الحل الوحيد، وفق المعطيات، أن ينجح أيمن الظواهري في إنقاذ نفسه، بعد إعلانه أميرا لتنظيم القاعدة، بتنفيذ عملية كبيرة، تعود بتنظيمه إلي رأس قائمة الإرهاب. تنفيذ عملية «إرهابية مروعة»، حسب الكثير من المراقبين، هو طوق النجاة الوحيد أمام الجراح المصري، الذي ظهر أنه لا يتمتع بقبول كثير من زعماء التنظيم. فالظواهري، وفقا للمتداول حتي الآن، يفتقد إلي ما كان لدي بن لادن من مهارات، إضافة إلي المشهور عنه من كونه، جامدا، مشاكسا، بلا كاريزما. بعضهم اعتبر ولاية الظواهري إمارة «القاعدة» هو تهديد للقاعدة، حيث يضع التنظيم علي حافة الانهيار، في ثاني سقوط بعد مصرع بن لادن. فالرجل الذي سوف يكون عليه أن يحمي الجماعة التي ساهم في تأسيسها عام 1988 مع أسامة بن لادن، سوف يكون عليه أن يحمي نفسه أولا.. من أعداء، ومنافسين، لايزالون يرون أنهم الأقرب.. للتقوي والقيادة. بعد ساعات من إعلان الظواهري أميرا للقاعدة، اعتبر الأمريكي بيج جريج الخبير في شئون الحركات الإسلامية أن القاعدة دخلت النفق بعجلتين، وهو ما يعجل بتعطلها قبل أن تري النور من جديد. وفي تحليل نشرته الواشنطن بوست، قال جريج أن القاعدة التي أقامها الظواهري، سوف تختفي أيضا، بعد ولاية الظواهري. لدي كثير من المراقبين، لم يكن اختيار الظواهري موفقا، فالتنظيم الدولي الذي أداره بن لادن بما يشبه قوانين الشركات متعددة الجنسيات، ربما تدخله رئاسة الظواهري مرحلة النهاية الشهور القليلة القادمة. فرغم أن الظواهري، حسب بيج جريج، كان ماهرا في لعب دور الرجل الثاني لسنوات، سوف لا يستطيع أن يلعب شخصية البطولة، وحده، عندما لا يجد آخرين يوافقون علي إتمام الرواية معه. - محنة الشقاق عام 2005 نقلت لوس أنجلوس تايمز الأمريكية عن ضابط حقق مع مجموعة من المنتمين للقاعدة في جوانتانامو قوله «سمعت أكثرهم يتكلم عن المحاور الأربعة التي يدير بها الشيخ بن لادن التنظيم» وقال الضابط: «تكلموا عن الدين واللين والتلقين والتمحين، لم أعرف تحديدا ما المقصود، لكنني شعرت أن بن لادن يقود القاعدة بالسحر»! لم يكن كلاما مرسلا، فالضابط رميرو وفرنتال، الذي كان واحدا من العاملين بقسم الخدمات المعاونة للخدمات الخارجية بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، كان يصف محاور بن لادن في إدارة التنظيم، الذي رأي مراقبون أن القاعدة فقدته بإعلانها إمارة الظواهري الأسبوع الماضي، حيث دخلت مرحلة (الدين، والتمحين) بينما متوقع أن يغيب (اللين والتلقين)! قالت مذكرة كتبها أحد أعضاء مكتب الخدمة السرية في باكستان، وبثها موقع ويكيلكس، أن علي الإدارة الامريكية انتظار واحد من ثلاثة، إما إذن الله، أو موت بن لادن، أو ولاية من لا يتفق عليه أمراء الإرهاب. بعد مقتل بن لادن ، حصلت الإدارة الأمريكية علي الاختيارات الثلاثة، فقد تولي الظواهري الذي فتح تنصيبه أميرا، ملف المحاور الأربعة لإدارة بن لادن للقاعدة بالدين واللين والتلقين والتمحين. فالدين، يعني المبادئ الإسلامية التي قام علي أساسها التنظيم عام 1988. أما «اللين» فهو تأليف قلوب مسلمين من جنسيات مختلفة، تم العمل علي تجنيدهم منذ بداية التسعينيات. «التلقين»، المحور الثالث، يعني انسياب التعليمات داخل التشكيل الهرمي للتنظيم بالتلقين من بن لادن شخصيا، إلي الأمراء في الخارج، بينما يعني التمحين: فقه المحنة، الذي جعل بن لادن من خلاله عمليات تنظيمه أكثر مرونة في المواءمة بين مصالح التنظيم، وفقه الحرب، علي خلاف أسلوب الظواهري، قيادي جماعة الجهاد الأول، الذي يضع الحرب في المقام الأول باستمرار. بيار فيليو، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية الفرنسي، يري أن أزمة القاعدة الجديدة، ليست مقتصرة علي عدم توافق أمراء القاعدة علي الظواهري، ولا في شخصية الظواهري صاحب الجدل الأكبر في تاريخ التنظيم، إنما في الاختلاف الجوهري، بين فقه الجراح المصري، وبين فقه الثري السعودي الذي قتله الكوماندوز الأمريكيون مؤخرا في بوت أباد. اعتبر محلل شئون الإرهاب السويدي «ماجنوس رانستورب» حسب ما نقلت صحيفة النيويركر قبل يومين، أن «القاعدة في طريقها إلي نهاية المنحدر» بعد ولاية الظواهري. وأشار ماجنوس، إلي أن ما بدا من خلاف علي ولاية الظواهري لم يكن بسبب كونه مصريا فقط، إنما لانتماء الظواهري إلي ما وصفه ماجنوس بمدرسة «القضاء