من كان يتخيل أنه سيأتي يوم علي مصر.. تقف فيه حشود المصريين علي مدخل فندق خمس نجوم.. ممتد انتظارهم للصعود إلي قاعة في الدور العاشر لا لحضور حفل زفاف لعلية القوم أو حضور حفل لمطرب شاب، إنما تلك الحشود التي لا تقل عن ألفي أو ثلاثة آلاف مصري.. جاءوا إلي قاعة نفرتيتي لحضور مناظرة حزبية، يستمعون فيها إلي أفكار وبرامج، إلي اختلافات واتفاقات إلي رؤي سياسية، جاءوا ليسمعوا ويفهموا ويختاروا.. إلي أي حزب سينتمون. بدعوة من مؤسسة التحرك الإيجابي برئاسة المنسق العام لها خبير القانون الدولي محمد رءوف غنيم وبمشاركة 19 منظمة وجمعية من التشكيل المدني المصري قامت بتنظيم هذا الحدث المهم والمناظرة السياسية الحزبية التي تمثل إحدي علامات ممارسة الديمقراطية وتأسيس الدولة المدنية. كانت الأحزاب الأربعة المشاركة في المناظرة هي: حزب الجبهة الديمقراطية برئاسة د. أسامة الغزالي حرب ونائب رئيس الحزب الكاتبة سكينة فؤاد، وحزب المصري الاجتماعي الديمقراطي برئاسة د. محمد أبوالغار ونائب الحزب د. إيهاب الخراط، وحزب المصريين الأحرار برئاسة المهندس نجيب ساويرس والسفير حسين هريدي، وحزب العدل برئاسة د. مصطفي النجار ود. أحمد شكري. وقد دارت المناظرة حول ثلاثة محاور أجاب عنها ممثلو كل حزب بالتناوب، وكان المحور الأول هو: ما الأسس الموجودة في كل حزب التي تجعلني كمواطن أو كناشط أو كشخص غير مسيس أن تكون لدي الرغبة في الانتماء لهذا الحزب، بمعني آخر.. ما هو الملمح المهم الذي يميز حزبك؟! بدأ د. محمد أبوالغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الإجابة بأنه حزب أصر علي أن يحمل اسم «مصر» وهو تأكيد علي الاهتمام أولاً كأولوية هذا الحزب هو الشأن العميق الداخلي لمصر. أهم ما يميز الحزب - الإيمان بأسس الدولة المدنية - المساواة العدالة - وكذلك الاهتمام بالتنوع في المراحل العمرية كتمثيل حزبي ينتمي لهذا الحزب الخبير حازم الببلاوي والمستشار د. محمد نور فرحات ود. محمد غنيم والسفيرة ميرفت التلاوي والمخرج السينمائي داوود عبدالسيد، هذا الحزب يعتبر ليبرالياً يؤمن بأن اقتصاد السوق هو المستقبل وأن الدولة لابد أن يكون لها دور في منع الاحتكار وأن يكون الأساس والسائد هو تحسين التعليم والصحة من خلال برامج ولجان نوعية بدأت نشاطها بالفعل في وضع خطط وبرامج محددة لتنفيذ تلك المهام، كما طرح د. أبوالغار في بداية حديثه تأكيداً لموقف الحزب من رفض الانتخابات قبل تأسيس الدستور من قبل قوي مختلفة ومتنوعة من الشعب لوضع دستور يصيغه الفقهاء الدستوريون ثم يتم الاستفتاء عليه ومن ثم تقام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. أما المهندس نجيب ساويرس رئيس «حزب المصريين الأحرار» فقد فجر موقفاً شديد الأهمية وهو «الحقيقة أنني لم أجد اختلافاً كبيراً بين هذه الأحزاب، ولا أخفيكم قولاً أننا قد جلسنا وتحدثنا من قبل وأؤكد أنه في وقت ما سيتم الائتلاف بين هذه الأحزاب». وقد أشار ساويرس أن هناك من كان يتحرك قبل 25 يناير في الاتجاه السياسي والحزبي المعارض مثل د. الغزالي حرب ود. أبوالغار وهم كانوا الأشجع.. لأنه تحرك في صدر تيار الفساد والقهر والسلطة والفرق بين حزب المصريين الأحرار وغيره من الأحزاب ربما يكون له علاقة بالبرنامج الاقتصادي، فكما يقول ساويرس أنا رجل رأسمالي وسياسة