ثلاثة «أسئلة» و«ساقط» أحاطت بأزمة ماسبيرو التى أشعلت مصر .. «الساقط» هو الدكتور عصام شرف وحكومته، بينما الأسئلة الثلاثة لا تتعلق بأحداث «الكورنيش» فقط، إنما تمتد إلى شهور مضت فقدت فيها حكومة الدولة «المدنية» ذراعا منذ أحداث كنيسة صول مرورا بكنيسة إمبابة، بينما انقطع ذراع الحكومة الثانى فور انطلاق شرارة أزمة كنيسة «الماريناب» بأسوان. سقوط حكومة الدكتور شرف مدوى هذه المرة، وزارته فقدت ذراعيها الاثنين، فى حين أنه يبدو أن الدكتور عصام شرف لا يرغب فى أن يبتعد عنه الاعتقاد بأن الحكومة «الانتقالية» لا تعنى أن عليها ألا «تنتقل» من مكانها من ولاية الوزارة وحتى انتهاء ولاية الوزارة، أو تظل فى سكون وكمون بينما هيبة الدولة تتقاذفها احتقانات طائفية، وبلطجية، وغياب واضح «للسلطة»، وما سبق كله يجمل بتنازع الأحزاب فى الطريق من الميدان إلى البرلمان . الأوقع أن أحداث «ماسبيرو» بدأت من قرية صول بأطفيح، التى أعادت القوات المسلحة بناء كنيستها فى أيام قليلة ، بينما عاد الجدار ليهدم فى «أزمة عبير» بإمبابة، ومعضلة «الكنيسة» فى المنيا ولغز «المضيفة» فى إدفو. ثلاثة أسئلة مازالت تدور فى فلك أحداث ماسبيرو بلا إجابات حتى الآن. السؤال الأول: يتعلق بالذى أطلق الرصاص على القوات المسلحة، ودلالة كميات «المولوتوف» التى أحاط بها المتظاهرون أنفسهم، خلال اعتصامهم أمام مبنى التليفزيون، فيما أسموه «أحد الغضب» احتجاجا على أحداث كنيسة الماريناب بأسوان. السؤال الثانى: من الذى حول الجيش وقواته لدى البعض من مناصر للشعب وشريك كامل له إلى غريم أو قسيم (القسيم هو المقاسم فى الهدف والمعتدى على الحق)؟ ومن المسئول عن ظهور القوات المسلحة (لدى بعضهم أيضا)، كما لو أنها «المعوق» فى الطريق للديمقراطية فى وقت مثل فيه الجيش «صمام أمان» للمصريين خلال أحداث لم تمر بها البلاد منذ أكثر من مائة عام؟ السؤال الأخير، ما هو دور رئيس الحكومة، فى أحداث ماسبيرو التى بدأت فى السادسة من مساء الأحد، بينما خرج هو فى بيان أقل من هزيل فى الثانية من مساء نفس اليوم، مؤكدا على أن المستفيد الوحيد من «الأحداث» هم أعداء الثورة والمغرضون! «ميكانيكا» شرف أوصاف الحكومة لم تتغير تعليقا على «قلاقل» الكنائس، وصارت إجراءاتها أقرب ل «الميكانيكية»، دكتور شرف يخرج للإعلان عن المستفيدين من أزمات الكنائس، والمواجهات الطائفية، ويعد بإجراءات غالبا ما توصل بتعريفات جديدة فى أزمات طائفية جديدة، حول المستفيدين مرة أخرى، مع وعود بإجراءات.. الوعود مستمرة، بينما الإجراءات غائبة والنتيجة احتقان شديد. لا تبرير للعنف تجاه الدولة، لكن استقراء أحداث ماسبيرو، وتفاصيل اشتباكات أوقعت ما يقرب من 20 قتيلا حتى صباح الاثنين، وعشرات الجرحى مشروع. بحياد تام فإن كم الأسلحة، وزجاجات المولوتوف فى حوزة أقباط ماسبيرو أو بعضهم كانت تشير بالضرورة إلى نية «الصدام». الصدام غير مبرر إضافة إلى أن المولوتوف لم يكن ليعيد بناء الكنائس ولم يكن ليسرع بإصدار قانون دور العبادة. لم يكن المولوتوف هو الذى سوف يدفع الحكومة للإعلان عن آخر تفاصيل حادثة «كنيسة القديسين» فى الإسكندرية، ومن المسئول عن انفجارها، ولا كان من الممكن لزجاجات مليئة ب «التنر» و«الجاز» أن تعلن استقالة محافظ أسوان الذى يتهمه الأقباط بهدم ما يقولون إنها كنيسة، بينما هو مصر على اعتبارها «مضيفة». بحياد تام، كانت نية الصدام مبيتة، بينما بنفس الحياد التام، كان السبب من وراء «تبييت النية» شيوع مفهوم الحصول على «الحقوق باليد» فى غياب كامل للدولة مع سوابق كثيرة أدخلت فى اعتقاد قطاع عريض أن التصرف «الأهلى» هو الحل. «التصرفات الأهلية»، يعنى استعادة الحقوق ب «الذراع». وهو المفهوم الذى دارت حوله، وانطلقت منه أحداث الكنائس خلال فترة السبعة أشهر الماضية. ففى كنيسة صول وبعد اندلاع الأزمة كان أن تدخل «الأهالى» لهدمها بعيدا عن سلطة الدولة وأجهزتها، وهو الأمر الذى تكرر فى كنيسة المنيا حيث ظهرت النعرة الطائفية بتدخل الأهالى لإزالة ما قالت جهة الإدارة إنها مخالفات بالكنيسة، وتوقفت أعمال البناء هناك، بعدما