الظروف والملابسات التي أتت بحكومة الدكتور شرف لا تتيح لأي حكومة سوي اختيارين وهي تقدم علي قيادة شعب وأمة في مفترق طرق يحدد مستقبله القادم لسنوات طويلة سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا بعد فعل ثوري أسقط نظاما ويسعي إلي بناء نظام جديد. فإما أن تتبع الحكومة خطي الشارع ومنها ما هو موضوعي واجب التحقيق الفوري، وعلي رأسه سرعة التأثير في تفاصيل الحياة اليومية خاصة في أسعار السلع الأساسية والخدمات العامة بما يجعلها أقل حدة وأخف وطأة علي كاهل العائلات البسيطة ، ومنها ما هو غير موضوعي وغير قابل للتحقق علي الأقل في المستوي القريب أو المتوسط وليس في قدرة الحكومة التنفيذية ولا في أدواتها ولا في مواردها السيادية. وإما أن تضع الحكومة ومن أول لحظة لتشكيلها في هذا الظرف الاستثنائي خطة محددة علي المستويات التنفيذية تقوم علي حساب ما هو ممكن وفي متناول القدرة والاستطاعة، وليس ما هو مستحيل يغازل المشاعر ويرضي الهواجس ولا يترك أثرا علي الأرض وبين الناس ، وهو الواضح حتي الآن. صحيح أن حكومة د. شرف تجتهد في إطار الأدوات والموارد المتاحة لها إلا أنها طوال الوقت تضع لنفسها أثقالا تعوق حركتها وتقيد قدرتها علي المناورة بالأدوات وتلزم نفسها بما لا تطيق ولا هو مطلوب منها جماهيريا في نفس الوقت. أغرقت حكومة د. شرف نفسها في السياسة علي حساب الانشغال بتنمية الموارد وجذب الاستثمارات، بينما العمل السياسي وقد تحركت عجلته في مساجلات بين القوي والتيارات السياسية لا يحتاج إلي انشغال من الحكومة أو تدخل بالعمل أو الإشارة، فقد كانت مهمة الحكومة الرئيسية تتمثل في إصدار القوانين المنظمة للحياة السياسية بعد الاستفتاء، وقد صدر بعض منها والباقي كقانون مجلس الشعب علي وشك الصدور. أما الحوار السياسي والتفاعل بين القوي والتيارات السياسية لم يكن ليأخذ من وقت الحكومة فهي في النهاية حكومة لا تمثل تيارا سياسيا ولا تعبر عن برنامج حزب تنتمي إليه، ولا يجوز أن يتورط وزراؤها في جدل سياسي وإن تم وصفه بالآراء الشخصية. وأغرقت نفسها أيضا في الاستغراق في تفاصيل إقامة المشروعات القومية الكبري والتي تحتاج إلي عقود من الزمن حتي تصبح حقيقة علي الأرض ، وتؤتي ثمارها بين الناس بغض النظر عن الظروف الموضوعية كتوفير الاستثمارات لإقامة هذه المشروعات بينما تعاني موازنة الحكومة من عجز رهيب. في الوقت الذي لا تعرف فيه الحكومة كم هو عمرها الزمني في إدارة شئون البلاد كحكومة مرحلة انتقالية تنتظر نتيجة انتخابات برلمانية ورئاسية ستنتهي في الربع الأول من العام الجديد علي أقصي تقدير لتعلن عنها - المشروعات الكبري - كإنجاز من إنجازاتها بينما الإنجاز الأهم في تسيير تفاصيل حياة الناس اليومية.. إنجاز يتعرض يوميا لإحباطات من لقمة العيش وحتي الأمن والأمان ، فالناس لا تأكل من الأحلام المؤجلة ولا تعيش من السياسة.. ولا تكترث لاستقالة نائب رئيس الوزراء، ورفضها، ولا تهتم بإقالة رئيس مستشاري رئيس الوزراء أو إلغاء مكتب المستشارين نفسه إلا إذا كانت الاستقالات والإقالات ستجعل لواقعها الاقتصادي المعيشي إضافة جديدة. لقد تولي د. شرف رئاسة الحكومة في ظرف خطير ورهيب ، مستندا إلي فرضية الاحتضان ، احتضان الناس اليائسة من تحقيق طموحاتها علي مدي سنوات طويلة مضت ، والطموحات هنا تتعلق كلها بالأرزاق ولقمة العيش والوظيفة لكل عاطل ، وقد جاء الفعل الثوري ليرفع الغطاء عن البخار الساخن المنفجر وهو استناد واقعي تشتد الحاجة إلي الارتكاز عليه مع طلعة كل صباح. ولكن هذا الاستناد في بيان رئيس الوزراء يصبح غير متحقق عندما لا يحتل سوي ثلاثة بنود فقط من 12 بنداً حددها د. شرف كأعمال أنجزتها الحكومة بعد مائة يوم من إدارتها للبلاد.