حذر خبراء علم النفس والاجتماع من تزايد معدلات العنف وخطورة انتشار ظاهرة البلطجة علي أمن واستقرار المجتمع، معتبرين أن «الانفلات الأمني»، و«تخلي الشرطة عن القيام بدورها»، يتطلب «إحكام القبضة الأمنية»، و«عودة هيبة الدولة»، و«إعادة الانضباط للشارع» مع «تجفيف منابع السلاح». وطالب الخبراء بالضرب بيد من حديد، علي كل من تسول له نفسه نشر الرعب والفزع في المجتمع، مؤكدين علي أن المحافظة علي الأمن هي مسئولية جميع أفراد المجتمع. وأكدت د. نسرين البغدادي - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -: «إننا نعيش الآن ظروفا استثنائية، ومن ثم فالحالة المجتمعية مرتبكة، ولقد انعكس هذا الارتباك علي ما حولنا فأصبح التعامل بين البعض من غير أن تكون هناك حدود أو التزامات، ولم يعد في ذهنه أن هناك ردعا أمام التصرفات المخطئة التي تحدث». وأبدت د. نسرين تخوفها من أن يتحول التعامل في المجتمع علي المدي القريب إلي البلطجة، فكل شخص الآن مؤمن بفكرته يحاول الدفاع عنها حتي وإن كانت خاطئة، فالبعض «أصبح يتصرف بمبدأ أنني حر فيما أفعله». لافتة إلي «الحرية دائما وأبدا تنتهي عند حدود الآخرين»، ولكن هذا المبدأ لم يعد موجودا فالبعض يحاول أن يفرض فكرته بكل الوسائل والأساليب بغض النظر عن ماهية الفكرة ومدي صحتها. وأضافت أن انتشار لغة العنف وجرأة الناس علي بعضهم البعض وكسر هيبة الشرطة ناتج عن عدم التواجد الأمني وغياب الشرطة وعدم وجود رادع، مما أوجد حالة من الارتباك اليومي. وتقول د. عزة كريم - الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - إننا عندما نندقق النظر فيما يحدث حولنا من أحداث يتأكد لنا أن الانفلات الأمني يعتبر «خطة منظمة من النظام السابق». موضحة أن البلطجي فيما سبق كان أقصي ما يمكن أن يستخدمه هو السلاح الأبيض «المطواة» أم الآن فالأمر تجاوز هذا بكثير، فضلا عن أن الجرائم لم تكن تحدث بشكل جماعي مثلما يحدث الآن موضحة أن ما يحدث بعد الثورة ينبغي أن نتقنه تماما. وأكدت د. عزة: إننا سوف نظل لفترة أمام صراع بين النظام السابق والثورة، فالنظام السابق لايمكن أن يستسلم بسهولة لأنه كان يحصل علي «امتيازات حرم منها الآن» ومن غير المعقول أن يقتنع بسهولة بأن يتنازل عنها موضحة أن «أمن الدولة» من أكثر الفئات التي أضيرت من الثورة. وتبدي د. عزة دهشتها من أن اكتفاء الشرطة بموقف «المشاهد» علي ما يحدث من احتكاكات وأحداث بالشوارع. وقالت د. عزة كريم: أصبح لدينا 3 أنواع من البطجية الذين نواجههم الآن في مجتمعنا، فالفئة الأولي هي ممن كان يستخدمها الحزب الوطني والنظام السابق فهم مدربون وجماعات منظمة ويمتلكون السلاح، ومن ثم تم إطلاقهم علي المجتمع، ولعل ما شهدنا من أحداث عنف في إمبابة والعباسية خير دليل علي ما نقوله، والنوع الثاني من البلطجية هم من خرجوا من السجن، والفئة الأخيرة هم أناس عاديون يستخدمون أسلحة بيضاء. وأكدت د. عزة أن الشرطة لابد أن تستعيد دورها مرة ثانية. فهناك وقائع تؤكد أن الشرطة في بعض المواقف تشاهد البلطجية ولا تتعامل معهم أمنيا وتكتفي بالمشاهدة، وإذا كانت الداخلية كما صرحت من قبل بأن لديها حصرا بأعداد البلطجية فلماذا لا يتم القبض عليهم وتتم محاكمتهم عسكريا بدلا من المحاكمات العسكرية للمدنيين؟! ولابد أن تغير الداخلية من أسلوبها فلا ينبغي أن يكون عنيفا ولا يجب أيضا أن يكتفوا بالمشاهدة فقط! وقالت د. عزة: إن إنهاء الصراع بين النظام السابق والثورة لن يتم إلا عن طريق المحاكمات، وهذا بالفعل ما تم البدء به من خلال علنية محاكمة الرئيس المخلوع. وأضافت: إن سبب وجود الأسلحة لدي المواطنين