حال (مواطنون عاديون) بين بناء الأقباط للكنيسة. وفى أزمة كنيسة «الماريناب»، كانت «أذرع» الأهالى هى الحل، حيث تدخل (مواطنون عاديون) هذه المرة أيضا، لمنع إعادة بناء ما قال المحافظ إنها مضيفة تابعة للكنيسة وليست كنيسة. بافتراض مخالفة الأقباط فى كل الوقائع السابقة وبالتسليم برغباتهم فى مخالفة القانون أو الإسراع بالتحصل على «كنائس» جديدة، فى واقع ملىء برغبات تحقيق المصالح حتى الطالح فإنه يظل المؤشر الخطير، فى المقابل هو ظهور مواطنين عاديين أو فئات لاتتبع جهات الإدارة ولا الأحياء ولا المحافظات ولا رجال الأمن، لإنزال ما يعتقدون أنه الصواب أو هو القانون. هذا ما يعنيه «الحكم الأهلى»، وهو المرادف لأخذ «الحق بالذراع». أما ما زاد الاحتقان، ورغم المخالفات أحيانا من الجانب القبطى، فهو التسليم الحكومى لمنطق الحكم الأهلى. أزمات الكنائس الأخيرة حتى الآن بلا إعلان عن المتسببين فى شغبها، ولا حلول بخصوص أسباب اندلاع الشغب. فى أحداث ما سبيرو تكرر الأمر إذ أن بعض الشباب القبطى لجأ إلى نفس المفهوم «حرفة أخذ الحق» و ب «نفسه» أيضا، لأنه وفق ما اعتقدوا لا يجب أن يقتصر «أخذ الحق» على فصيل واحد، بينما الدولة غائبة وبيانات الدكتور شرف لا تشير إلى «أعداء الثورة» المستفيدين من كل حدث طائفى. على حدة! المواجهة الملاحظة المهمة، فى أحداث ماسبيرو، هى تحول الأمر إلى مواجهة بين «الجيش» و«الشعب»، فيما لا يبدو أنها صدفة على الإطلاق. وخصوصا أن حملات «التهييج» ضد القوات المسلحة مستمرة، ومتصاعدة، إلى الحد الذى بلغت فيه مراحل من التطاول باسم الحرية والديمقراطية والدولة المدنية! لم ترد حكومة شرف بيدها المغلولة على حملات إنزال القوات المسلحة الى مرتبة «الغريم» فى الشارع، فى وقت دأبت فيه قوى سياسية كثيرة التصعيد من تلك الحملات تسريعا لركوبها على «البرلمان». قارب بعض «الإعلاميين الأحرار» على قلب الحقائق، وتقليب المصريين على الجيش، وانتشرت العدوى فى الشارع وفى ماسبيرو كان البيان الأول إذ قام بعض من الشباب المتظاهرين الأقباط برشق قوات الشرطة العسكرية، ومدرعاتها بالحجارة، واستخدموا «المولوتوف» فى إحراق السيارات وعلى شاشات التليفزيون، ظهرت مجموعة من المتظاهرين، يضربون عسكريا من القوات المسلحة، بقوة وبانتقام.. فى لقطة ذات دلالة.. إذ بدا فيها أن بعض المصريين، يريدون أن يصلوا برسالة إلى «غريم» لهم، بأنهما «ندان»، وأن للمتظاهرين حقوقا، تمنعها القوات المسلحة! على هامش أحداث ماسبيرو، شهد شارع رمسيس وبعض مناطق السبتية والعباسية وقرى فى محافظات الصعيد أحداثا مشابهة إذ اندلعت عدة اشتباكات بين أقباط ومسلمين أسفرت عن إصابات وقام خلالها مجهولون بإشعال النيران فى عمارات وإطارات سيارات وسيارات بالتزامن مع بيان رئيس الحكومة «المعتاد» فى مثل هذه الأحداث. يمكن للحكومة الاحتفاظ ببيان الدكتور شرف، لإذاعته فى الأحداث الطائفية المقبلة، فعبارات شرف فى بيان «أحداث ما سبيرو» لم تختلف عن عبارات بياناته فى أزمات كنائس إمبابة والمنيا وأطفيح. شرف قال إن أحداث ماسبيرو أعادت مصر خطوة للوراء، وهو ما لم يختلف عليه أحد. وقال إن أخطر ما يهدد أمن الوطن هو العبث بملف الوحدة الوطنية، وهو ما يعرفه المصريون. أضاف شرف.. أن مصر تتعرض لمؤامرة، وكان هذا خطأ، أراد به رئيس الوزراء تعليق أخطاء حكومته، على شماعة آخرين، فإذا كانت المؤامرات واردة ، فإن إجراءات مواجهة هذه المؤامرات غائبة.. لكن شرف تكلم بعد اندلاع الأحداث بأكثر من سبع ساعات، واصفا ما يفعله الآخرون، وغافلا عما لم يفعله هو تجاه مؤامرات الآخرين. أكد «شرف» أن المناخ الحالى يتيح الفرصة لإشاعة الفتنة بين الشعب والجيش مع أن الدكتور شرف كان طرفا فى هذا، وأوضح أنه من الصعب أن نصف أحداث ماسبيرو بالفتنة.. ولا أحد يعلم ما الذى أراده رئيس الوزراء أكثر لمواجهة الحقائق والكف عن استخدام «الشماعات» و«التوصيفات»، والبحث فى أسس «المؤامرات»، فى بيان ألقاه بعد الأزمة بساعات، قبل أن يدعو لاجتماع وزارى «طارئ» فى الصباح، بينما كانت أعداد الضحايا فى ازدياد مضطرد.. كل دقيقتين بالليل.