الحزب الاقتصادية رأسمالية صريحة، فأنا مع كل رجل أعمال مصري شريف يفتح بيوت الناس ويسدد ضرائبه للوطن.. أنا أؤيد ضرورة أن «نشتغل.. ونعمل جيداً علي إخراج الأغلبية الصامتة عن صمتهم والذين أسميهم «حزب الكنبة».. وهذا هو دورنا كأحزاب. وأكد ساويرس علي كارثة بناء حزب في 90 يوما.. ثم يدخل الانتخابات. أما د. مصطفي النجار رئيس حزب العدل والذي يمثل أصغر رؤساء الأحزاب سناً بدأ حديثه عن حزبه بأنه حزب لا يعرف «الشخصنة» بمعني أنه قائم علي مبادئ وأفكار وليس أشخاصا بعينهم، وأصر أن هدف ومعركة الحزب هو تسييس كل المصريين وتسييس الناس الذين شاهدوا الثورة علي شاشات التليفزيون، تسييس الناس الذين لا يدركون أن السياسة هي الحلم ولقمة العيش - والعمل - والاقتصاد والكرامة وحرية التعبير. ولهذا فإن حزب العدل قائم علي فكرة التنمية المستدامة وبرامجه ملائمة لكل المصريين، ويكفي أن أقول أن حزبا بدأ من وسط الناس وخرج من رحم الثورة، حزب الوسطيين الذين يمثلون حقيقة الشعب المصري بكل قيمه الوسطية، حزب استطاع أن يحصل علي أكثر من «5000» توكيل، حزب ينظر برؤية سياسية واسعة وعميقة أكثر من اهتمامه بالعمل الحزبي، حزب هدفه الأساسي تبني معركة البناء في مصر. أما د. أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية فأصر علي أن يبدأ حديثه قائلاً: لقد قمنا وحققنا أشياء بالفعل وتصدينا لكثير من الفساد بالفعل وهذا ما يميزنا. نحن من قمنا بعمل ائتلاف رباعي مع أحزاب: التجمع - الوفد - الناصري، وبعد فترة رفضنا واعترضنا علي دخول انتخابات مجلس الشعب لأنه لم تتوافر فيه ضمانات نزاهة الانتخابات.. وكان موقفنا واضحاً، وطالبنا الأحزاب بضرورة مقاطعة الانتخابات ونحن من التزمنا. نحن الحزب الوحيد الذي نص في برنامجه علي المطالبة بإلغاء مباحث أمن الدولة قبل 25 يناير.. نحن كحزب - أثناء الثورة - رفعنا وسط جموع الناس شعار «لا تفاوض قبل الرحيل».. ورفضنا التفاوض مع عمر سليمان. وقد أشار د. حرب علي أن فكرة المناظرة عظيمة ولابد من تكثيفها ولابد من وجود جمعية ترعي تلك المناظرات السياسية، وقد أكد علي دعوته للائتلاف بين جميع القوي الوطنية، وكان موضوع الائتلاف هو المحور الثاني لهذه المناظرة.. فإذا كان الأساس العام الثابت لهذه الأحزاب الأربعة هو التوجه المدني الليبرالي فكيف سننجح وسط التشتت والتفتت في مواجهة أكثر القوي تنظيماً وتشكيلاً، وكيف سنكسب أصواتاً في بقية أنحاء الجمهورية. أما حزب العدل برئاسة د. مصطفي النجار حسم الموقف قائلاً: هناك فرق بين الائتلاف السياسي والحزبي.. ولا أحب أن نتحدث برومانسية في السياسة، هناك اختلاف في الرؤي التنظيمية والسياسية والقيمية.. وفكرة التنوع الحزبي تثري ولا تضعف.. ونحن الآن نتحدث عن مشروع حزبي.. وكل مرحلة ولها حديثها.. أما فيما يتعلق بالمعادلة السياسية قبل الانتخابات فهو حديث سابق لأوانه. أما حزب الجبهة الديمقراطية فقد أعلن موقفه والذي طرحته الكاتبة سكينة فؤاد: توحيد هذه الكيانات في هذه المرحلة فريضة سياسية، لأن اللحظة تمتلئ بالخطر والتحديات، خاصة أنني لا أجد فروقاً تمثل عقبة أمام أن نتوحد في هذه اللحظة الفارقة التي تمر بها مصر. وقد رأي د. إيهاب الخراط متحدثًا عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أن توحيد جهود حشود بمئات الألوف