الجهادية» التي تغلب «المصلحة» علي «سلامة الرجال»، في حين نجح بن لادن منذ تأسيس القاعدة علي أن يوازن بين «سلامة الرجال والمصلحة» إلا في الضرورة. ربما لذلك، يري كثير من المراقبين الأوروبيين أن الانشقاقات داخل القاعدة، سوف تنفجر في وجه الجراح المصري، خلال فترة وجيزة. فالظواهري تاريخيا، معروف بميله للعمليات السريعة، في جهاد يراه في كل الأحوال فرض عين، بينما وصل تنظيم القاعدة إلي مرحلة دويلات، لكل من أمرائها، ظروف خاصة، لايجوز معها في كل الأحوال تشدد الزعيم الجديد. وعلي عكس ما يبدو، فالإعلان عن إمارة الظواهري، تجعله الرجل الأضعف من وجهة نظر الفرنسي فليلو، في مواجهة براكين ثائرة بإمارات القاعدة في الصومال واليمن والمغرب العربي، مناطق العمليات الفعلية للتنظيم. ويري بيير جان، الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في باريس، أن رئاسة الظواهري، سوف تزيد الميول الانفصالية لأمراء التنظيم، وهو ما سوف يؤدي إلي انحسار سطوة الظواهري في منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية، ما يعني أن ولاية الظواهري خطوة أولي في الطريق لانقسام مفاجئ ومتوقع، يؤدي بالضرورة إلي دويلات إرهابية «في مناطق نفوذ لن تكون السيطرة فيها للتنظيم الأساسي في باكستان بقيادة الظواهري». - انفجارات متوقعة منذ عام 1988 كان الانضمام للقاعدة يتم بناء علي «الولاء المطلق» لشخص بن لادن، وهو ما يفتقده الظواهري.. هذا من جهة، ومن جهة أخري فإن «كاريزما» بن لادن بين أمراء مناطق نفوذ التنظيم، لا تقارن بشخصية الظواهري، ما يعني أن معضلة رفض أمراء القاعدة في العراق واليمن والصومال العمل تحت قيادة «مصري» وارد. المغرب هي أولي مناطق الانفجار، فبولاية الظواهري تصاعد التوتر من جديد بين عبدالملك دوكدال المحسوب علي بن لادن، وبين عبد الحميد أبوزيد رجل الظواهري هناك. وفي العراق، بدت أيضا بوادر صدام جديد داخل التنظيم، بين أتباع فقه الشيخ بن لادن «فقه الأزمة»، وبين «إطلاق الجهاد»، المحسوب علي أسلوب الظواهري. بالتزامن مع إعلان ولاية الظواهري، نقلت الصحافة الأمريكية علي لسان مراسليها في الصومال عن الشيخ مختار روبو الرجل الثاني في حركة شباب المجاهدين المسلحة قوله إن شباب الحركة «لايزالون يعتبرون أنهم تلاميذ في مدرسة الشيخ بن لادن» وهو ما اعتبر تلميحا موجها إلي قادة القاعدة في باكستان، في وقت كشفت فيه شبكة الأخبار الموريتانية تفاصيل تجدد خلافات قديمة بين تنظيميين بالقاعدة في الصحراء المغربية. للمرة الأولي منذ1988 يدخل تنظيم القاعدة، مرحلة مختلفة، يفتقد فيه زعيمه الجديد، أيمن الظواهري عنصري، «اللين» الذي حاز به بن لادن ألفه قادته في بؤر النفوذ، و«التلقين» الذي حافظ به علي التنظيم بعيدا عن كل صور الانفصال. التخوفات، أن تكون القاعدة بقيادة الظواهري أكثر تنافرا، في حين يفقد قادتها، كما يبدو، الولاء للظواهري، في وقت تكون فيه قدرة الأخير علي السيطرة مترامية الأطراف، ضبابية. الاختبار الأول للظواهري، هو سباق الظهور بينه وبين أنور العولقي قيادي القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ففي الوقت الذي عارضت فيه بعض قيادات «القاعدة» ولاية الظواهري، بسبب كبر سنه وأساليبه التي وصفوها بالقديمة في القيادة، ظهر أن ما أخذوا عليه عدمه في الظواهري، متواجد، في العولقي. فالعولقي، هو الأب الروحي للقاعدة في اليمن، إضافة إلي بصماته الواضحة علي مجموعة لا بأس بها من العمليات الإرهابية الكبري حول العالم. وعلي موقع مكتب التحقيقات الفيدرالي الإليكتروني، يعتبر أنور العولقي هو الأخطر، والأكثر حنكة من الظواهري. فرغم موقع الأول الفقهي المتميز داخل قادة التنظيم، لايزال للعولقي «وضع» قتالي، يضعه في مكان أفضل بين القادة الجدد. التحدي الأكبر وفق تقديرات الوضع، هو أن يبادر الظواهري بالخروج من اختباره الأول ناجحا، كيف؟ الإجابة حسب توقعات أوروبية، بتحضير الظواهري سريعا، لتنفيذ عملية كبري يطبع بها بصمته، ويكرس لنفسه فيه مكانا يتخطي به العقبات، في وقت ينظر بها عناصر «القاعدة» في جزيرة العرب بعين لاتزال فاحصة لصعود نجم الجراح المصري، وهي النظرات التي من المحتمل أن تدفع إلي إضعاف قلب القاعدة، لو ثبت فعلا، ضعف الظواهري وفق المتغيرات الجديدة، وربما تدفع الظواهري نفسه لعملية كارثة.. في سبيل الله!