فجأة وبدون سابق إنذار - سوى إنذار ثورة 25 يناير - أصبحنا ديمقراطيين!! أنت ديمقراطى، وجارك ديمقراطى، وحماتك ديمقراطية، وزميلة الدراسة أو العمل ديمقراطية!، وأنا نفس الشىء ديمقراطى جداً جداً. كل هذا كلام جميل ولذيذ وفك مجالس لن يكلفك قرشاً واحداً طالما هو كلام فى كلام أو دخان فى الهواء أو رائحة كباب بغير كباب. فإذا كنا كلنا ديمقراطيين إلى هذه الدرجة من العشق والوله والإخلاص لمعنى وفكرة الديمقراطية فلماذا كل هذا التشاحن والتخاصم والتشاجر الذى حل علينا باسم «الديمقراطية»! باسم الديمقراطية يتم الآن تكفير البعض، وتخوين البعض، وإقصاء البعض ممن يختلفون معك فى الرأى!! فى كل حوار تسمعه أو تقرأه هذه الأيام سوف ترى العجب وتسمع ماهو أعجب وأغرب فكل واحد لايريد أن يسمع إلا نفسه، ولايريد إلا أن ينتصر لفكرته ورأيه حتى لو كانت بلا معنى ولاتستحق النقاش أصلا! وكل طرف يريد أن يهزم فكرة ورأى الآخر بالضربة القاضية وبتوجيه إتهامات من نوعية أنت ليبرالى عميل فيرد عليه أنت سلفى جهادى!!. ومازلت أذكر سطورا مهمة كتبها قبل نحو ربع قرن المفكر الرائع الدكتور «أحمد خليفة» - رحمه الله - حين كتب فى كتابه القيم «الرأى بالرأى: آراء وراء الأحداث» يقول: «إن الديمقراطية ليست تنظيراً أو نصوصاً دستورية فحسب، وليست مجرد المناداة والتشدق بها والبكاء عليها بل هى ممارسة قبل كل شىء ومالم يمارسها أصحابها فإنها تتحول من أيديهم إلى أيدى المغامرين! الديمقراطية ليست عباءة مزركشة يخلعها أحد على أحد، وإنما يكتسبها من أرادها وسعى وكد من أجلها، إنها لاتشترى ولكنها جائزة ينالها من يستحقها، ومن ثم فلا ديمقراطية فى شعب نائم عن ممارسة حقوقه، وإذا كانت الديمقراطية توقظ الشعوب فإن الشعوب أيضا توقظ الديمقراطية إن الشعب إذا نهض وتحرك واستجمع طاقاته وحافظ على ما يملك واستثمره وتفاعلت ثروته البشرية مع ثرواته الطبيعية سوف ينال الديمقراطية التى يستحقها بعنائه وعرقه! وليس من الديمقراطية الحقة أن تحاول فئة أن تضع وحدها قواعد اللعبة السياسية فإن هذه القواعد يجب أن تكون من وضع أطراف المباراة جميعاً، وأطراف المباراة الديمقراطية هم كل من يقبل مسبقاً الاحتكام إلى رأى الشعب، وبذلك يخرج كل من لايرتضى بالاحتكام، ويسعى إلى إخضاع الآخرين لما يعتقده حقاً. إن الديمقراطية تتطلب أكثر من فريق فى ساحة العمل السياسى فريق يعمل ويتحمل مسئولية الحكم، وفريق يشتغل بالرقابة والنقد، وليس هناك بديل عن هذا التعدد لحماية الحكم من الفساد والتصدى له وإبراز الأكفأ والأنظف وإذكاء المفاضلة والمنافسة!». ويضيف د. أحمد خليفة» قائلا: «ولدينا مقولة أن البعض يشتغل بالمعارضة وهى مقولة غير مفهومة لأن المعارضة ليست وظيفة وإنما تعنى كما يعنى الاشتغال بالحكم أن هناك صاحب رأى، فالأساس أن هناك اشتغالا بالعمل السياسى بصرف النظر عن كونك فى الحكم أو خارجه، فإذا أدى عملك السياسى إلى أن تتولى الحكم فبها الاشتغال بالمعارضة إذن غير مقبول إذا كان يعنى جماعة مهمتها ووظيفتها تحطيم كل شىء لتحل محله حتى يتم تحطيمها هى الأخرى! وبالإضافة إلى ذلك فإن الفريق السياسى أو الحزب يجب أن يكون قادراً على مهمة الحكم إذا ما دعى إلى ذلك ولايكفى أن يكون قادراً على هدم شىء قائم دون مقدرة على إقامة بناء. إن العمود الفقرى للديمقراطية هو الخلو تماماً من العنف بل إن مهمتها هى تخليص الحياة الاجتماعية من العنف، ولهذا فإنها شديدة التأذى من كل صور العنف السياسى والاقتصادى والاعتقادى. والعنف السياسى معروف تمارسه السلطة الحاكمة فتخنق صوت الشعب وتلفق بدلاً منه صوتاً آخر يعبر عن رأى الحاكم، والعنف الاقتصادى أن يسود نظام اقتصادى قائم على الاستغلال بلا رحمة لايحقق العدالة ولا الفرصة المتكافئة والدولة من ورائه تسنده أو تغفل عنه، والعنف «الاعتقادى» أن تدعى فئة أنها فوق مستوى الحوار الديمقراطى وأن ما تعتقده هى هو الحق المطلق وعلى الكافة أن يذعنوا له طوعاً أو قهراً إذا لزم الأمر». انتهى ما كتبه د.أحمد خليفة عام 1985 وعلى رأى المفكر الليبرالى الفنان «شعبان عبدالرحيم»: الديمقراطية.. إييه بس خلاص!.