قد لا أكون مبالغا إذا قلت إن قضية التسامح بين الأديان تعد من أبرز القضايا الدينية والفكرية التى يجب البحث فيها حين دراسة التنوير الاجتماعى وبحيث نسعى معشر البشر فى كل زمان ومكان إلى تحقيق القيم والمثل العليا والتى نستفيدها من وراء السلام والتسامح بين الأديان وبحيث يصبح الحال مستقبلا أفضل بكثير مما نجده فى حاضرنا وفى العديد من بلدان الإنسانية. هذه مقدمة من مقال للدكتور «عاطف العراقى» ضمن مجموعة مقالات فى كتابه المهم «التنوير والمجتمع» والدكتور أستاذ الفلسفة المفكر والكاتب ليس عراقيا بل مصرى تماما مثل أستاذنا وديع فلسطين المفكر والكاتب ليس فلسطينيا بل مصرى وله كتابات رائعة عن شخصيات عاصرها من أفاضل الأدباء والعلماء فى مصر والعالم العربى. التنوير والتسامح بين الأديان هذا عنوان المقال من كتاب الدكتور عاطف العراقى الذى نلخصه لأهميته هذه الأيام يقول الدكتور عاطف: قضية التسامح تعد قضية مصيرية، قضية الساعة إن التسامح هو طريق الإنشاء والاستمرار فى الوجود، وذلك على العكس من الفرقة والافتراق والتنازع وشن الحروب فهذا الطريق الأخير يؤدى إلى الفناء إنه طريق الظلام والذى يختلف جذريا عن طريق النور الطريق الذى يقوم على المحبة والسلام والتسامح بين الأديان إننا فى عالمنا العربى لا نستوعب دروس التاريخ جيدا نهتم بالمظهر ولا نغوص فى الأعماق حين نتصدى لدراسة مشكلة من المشكلات وبحيث نبحث عن أسبابها ووسائل علاجها فإذا تكلمنا عن السلام بين الأديان اكتفينا بمجموعة من الشعارات البراقة والخطب الرنانة. ويرى الدكتور عاطف: إننا لابد أن ننفذ إلى القاع الخصب فى موضوع التسامح بين الأديان لأنه يمثل بعدا سياسيا وفكريا واقتصاديا ويجد أن من الأخطاء الشائعة التى تتردد على ألسنة المتحدثين وكتاب المقالات محاولة إرجاع ضرب الوحدة الوطنية والسير فى طريق الفتنة الطائفية إلى أسباب اقتصادية والكاتب لا يستبعد الجوانب الاقتصادية والتى تتمثل فى عدم توفر فرص عمل أمام الشباب. بل كل ما نود التأكيد عليه هو وجود أسباب أقوى وأعمق من مجرد الاستناد إلى الجوانب الاقتصادية ودليلنا على ذلك أننا قد نجد أناسا يعيشون فى حالة الفقر وعلى الرغم من ذلك فهم أناس يؤمنون بربهم ويؤمنون بوطنهم ولا صلة لهم بالهجوم على التسامح بين الأديان وعلى العكس نجد أناسا تضخمت أموالهم وثرواتهم وهم عن طريق أعمالهم وطريق كتاباتهم من أكثر الناس صلة بتلك الأحداث التى تضرب فى صميم التآخى بين الأديان. الطريق إلى التسامح ليس صعبا يقول د. العراقى إن الطريق إلى التسامح بين الأديان هو طريق القيام بخطة تنويرية شاملة داخل وسائل الإعلام وفى مناهج التعليم من أول مراحلها وحتى آخرها ويتحدث عن المناهج الدراسية وهذا ما كتبه أخيرا ومن سنين بعض الكتاب فإن ما يؤدى إلى التناسق والتناغم بين أفراد المجتمع هو حذف كل ما يسىء إلى الوحدة والاتحاد بين أبناء الأمة الواحدة من جهة وسائر الأمم والبلدان من جهة أخرى ويجد أن العيب فى الفهم الخاطئ للدين لقد قاد الدين شعوب العالم نحو المثل العليا والقيم الرفيعة الخلقية فإذا وجدنا خللا فإن الخلل يتمثل فى الأقلام التى توجهها بعض الدول التى يهمها إثارة القلاقل والفتن فى بعض المجتمعات لتسودها.. ويؤكد الدكتور العراقى:إن الطريق إلى التسامح بين