كتب: أمانى زيان يارا سامى لميس سامى ياسمين خلف كانوا يتمنون العودة بما يساعدهم علي تحقيق أحلامهم ولكنهم عادوا «بكسرة النفس» والحسرة. شباب حلموا بالكثير ولم يحققوا إلا الخسارة. هؤلاء هم الشباب الذين ذهبوا للعمل في ليبيا طامحين في توفير لقمة العيش ليبدأوا حياة كريمة في بلدهم إلا أن ما حدث في ليبيا بعد الثورة أجبرهم علي ترك كل هذا والفرار والعودة إلي بلدهم «بخفي حنين». لايعرفون ماذا يخفي لهم المستقبل، ولا يعلمون ماذا سيفعلون الآن؟!! فمنهم من يحاول إيجاد فرصة عمل ولا يجد ومنهم من لايملك القدرة للبدء من جديد. التقت بهم «صباح الخير» وكشفوا تفاصيل الأيام الصعبة أثناء رحلتهم الشاقة إلي مصر. • نار مصر ولا جنة ليبيا - محمد فتحي عبدالسلام - 27 سنة - عامل نقاش من «كفر الشيخ».. سافر وترك أهله وعائلته واتجه إلي ليبيا عندما علم أن شباب قريته يسافرون إلي هناك من أجل كسب المال، سافر لكي يستطيع نيل رضا فتاة أحلامه التي تقدم لخطبتها، عندما أخذ محمد هذه الخطوة لم يكن يدرك وقتها بأن تقوم ثورة في ليبيا ويخسر كل ما كسبه خلال الفترة التي قضاها هناك. يروي محمد قصته في أيام الثورة حتي مجيئه إلي مصر سالماً فيقول: قضيت في ليبيا سنتين وثلاثة شهور، وكنت عامل نقاش مع أحد الليبيين. كنت أسكن في إحدي الغرف التي كان يؤجرها لنا الليبي «مجدي الهيشي» وكانت في منطقة «مصراتة» قبل ثورة ليبيا كنت أتقاضي أجري وأرسله علي الفور إلي أهلي في مصر لتوفير مستلزمات الزواج.. لكن انهارت أحلامي بعد ثورة ليبيا.. فقامت المظاهرات يوم 17 فبراير.. وبدأت مضايقات الليبيين لنا.. وكانت مصراتة مؤيدة للقذافي.. فذهبت أنا وأصدقائي المصريون إلي المطار لكننا فوجئنا إنهم حرقوا المطار بأكمله وبعدها ذهبنا علي الفور إلي الميناء لكن كان لايستجيب أحد لنا وعندما كنا نوقف سيارات الأجرة لكي توصلنا إلي السفارة المصرية، كانوا يستغلوننا ويأخذون كل أموالنا.. كما كانوا يتهموننا بأننا نعطي للشعب حبوب هلوسة وأننا سبب قيام الثورة في ليبيا، ظللت أنا وأصدقائي في الطريق لمدة 15 يوما رأينا فيها الرعب.. وكان رجال القذافي يقومون بالتعدي علينا وسرقتنا. وفجأة رأينا أربع سيارات نقل كبيرة مكتوب عليها جمرك «بني سويف» أوقفناها فأخذونا معهم ولم نشعر بالأمان إلا بعد وصولنا «السلوم»، شعرنا بعدها بفرحة كبيرة عندما استقبلنا الجيش المصري بالأحضان في الجمرك، وأرسل لنا أوتوبيسات لكي توصلنا إلي منازلنا، عندها آمنت بمقولة «إللي يخرج من داره يتقل مقداره».. فإن الحياة هناك لاتفرق كثيراً عن الحياة في مصر، فمثل ما كنت أحصل عليه في مصر كنت أحصل عليه في ليبيا.. فأنا الآن عرفت قيمة مصر.. وأقول الآن.. «نار مصر ولا جنة ليبيا». • واجهنا الموت ألف مرة - محمد الشحات أبواليزيد 23 سنة من محافظة كفر الشيخ عندما ضاقت به أوضاع الحياة في مصر حمل ملابسه متوجها إلي ليبيا منذ سنتين واشترك مع ليبي في افتتاح محل دهانات وكان مشروعا ناجحاً ومربحاً ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن فتنقلب الأوضاع في ليبيا رأساً علي عقب.. هذا ما بدأ به محمد الشحات عندما أخذ يسرد قصته وطريقة مجيئه وعودته إلي مصر سالماً. وأكمل قائلا: منذ سنتين كانت الأوضاع جميلة وقمت بتأجير مسكن أنا ومصريان آخران كنت في ذلك الوقت أكسب من محل الدهانات ولكن بعد يوم 17 فبراير تغيرت الأحوال عندما انقسمت البلدة ما بين مؤيدين للقذافي ومعارضين وبدأ الضرب بالرصاص في الشعب وفرض حظر التجوال من الساعة السادسة مساءً حتي السادسة صباحاً ومن ينزل إلي الشارع يتم رشقه بالرصاص ولم يكن هناك فرق فحتي نزولنا للشارع في غير أوقات الحظر نتعرض لضرب ومشاجرات وإهانات وتم إصابة العديد من المصريين بالرصاص الليبي ووصل الحال إلي أننا لانجد طعاما فجميع المحلات مغلقة فقررنا عندها أن نسافر إلي مصر لأننا أيقنا أن الظروف لن تتحسن والأوضاع من سييء إلي أسوأ فذهبنا علي طريق (الحافلات) وظللنا في الشارع مدة 6 أيام نواجه الموت والخطر في كل دقيقة ونحن نائمون في شارع الحافلات منتظرين حاوية تنقلنا إلي مصر جمرك السلوم فالحاويات مزدحمة ولانستطيع العودة إلي منازلنا لأن الركوب بالحجز والأسبقية ودفعنا ما يعادل 2000 جنيه مصري وأخذت رحلتنا في الطريق إلي جمرك السلوم أسبوعاً حدث معنا كل ما يخطر علي بشر من إهانة وضرب وسب وتعرضنا في الطريق لسماسرة القذافي وهم قطاع طرق أوقفوا الحاوية وقاموا بتفتيشنا وأخذ كل ما نملكه من هواتف نقالة ودولارات حتي ملابسنا أخذوها، وفي ظل تلك الأحداث لم تستطع السفارة المصرية الدفاع عنا في ليبيا ولكن عندما وصلنا إلي جمرك السلوم تعاملنا أحسن معاملة وتم نقلنا في باصات إلي بيوتنا بدون أن ندفع جنيها واحداً فنحن عائدون بلا نقود. • نفسي مكسورة وأحلامي أصبحت في التراب. - عصام جمعة 26 سنة «حداد مسلح» شاب كادح كباقي الشباب الذين يحاولون تكوين أنفسهم عن طريق السفر.. يقول: لم أصدق نفسي عندما جاءني العقد للسفر لليبيا في شهر يناير الماضي.. سافرت وكلي أمل وحماس بأن الحياة ستبتسم والحال سيتحسن.. ولكن فرحتي لم تتم فبمجرد قيام الثورة في ليبيا اختفي المهندسون الذين كنا نعمل معهم وأصحاب العمل، ولم نأخذ حتي نقودنا التي عندهم.. فذهبنا لطرابلس وبالطبع في خلال محاولاتنا الوصول لمصر أخذوا منا كل شيء حتي ملابسنا.. وظللنا ننتظر العبارة في منطقة اسمها «قصر أحمد» في مصراتة.. وجاءت عبارة عليها علم تركيا.. بعد انتظارنا 3 أيام.. ووصلت مصر يوم 11/3/2011 وحتي الآن أنا غير قادر علي العمل، فأنا أحس «بكسرة نفس» وأن أحلامي أصبحت «تراب». • مازلت أبحث عن العمل في الخارج.. - يؤكد عبدالفتاح 25 سنة متخصص في دهان البيوت والمساكن نفس الحديث الذي قاله عصام قائلاً : عملت في ليبيا لمدة سنين كاملتين.. كنت أكسب وأصرف علي أهلي وأكون نفسي لأستطيع الزواج وتكوين أسرة.. ولكن كل هذا ذهب هباءً فقد أخذوا أموالنا ونحن في طريق العودة، وأنا هنا في مصر منذ 20 يوماً وأبحث عن عقد في السعودية، لأنني أحاول أن أقدم علي أي وظيفة هنا ولا أجد، فالحال في مصر صعب والعيشة أصعب لذلك سأظل أبحث عن العمل في الخارج. • ماذا أفعل؟! - أما عمرو السيد (22 عاماً) متزوج ولديه طفل يدعي هشام يبلغ «عامين» يروي معاناة عودته من ليبيا قائلاً: «سافرت إلي ليبيا منذ عام لأشغل حرفة «عامل سيراميك» كنت أعمل في مصراتة وكانت الحياة وردية وأربح كثيرا، ولكن مع بدء اندلاع المظاهرات في ليبيا مكثت في المنزل لمدة شهرين فكنا نخشي الخروج إلي الشارع لما كنا نسمعه من دوي انفجارات وقصف طائرات.. حتي قررنا نحن - المصريين - العودة إلي مصر.. فركبنا سيارة نقل كبيرة نقلتنا من مصراتة مروراً بأجدابيا وصولاً إلي سرت حتي الحدود المصرية - الليبية، ولكنني لا أستطيع أن أصف لكم الأحوال التي قاسيناها طوال تلك الرحلة الطويلة المريرة التي استغرقت حوالي ثمانية أيام تعرضنا خلالها لجميع أشكال «البهدلة» فضلاً عن أعمال السلب والنهب من قبل الليبيين.. فأخذوا أموالنا وهواتفنا المحمولة وكل مقتنياتنا الشخصية حتي إنني أصبت بكدمات في ساقي بسبب قسوة المعاملة. والحمد لله وصلنا إلي الحدود المصرية واستقبلنا الجيش استقبال الأبطال ،أما أنا الآن فأصبحت بلا عمل لأنه لايوجد «شغل» في مصر والجميع يعرف ذلك.. فأنا لست موظفاً وإنما عامل وهذه الطبقة لا أحد يهتم بها في مصر فماذا أفعل؟! • خسرت 70 ألف دينار و25 ألفا ثمن عدة الشغل وشكوت في القوي العاملة - أما «محمد العدوي الشهير بمحمد رشاد» 28 سنة فكانت يعمل كمقاول معماري في ثلاث مناطق في ليبيا «زلطين، الخمس وطرابلس» قضي في ليبيا أكثر من 7 سنوات وكان يكسب بشكل جيد ولكن بعد الثورة انقلب الحال وتم سلبهم ونهبهم حتي إنه له 70 ألف دينار لم يستطع الحصول عليها حتي الآن.. وقدم أوراقا للقوي العاملة يحكي ما حدث له ولا يدري إذا كان هذا ستكون له نتائج أم لا. ويقول إنه هنا منذ 20 يوماً حزين غير قادر علي العمل أبداً فهو متأثر نفسياً لما حدث وخسارته الشديدة فالعدة التي كان يعمل بها وحدها بحوالي 25 ألف دينار.. وهو الآن لايعرف ماذا يفعل ولايفكر حتي في ذلك. • ما الحل؟! - وبالنسبة لسالم صلاح سالم (22 عاماً) يروي قصته قائلاً: «سافرت إلي ليبيا منذ عام وأربعة أشهر، كنت أعمل في مصراتة «كنقاش» وكانت الحياة تسير بشكل طبيعي نعمل ونكسب قوت يومنا.. ولكن بعد قيام الثورة الليبية ظللنا في المنزل لمدة خمسة عشر يوماً بلا مأكل ولا نقود.. ولما وجدنا أن المظاهرات ستستمر لمدة طويلة فوجدنا أنه لا فائدة من البقاء في ليبيا وقررنا العودة إلي مصر ومن هنا بدأت المعاناة الحقيقية، حيث حاولنا البحث عن أي سيارة إلي سرت ومنها إلي الحدود المصرية.. وفي سرت كانت المأساة الفعلية حيث تعرضنا لجميع صور الاعتداء من قبل الليبيين.. من تفتيش ذاتي إلي الإهانة والضرب عندما كان أي منا يحاول إبداء اعتراضه علي أي شيء حتي وصل الأمر في بعض الأحيان إلي إطلاق النار ورفع السلاح.. واستمر ذلك لمدة يومين وبعدها وصلنا إلي السلوم حيث الحدود المصرية الليبية وهناك استقبلنا الجيش المصري استقبالاً حافلاً «وعملوا معنا الواجب» حيث وفروا لنا الأوتوبيسات التي ستنقلنا إلي القاهرة أو الإسكندرية.. ها أنا أمكث في منزلي بدون عمل.. فلم يعد بإمكاني السفر مرة أخري إلي أي دولة عربية وحالياً لاتوجد فرص عمل متاحة.. فما الحل؟!