لهم يعقدون عليه الصفقات بين الأحزاب والمرشحين، سواء من جانب الحزب الوطنى الحاكم أو أحزاب المعارضة أو حتى المرشحين. يضاف إلى ذلك استعانة بعض المرشحين بالبلطجية، لإجبار المواطنين على التصويت لمرشح معين. وفى ظل الفقر الشديد لا يجدى عامل الدين الذى يستخدمه مرشحو الإخوان المسلمين». * دعاية مجهولة وترويج للشائعات كانت من إحدى الوسائل المتبعة فى الانتخابات وخاصة إذا كانت الدائرة تضم أحد مرشحى الحزب الوطنى كان لزاما علينا انتخاب المرشح الوطنى فى الدائرة وكانت هناك وسائل لإرهاب المواطنين بأن من يمتنع عن إعطاء صوته للوطنى سيكون مصيره السجن، وبأن هناك كاميرات مراقبة داخل لجان التصويت. ويؤكد أنه كان لا يذهب للتصويت لأنه يعرف مسبقا أن النتيجة محسومة لصالح مرشحى الحكومة، قائلا بنبرة مليئة بالمرارة أن أهالى الحى أحلامهم بسيطة تتمثل فى العثور على أبسط ضرورات الحياة مثل خدمات الصرف الصحى والمياه النظيفة، وترميم البيوت المتصدعة وإيجاد فرص عمل للشباب، «هذه الآمال بعيدة المنال وسيظل الحال كما هو لأن المرشح يتبخر فى الهواء ولا نراه بعد نجاحه»، أما الآن فقد توالت علينا زيارات لإسلاميين ومثقفين معظمنا لا يعرفهم، ولكنهم يعدوننا بحياة كريمة وآدمية لكننا مش عارفين إزاى فجاة هنعيش حياة كريمة رغم أننا عارفين إن البلد محتاجة سنين علشان تنهض. علشان كده احنا بنتعامل بمبدأ المكسب القريب لأنه أضمن فى ظروف زى ظروفنا. * العشوائيات صيد سهل للمرشحين يعترف خالد محمود صاحب إحدى الورش أن العشوائيات أصبحت مثل علب السردين المغلقة لا تستطيع سيارة مطافئ ولا إسعاف ولا شرطة أن تدخلها، فشوارعها ضيقة وملتوية مثل الثعابين، فليس هناك وجود لأقل الخدمات من دورات مياه، وبيوت جدرانها مبنية بالصفيح والكرتون أو الصاج و أبواب المحلات القديمة، فالعشوائيات كانت ولا تزال صيدا سهلا لمرشحى الانتخابات، لما فيها من فقر شديد وجهل، مشيرا إلى أن المرشح يستغل حاجة الناس إلى الطعام خاصة فى ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ويقول إنه بالنسبة للكثير من ساكنى العشوائيات يعد الحصول على الطعام و المال أهم من الأفكار السياسية أو الحلم بالتطور وبمستقبل أفضل، وهنا يطلقون على فترة الانتخابات «الموسم» لما يحصلون عليه من أموال أو أطعمة وأحيانا بعض الأدوية أيضا. أما سعاد شاكر تبيع خضروات على ناصية الشارع فتقول بعد أن يئسنا من وعود المرشحين السابقين واللاحقين وشعاراتهم الكاذبة لم تعد لدينا ثقة فى أى مرشح فأنا كنت أريد إلحاق ابنى بإحدى الوظائف وكان أملى فى الوعود الانتخابية التى تتكرر مع كل عام واكتشفنا أنها مزيفة فاضطررت لإعالة أسرتى من خلال بيع الخضروات، فالفجل أرحم من الوعود الانتخابية التى تسرق أصوات الفقراء من أجل المناصب التى تعود عليهم بمبالغ طائلة، فلا يراهم الفقير حتى الانتخابات القادمة مع وعود جديدة . واليوم عادت نفس الشعارات، ولكن بتغيير بعض أسماء ووجوه رافعيها، وتؤكد أن الفقراء أمثالنا أصبحوا «قنطرة للعبور» لأن أغلب الشعارات الرنانة تخص الفقراء ولكنها كاذبة. * المرشحون يتحدثون عنا ولا يعرفوننا فيما تقول الحاجة صابرين والبالغة من العمر «50» عاما: لن أنتخب أحدا لأننى لم أحصل على شىء من المسئولين، وتضيف وهى تحمل الخبز لعائلتها وتذرف الدموع وتشير هذا الخبز اشتريته بالدين لأننى لا أملك ثمنه فعائلتى أنا المسئولة عنها لأن زوجى متوفى وولدى متزوج ولديه أربعة أطفال ولا يحصل على العمل إلا ما ندر، وتصف حال عائلتها البائس قائلة: عندما يسقط المطر فالماء ينزل علينا من السقف ولا نعرف ماذا نفعل فهل يعرف المرشحون شيئا عن هذه الحياة القاسية. هم يجرون فقط خلف مصالحهم، فالحكومة نسيتنا وتركتنا لهؤلاء المرشحين يستغلوننا