الأديان ليس صعبا كما يتصور البعض، فعالمنا العربى طوال تاريخهم لم يعرف إلا فى أوقات قليلة ومتباعدة ما يسمى بالفتنة الطائفية نعم إنه طريق سهل إذا استفدنا من المؤتمرات الخاصة بالحوار بين الأديان إنها تؤكد التجرد من التعصب الذى يسىء إلى سماحة الأديان السماوية وضرورة الحرص على حق البشرية أن تعيش فى سلام وأن يدرس الشباب أفكار وقيم الأديان الأخرى المنزلة طريق التسامح سهل لأننا نجد الآن من رجال الدين فى كل الأديان أناسا آمنوا بوطنهم وربهم وتجردوا من المصلحة الخاصة ووضعوا مصلحة وطنهم فوق كل اعتبار. إن محاولة المساس بالتسامح والسلام بين الأديان مثل الخنجر المسموم وكيف نتصور مجتمعا واحدا يتفاعل ويتعاون فيه أبناؤه! إن كلمة الأمة من الأم فينبغى أن تكون علاقة الفرد بأمته أو وطنه أو مجتمعه كعلاقته بأمه.. والمعتنق لأى دين من الأديان المنزلة له نفس حقوق الفرد الذى يعتنق دينا آخرا له الحق فى السلام والتعليم وكل الحقوق. التسامح والوطن يقول د. عاطف العراقى إن المحافظة على وطننا دين فى أعناقنا جميعا وبصرف النظر عن الدين الذى يعتقد به كل فرد منا فلنحاول القيام بمراجعة شاملة لكل المجالات التى تدخل فى إطار وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ولنحذف ما يؤدى بطرق ملتوية إلى غرس الحقد فى النفوس والفتنة فى الشعور هذه الطرق لا يسمح بها شرع ولا دين إن، التسامح يؤدى إلى التآلف والتعصب إلى النزاع ويقينى إننا اليوم وأكثر من أى وقت مضى فى أمس الحاجة إلى التأكيد على أهمية التسامح كقيمة عليا تنويرية إن التسامح بين الأديان يجب أن يبقى ويستمر ما بقيت الحياة على كوكبنا الأرضى فالتسامح هو الحياة وهو ركيزة المجتمعات التى تقوم على التعاون. ويتحدث عن عالمنا العربى إنه من آلاف السنين يعيش فوق أرضه أبناء الديانات كلها ولا مكان لمن يتاجر بالدين ويقوم باستغلاله وطننا الإنسانى الكبير الوطن الذى يعيش فيه كل سكان العالم أمانة فى أعناقنا فلا يصح أن يكتفى مواطن بإقامة الشعائر الدينية دون أن يجعل سلوكه معبرا عن الدين فى جوهره. ويأخذنا د. العراقى فى مقالة إلى التنويريين القدماء أمثال «إخوان الصفا» فى الشرق العربى الذين كتبوا من خلال رسائلهم عن التسامح فى الأديان ومفكرين كبار آمنوا بدينهم وربهم ووطنهم مثل «رفاعة الطهطاوى» «محمد عبده» «عبد الرحمن الكواكبى» والأب «جورج قنواتى» والأب «متى المسكين» وغير هؤلاء من المصريين فى مجالات العلم والفكر قديما وحديثا. عناصر الوطنية ومن كتابات الكاتب الكبير «إبراهيم المصرى» كتب عن هذه العناصر:الشعور بالوطنية هو شعور بين أبناء الوطن الواحد بالمشاركة فى عواطف ثلاث: عاطفة تمجيد وهو الشعور بتمجيد الوطن ممثلا فى أروع صفحات ماضيه أى ما بذله أبناؤه من جهود وتضحيات وفيما حققوه من مآثر وعظائم. والعاطفة الثانية: عاطفة ألم وهى الشعور بالألم لما لحق بهذا الوطن فى الماضى من هزائم وما استهدف له فى حياته الطويلة من مخاطر وعذابات. وأما العاطفة الثالثة: فهى عاطفة رجاء وهى الشعور بالرجاء الصادق فى وصل المآثر والعظائم التى حققها الوطن فى الماضى بقوى الحاضر المتيقظ المتثوب تطلعا إلى مستقبل زاهر يمحو الألم واللوعة وتحاول أن تحقق للوطن عزيمة الأحياء. هذه هى العناصر التى تنهض بشعب وتؤكد وجود أمته.