تشهد الفترة الحالية جدلاً مجتمعيًا كبيرًا، حول قضية «الابتزاز»، الذى يمارس على الكثيرين، ويظهر فى عدة صور، هدفها الكسب المادى،أو القيام بأعمال غير مشروعة، وغيرهما، فيما تتباين أنواع الابتزاز ما بين العاطفى، والمادى،والاقتصادى، وحتى الدينى، والإلكترونى،لكن النوع الأخير كان هو الأكثر شيوعًا وجدلاً مؤخرًا. فالابتزاز هو تهديد شخص لآخر، أو فعل شىء لتدميره اجتماعيًا، أو إجباره للقيام بفعل أمر غير قانونى، فالمبتزون أشخاص لديهم خلل فى سلوكهم، ولم تكن هذه الصفة موجودة داخل المجتمعات العربية بهذا الشكل, الفعل الذى تصل عقوبته إلى السجن، أو الغرامة.
نصت المادة 25 من قانون مكافحة جرائم المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على أن عقوبة «الابتزاز الإلكترونى» المتعلقة بالمبتز الذى يسرق المحتوى المعلوماتى الخاص لأى شخص، بالسجن مدة لا تقل عن 6 أشهُر. كما نصت المادة 26 من قانون العقوبات المصرى بالسجن مدة لا تقل عن عامين، ولا تزيد على 5 أعوام للمبتز، ووفقًا لهذه المادة، يعاقب بدفع غرامة 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 300 ألف جنيه، كل من يتعمد استخدام أى من التقنيات التى تخص محتوى شخصى بمحتوى آخر منافٍ للآداب العامة. مفترق طرُق قال الدكتور فتحى قناوى،أستاذ علم الاجتماع وكشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن مشكلة «الابتزاز الإلكترونى» تكمن فى اقتحام حرمة الحياة الخاصة، وهو أمرٌ مُجَرَّم بكل أشكاله فى الأديان والشرائع والقوانين، وهؤلاء الأشخاص لا يفقهون ذلك، حتى أصبحنا فى مفترق الطرق بسبب ابتعادنا عن احترام خصوصية الآخر، ويعتبر ذلك هدمًا لقيم المجتمع والأديان التى تنادى بحرمة الحياة الخاصة. وأضاف «لا بُد أن نفرّق بين الحياة الخاصة والدخول على الحياة الخاصة»، قائلاً: إن المشكلة هنا فيما أصبح شائعًا فى المجتمع، من استخدام خاطئ لوسائل التواصل الاجتماعى بهدف الوصول إلى «التريند»؛ للحصول على المزيد من المشاهدات، متجاهلين القيم والأخلاق، قائلاً: إن الاستفادة هنا أمور دنيوية وأهمها الكسب المادى أو الشكلى، ومنها عرض صور لأشخاص دون إدراك تأثيرها على المجتمع. وأشار أستاذ كشف الجريمة، إلى آخر حادثتين عن الابتزاز الإلكترونى، وهما حالة «معلمة المنصورة» و«انتحار فتاة الغربية»، قائلاً: هما يعبران عن صور فجة لاستغلال الحياة الخاصة، عن طريق إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر ما يخص الآخرين. متسائلاً: هل تحقيق التريند يتم على حساب الأخلاق والصداقة؟، مشيرًا إلى وجود قوانين تحمى تقنية المعلومات، إلا أن الأمر وصل مع البعض إلى حد الغرور، من أجل تحقيق أغراض دنيئة من الضحية التى يبتزها سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا. وأشار قناوى،أستاذ علم الاجتماع، إلى أن الأسُس يجب أن تبدأ من الأسرة ثم يأتى دور الحضانات والمدارس، وما تعلمه للأطفال من محتوى تربوى وأخلاقى. وأكد «قناوى» أن الهدف الأساسى من الحضانات، هو تنمية المهارات لدى الأطفال وميولهم، وليس حشو عقولهم بالكثير من الكلمات والألفاظ. ويرى أستاذ علم الاجتماع، أن الابتزاز فى مراحله يبدأ من تلك السّن الصغيرة، عندما يبكى الطفل لوالديه لكى يُلبيان له رغباته، فهو ابتزاز وفرض رأى على الوالدين، ولذلك يجب معالجة ذلك الأمر منذ الصغر، ثم يأتى دور المدرسة والجامعة. ثم تأتى دور العبادة «المسجد والكنيسة»، والدعاة والقساوسة الذين يحثون على الوصول إلى تعاليم وفهم الدين الصحيح، ومحاولة الوصول للأطفال فى السن الصغيرة وسن الشباب. 700 يوميا منذ عام ونصف العام، دشن مجموعة من الشباب مبادرة أطلقوا عليها اسم «قاوم»؛ لمساعدة الأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز الإلكترونى؛ وذلك من خلال صفحتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى، بعد أن أصبح أمرًا يشكل خطرًا على الكثيرين، ويجعلهم عرضة للانتحار، نتيجة الضغوط النفسية التى تمارس عليهم، من قبل المبتزين والأهل والمجتمع، دون النظر إلى الشخص المعرض للابتزاز بأنه ضحية. وقال محمد اليمانى، مؤسّس صفحة «قاوم»، أن عدد حالات الابتزاز التى وصلته على الصفحة منذ تأسيسها تخطى 400 ألف حالة، بمتوسط 700 حالة يوميًا، مؤكدًا أن تلك الظاهرة المجتمعية تتزايد، موضحًا أن أهم أسبابها هى وجود فجوات داخل الأسر، وقلة الخبرة فى الحياة، مما يجعل الضحايا فريسة سهلة للابتزاز، من شخص يعانى من خلل نفسى أو أخلاقى أو عقائدى،قائلاً إن السيدات أكثر عرضة للابتزاز. وأوضح «اليمانى» أن المبادرة تهدف إلى تقديم الدعم لمن يتعرض للابتزاز، من خلال آليات عمل لكشف المبتز وفضح أمره، وتقديم النصح لأهل الضحايا، وتوضيح طبيعة المشكلة التى يتعرض لها أبناؤهم لمساندتهم، منوهًا إلى أن هناك الكثير من الفتيات أقدمن على إنهاء حياتهن، لما يتعرضن له من شدة الأذى النفسى. وأرجعت الدكتورة مايا مرسى، رئيسة المجلس القومى للمرأة، ازدياد جرائم الابتزاز الإلكترونى، إلى ابتعاد البعض عن استخدام التكنولوجيا فى الهدف الذى صنعت من أجله، بالإضافة إلى الشروط التى باتت تفرضها وسائل التواصل، على المعلومات الخاصة، فأصبح من الصعب الحفاظ على خصوصية الأفراد، ومن السهل قرصنة المعلومات الشخصية. وأشارت مايا مرسى إلى ضرورة سَن المزيد من التشريعات لجرائم تقنية المعلومات، إضافة إلى المزيد من الحملات التوعوية، وبصفة خاصة للسيدات والفتيات اللاتى هن أكثر عرضة للابتزاز؛ لتوعيتهن بكيفية حماية أنفسهن، والحصول على حقوقهن فى حالة تعرضهن لأى شكل من أشكال الابتزاز الإلكترونى.