في أقل من 15 دقيقة وصلت للميدان رغم أنني أصل إليه في مشواري اليومي من منزلي لعملي في أكثر من ثلاث ساعات.. ومن مدخل الميدان من ناحية الجامعة الأمريكية أوقفني فتاة أجمل من زبيدة ثروت في فيلم (يوم من عمري) وقالت لي : من فضلك يا طنط البطاقة.. وقالت لي زميلتها ولو ممكن حضرتك تفتحي الشنطة.. دخلت الميدان الذي كان يبدو مثل ساحة الحرم الشريف.. الكل يستعد لصلاة الجمعة وكانت في وسط الميدان خيمة كبيرة بيضاء أضفت علي المكان قدسية وشموخا وكانت أعلام مصر ترتفع حولها تملأ الميدان في كل مكان وهتافات الشباب والكبار والصغار تعلو وتنادي بالحرية والعدل والقصاص من قتلة الأبرياء لم يوقفها غير صوت الأذان.. وبدأت الصلاة، وكل في مكانه (أدي) الصلاة حقا كما قلت كأننا في الحرم. زادت أعداد القادمين للميدان حتي أصبح ممتلئا عن آخره فتحرك البعض إلي الشوارع الجانبية التي امتلأت هي الأخري عن آخرها في مشهد فريد فمن يرد أن يردد الهتافات يذهب لقلب الميدان ومن يرد أن يفتح حوارا ديمقراطيا يجلس علي الأرض في الشوارع الجانبية في دوائر نقاش ممتدة وعلي رصيف آخر في الميدان كانت هناك دوائر من الشابات والشباب يغنون أغاني الشيخ إمام وعبد الحليم حافظ ووجدت أسرا كاملة بدلا أن تحمل زادها وزوادها وتذهب للحدائق أو المصايف ، جاءت إلي الميدان والأطفال يلعبون بالأعلام التي زادت جمالا وعزة وهي في أيدي الصغار.. تركت حقيبتي التي بها بعض الأشياء الخاصة بي بجوار أحد المقاهي وقلت لفتاة وشاب : ممكن أترك معكما الحقيبة حتي أتجول في الميدان قالت لي الفتاة : (اتركيها في أي مكان أنت في أمان الميدان).. مما زادني أمانا عندما سمعت شابا من الشباب الذين يأمنون مداخل الميدان ، وهو يقول لسيدة «أدخلي يا ماما مافيش بلطجية ، إحنا بنعرفهم كويس وبنشمهم من علي بعد.. الميدان خالي منهم الآن وكلنا ولادك وأخواتك». كلما تحركت في الميدان أشدد عودي ولم أبال بالحر ولا بالزحام الرهيب لم أخش شيئا. وفجأة رن تليفوني.. ابنتي التي تدرس في كوريا الجنوبية قالت : أنا عارفة إنك في الميدان ، وأنا فتحت كل الأخبار علشان أطمئن عليك.. بيقولوا إن الإخوان عايزين الانتخابات أولا وشباب الائتلاف عايزين الدستور أولا وأهل الشهداء والمصابين عايزين القصاص أولا.. قاطعتها قائلة : الميدان عايزك أصحابك كلهم هنا ، وأنكل نبيل وعلي حامد وطلعت بيسلموا عليك وجلست معهم في خيمة.. حزب التجمع ، لكن الهتافات التي رددتها معاهم بصوت عالٍ أصابتني بصداع فذهبت للدكتور محمد فتحي في خيمة الإخوان علشان آخذ منه مسكن وهو بيسلم عليك وبيقولك وحشتينا.. وفجأة أيضا الميدان كله أخذ يهتف (انزل.. انزل الجيش والشعب إيد واحدة) قالت لي ابنتي : ماذا حدث؟ قلت لها واحد في منصة حزب الوفد ردد هتافات معادية للجيش ، فالميدان كله هتف ضده هو (انزلوه من المنصة). قالت لي : يا ماما ، أنا قلقت عليكم إنت وبابا لوحدك في الميدان.. قلت لها لا تخافي عربات الإسعاف بالعشرات حول الميدان وفيه مليون شاب وشابة مثلك هنا ( أبنائي) إحنا كلنا رجعنا تاني الميدان علشان نقول لكل من يتصور إننا نسينا مطالبنا ومطالب الثورة إحنا في ثورة حتي تتحقق مطالبنا كاملة عدالة.. حرية وعيشة إنسانية والقصاص والمحاكمة لكل من تسبب في موت شبابنا جسديا ونفسيا.