من عدة أحزاب مسألة ليست سهلة.. وهدفنا في الحزب تكوين اتحادات ومجتمعات صغيرة في كل مكان لمشاركة الجماهير وعمل التحام حقيقي بين الخبراء والنخبة وبين الإنسان العادي. وقد تدخلت سالي توما.. وهي عضو في الحزب وقالت: إذا تحدثنا عن التحالف.. فلابد أن نتحالف مع أي قوي مدنية تؤمن بالعيش- الحرية- العدالة الاجتماعية والدولة المدنية.. ويجب أن نتحد علي قائمة واحدة، وبصراحة.. الخطوة الفارقة أن ننتمي لحزب يكون «مستبيع» لا يؤمن بالخط الأحمر. وهنا فجرت سالي توما سؤالا موجها لمصطفي النجار «حزب العدل» وهو ما أثار ضجة في القاعة «سؤالي إلي د. مصطفي.. لقد قلت يوم 3 فبراير ونحن وسط ميدان التحرير.. رأيي أن الناس تمشي وتترك الميدان.. لابد أن يكون عندك شفافية في الحديث مع الناس؟! بضيق وحماس شديد أجاب مصطفي النجار: الناس جميعها تعرف من هو مصطفي النجار، وماذا فعل أثناء ثورة مصر وللأسف فإن التخوين هو حيلة الضعفاء. حضر هذه المناقشة الأستاذة تهاني الجبالي - القاضي الدستوري التي طلبت الكلمة وقالت فيها: «مسام الوطن قد فتحت سياسياً وجئتكم بضمير القاضي ومن قبل بضمير المواطنة، لأقول إننا في هذه اللحظة الفارقة لا يصح لنا الانقسام، لا لتقديم الهدف الحزبي فوق الهدف الوطني. نحن في هذه اللحظة ننتظر منا ومنكم أن نقوم بالبناء وأن يكون له الأولوية وليس الطموح الحزبي.. أدعوكم بالتنازل الحزبي وأن نتنازل لبعضنا البعض ونقوم بالاحتشاد وتوحيد الجهود للخروج من هذا المأزق. أدعوكم لتقديم برنامج موحد وقائمة موحدة وأن يكون هناك امتثال أمام جماهيركم الحقيقيين. أتمني أن أراكم آخر مرة في «فندق خمس نجوم» مكانكم الحقيقي بين الناس في الشارع المصري الحقيقي. وقد عرض البعض علي القاضية تهاني الجبالي: لماذا لا ترشحين نفسك للرئاسة؟! قالت بمنتهي الحسم: لأنني أري أن منصب القاضي الدستوري لا يعلو عليه أي منصب آخر، حتي وإن كان رئيس الجمهورية. وقد اتفق ممثلو الأحزاب الأربعة علي ضرورة صياغة الدستور قبل إجراء الانتخابات، وسيتم الضغط والمطالبة العلنية للمجلس العسكري بضرورة التأجيل.. وكانت نقطة التلاقي بين الأحزاب أيضًا هي عدم السماح لأي مرشح سابق ينتمي إلي الحزب الوطني لقبول عضويته لهذه الأحزاب.. وهم ما أسموه بالقوائم السوداء. وعن التحالف مع الإخوان المسلمين «حزب الحرية والعدالة»- كان الموقف أن الأساس في الدولة المدنية تطبيق القانون، ومع ذلك فإن هذا لا يعني إقصاء الإخوان أو المطالبة بإقصائهم، ولكنهم موجودون ولهم حرية التواجد والتمثيل الشريف في البرلمان.. ولكن التحالف له شروط أخري وهي أن يكون للمجموعة نفس الأفكار والتوافق الفكري. الجملة الموحدة في هذا المحفل أو المناظرة- هي أنه لا يصح أن تكون هذه الحوارات قائمة في فنادق خمس نجوم.. فالرهان الحقيقي هو الشارع هي قري مصر والأقاليم والنجوع والأحياء الشعبية.. وذلك لمواجهة التيارات الأخري المنظمة. بعد حديث طويل من التساؤلات دار بين ممثلي الأحزاب وبين الحضور أجد أن الرهان الحقيقي ليس طوابير الجموع والبشر للاستماع إلي مناظرة سياسية حزبية، لكن الرهان هو وجود هذه القوي الوطنية المدنية المؤمنة بدولة القانون والمؤسسات والليبرالية داخل قري ونجوع وأقاليم مصر. الرهان الآن هو: أن يصل ما دار في قاعة فخمة في فندق شبرد.. إلي «الشارع المصري»!!؟