مقابل أحلام ووعود ليس لها أى أساس من الصحة. فنحن مواطنون درجة ثالثة نعيش فى هذه العشوائيات مضطرين لا مخيرين، حياتنا لا ترقى لمستوى حياة البشر، مساكننا إما عشش أو حجرات فوق بعضها فى حارات ضيقة يخنقها الفقر والجوع، طعامنا المش والملح والخبز إن وجد. تحاصرنا الأمراض من كل جانب، ويفتك بنا الجوع والحرمان لذلك فنحن لا نريد من يأتى ويلومنا على بيع أصواتنا حتى لو فى مقابل جنيهات قليلة ويتهموننا بإفساد الانتخابات لأغراض شخصية ونحن نرد عليهم بأنكم لم تذوقوا الفقر اليومى لتحدثونا عن النعيم القادم. * الطعام أهم من السياسة عصام غالى مدرس ابتدائى:عندما يأتى الحديث عن موسم الانتخابات وقتها يتذكرون البسطاء وسكان العشوائيات، فهم مجرد أرقام لا تهم الحكومة فى شىء، إنما يجد فينا المرشحون كنزا يحصلون منه على أصوات انتخابية بمنتهى السهولة لأنهم يعلمون أن هؤلاء البسطاء لا يجدون قوت يومهم وسيسهل شراء أصواتهم بكيس مكرونة أو أرز أو ب 10 جنيهات وهى اللعبة التى كان يجيدها مرشحو الحزب الوطنى المنحل، ومع قرب الانتخابات تنهال علينا الوعود بقرب حل كل المشاكل وبانتهاء الدورة البرلمانية، يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لله وحده! صالح عبدالرحمن- عامل بناء - وأب لخمسة أبناء يعيش وأسرته فى حجرة بحمام مشترك مع الجيران، ودخله فى يوم العمل قد يتراوح بين 20 و30 جنيهاً ينفق منها على أسرته، حتى يسهل ربنا بعمل آخر، قال: أين الحكومة مما نحن فيه، فلا أحد يسأل عنا، وفى كل انتخابات نسمع عن وعود بمنحنا شققاً بديلة والعيش مثل البنى آدمين وبعد الانتخابات ينتهى كل شىء.. لكن هناك من ينزل إلينا ويوزع علينا مكرونة وأرزا وزيتا وأثوابا من الأقمشة، وهذا ما نحتاج إليه حتى لو كانت حقوقا بسيطة. الحمد لله ربنا هو اللى بيمشيها.. لا نأكل اللحمة ولا الكبدة إلا كل شهرين أو ثلاثة، وباقى الأيام نأكل مش أو فلفل مقلى بالعيش ومع ذلك الحمد لله إننا عايشين. أما عبدالناصر غالب، واحد من هؤلاء السكان، يعانى الفقر والمرض وسوء الأحوال داخل العشوائيات. يعيش وأسرته المكونة من طفلين ووالدتهما داخل غرفة بحمام مشترك .. قال إننا «مخنوقين» فى العشش هنا أصابتنا الأمراض، والفقر يأكل فى أجسادنا، ولا أحد يسأل عنا، فأنا مصاب بالصرع الذى أثر على عملى كميكانيكى سيارات، والعلاج يتكلف أكثر من 100 جنيه كل شهر، وخنقة الحارة زادت من المرض لدى، وأصبحت النوبات تنتابنى على فترات متقاربة، والعلاج أصبح بلا جدوى وزادت معاناة أسرتى معى، ورغم الوعود الكثيرة بنقلنا من هذا المكان غير الآدمى، إلا أن هذه الوعود التى نسمعها كل انتخابات لم ينفذ منها شىء. ونقول لهؤلاء المرشحين اتقوا الله فينا. * نحصل على حقوقنا بالمراوغة على عبد الخالق موظف بالشهر العقارى:هناك العديد من المواطنين فى انتظار بدء موسم الانتخابات هذه الأيام.. ليس من أجل الترشح للانتخابات أو لتأييد مرشح حزب معين أو حتى للإدلاء بأصواتهم مع مرشح حزب معين من الأحزاب أو ضده. لكنهم فى انتظار بدء موسم الانتخابات ليبدأوا هم موسم المخالفات وانتهاز الفرص فهناك أيضا العديد من سكان العشوائيات الذين ينتظرون هذا الموسم لمد المرافق من كهرباء ومياه وصرف صحى وأحدهم فى انتظار الحصول على ثلاجة أو بوتاجاز أو وعد بتعيين ابنه بإحدى الوظائف الحكومية. ولكن لا تتهموا حاجة الناس ولكن اتهموا من وضعهم تحت هذه الظروف . فرغم أن هذه المطالب من حقوقنا إلا أننا لا نحصل عليها إلا من خلال المراوغة واستغلال موسم الانتخابات. ولكنى أتمنى أن نبدأ سياسة جديدة تعتمد على اختيار القدوة فى انتخابات نزيهة وألا يتحول موسم الانتخابات إلى موسم للرشاوى والهدايا المقنعة واللعب على أوتار الفقر والحاجة التى يعانى منها الجميع.