هو اعتقادهم بضرورة استخدامها في الدفاع عن النفس، وذلك نتيجة حدوث ضغوط وتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية حدثت بعد الثورة في المجتمع المصري، وكانت السبب الرئيسي وراء ظهور واستخدام السلاح بكل هذا القدر، فنسبة كبيرة في المجتمع تعاني مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية بجانب غياب مفاهيم العدالة وافتقاد الثقة من الأفراد تجاه أجهزة الدولة ومؤسساتها في تحقيق العدالة أو تأخرها واتجاه كل فرد لأخذ حقه بيده. ويوضح الدكتور سعيد المصري - أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ومدير برنامج القضايا الاجتماعية بمركز المعلومات ودعم القرار- أنه في إطار الفراغ الأمني الذي حدث عقب بدء أحداث التحرير بدأت الناس تفكر في عمل تدابير خاصة بها لحماية نفسها، مشيرا إلي أن بعضا من البلطجية واللصوص قاموا باقتناء السلاح لترويع الناس والسرقة، وهؤلاء هم الفئات السعيدة بالغياب الأمني كي تصل لأغراضها. وشدد المصري علي ضرورة عودة الأمن الذي يعني عودة إحساس الناس بالطمأنينة وسيادة القانون في مواجهة المخاطر ووجود كيان أمني قوي يثق فيه الناس، كما يجب أن يفهم رجل الشرطة أنه مواطن وجزء من المجتمع له حقوق وعليه واجبات في حماية المواطنين، لذا يجب أن يعود الأمن في ثوب جديد يخدم الناس وليس تسلطيًا مثلما كان يحدث في النظام السابق والذي كان يهتم بحماية المسئولين في المقام الأول لأن الأمن جزء لا يتجزأ من حياة الناس، مما سيساهم في تحقيق التحول الديمقراطي والتخلص من القهر والاستبداد. بينما تؤكد الدكتورة سامية خضر صالح - أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس - أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات الجريمة والبلطجة يرجع إلي انهيار القيم الأخلاقية في المجتمع، وإلي غياب تفعيل القانون في الشارع المصري نتيجة لانتشار الفردية وإحساس كل فرد بأنه فوق القانون وأنه يفعل ما يشاء دون محاسبة فعلية. وتساءلت الدكتورة سامية: أين الأخلاق التي شاهدناها من شباب الثورة في ميدان التحرير؟ الأمر الذي يؤكد أن مصر ليست ميدان التحرير فقط، وأن هناك تصدعا في الأخلاق بشكل غير طبيعي ولاتوجد وقفة قوية أو زعيم مؤثر علي الناس والمجتمع ينقذنا من هذه الأيام العصيبة، بل نجد أن جميع القادة والمسئولين يستخدمون أسلوبا هشا في التعامل مع المواقف المختلفة، وتشير إلي أن كل شخص أصبح يتحدث عن الآخر بأسلوب الاتهام والتحريض حتي أصبح لا أحد يثق في الآخر. وأكدت د. سامية أن الأمن أخطأ كثيرا في حق المواطنين، ولكن لابد من التسامح وفتح صفحة جديدة حتي يتحقق الأمن والأمان في مجتمعنا فيجب أن تعود الهيبة المعتدلة الحكيمة إلي الشرطة، كما أنه لابد من وجود شخصيات قوية من قيادات الجيش ومجلس الوزراء تتعامل بشدة في المواقف المختلفة حتي تستطيع أن تضبط المجتمع ليصبح يدا واحدة، فما نراه الآن أن المجتمع والبلاد تتهاوي ولايوجد رادع، كما أشارت أيضا إلي وجوب اعتدال الإعلام وتعقله لا البحث عن مجرد الإثارة. ومن جانبه يري الدكتور محمد المهدي - استشاري الطب النفسي عضو الجمعية الإسلامية العالمية للطب النفسي - أن الإحساس بعدم الأمان وفقدان الأمل هو السبب وراء اقتناء المواطنين الأسلحة، فالناس أصبحوا يمارسون العنف علي أتفه الأسباب! وقال: إننا في حاجة إلي إعادة ترتيب البيت المصري من أوله لآخره، وطالب مؤسسات المجتمع المدني وخبراء علم النفس والاجتماع والأمن والمؤسسات الحكومية المعنية بالقيام بجهد مستمر لرصد الظاهرة ووضع برنامج عملي لخفض درجة العنف في المجتمع حتي يتم الإصلاح الشامل .