بكثير من التهكم.. والسخرية الموجعة ردد كثيرون ممن أقاموا بميدان التحرير طوال الأيام الماضية حتي سقط النظام هذه الكلمات رداً علي ادعاء البعض وتشويه لأهداف هؤلاء الشباب النبيل وثورتهم التي ساندها وباركها الشعب كله. وهذا بالفعل ما وجدناه علي أرض الواقع بميدان التحرير.. فهناك الألفة تجمعهم والثورة توحدهم.. واللقمة الهنية بتكفي مية في ميدان التحرير قد تفاجأ بناس لا تعرفهم تمد لك يدهم بعلبة عصير أو كوب شاي أو مأكولات بسيطة عبارة عن ساندوتش فول أو طعمية وأحياناً بجبن وبقسماط. البيزنس الذي يدعيه البعض للسخرية وتشويه أهداف الثوار لا وجود له. ومن لجأ إلي أسلوب البيع كان يهدف إلي توفير احتياجات ضرورية للمقيمين بصفة دائمة في الميدان وكان معظمها من كروت شحن وسجائر وبسكويت.. وعلب كشري. وكان الجميع حريص علي بيعها بسعر التكلفة وبأسعار أقل من سعرها في الأسواق. ويقول أحمد علي - مدرس لغة فرنسية -34 سنة: الميدان مش مولد لكن البيع والشراء هنا شيء طبيعي، لأنه مفيش لا كنتاكي ولا غيره، وهناك ناس غير قادرة علي الذهاب إلي أي سوبر ماركت فيه شخص عايز سجاير ما المانع من وجودها في الميدان وبيعها لمن يريد، لأن السجاير لن يتم توزيعها مجاناً علي الناس، حالة الحب الموجودة بين الناس هنا قللت من عمليات البيع والشراء أو الاستغلال، لكن ما كان موجوداً هو محاولة الجميع لتوفير قدر من الراحة للآخرين خاصة أنهم جميعاً كانوا ينتظرون الموت في سبيل تحقيق هدفهم. وقال مشرف عثمان من المنصورة: ما يحدث في ميدان التحرير ثورة، والثورة مش لازم يبقي فيها تجارة وشاي، هناك أشخاص كثيرون في الميدان لا يتناولون الطعام طول اليوم، وهناك من امتنع عن شرب الشاي والسجاير حتي لا يلوث هذه الثورة بأعمال الكيف والمزاج ويقول مشرف أنا أقيم في الميدان منذ سبعة أيام وأقسم أنني لم أتناول خلالها كوب شاي واحد ولا أتناول غير وجبة واحدة يومياً، حتي أستطيع الوقوف علي قدماي للوصول بالثورة إلي بر الأمان. أما أحمد عزوز من بني سويف مشارك في الثورة من يومها الأول يقول تركت اللذات حتي نحصل علي الحرية ونتخلص من الظلم، فعلي مدار الأيام الماضية لم أتناول في طعامي غير النواشف ونحن علي استعداد تام لأكل أوراق الشجر، أو الصيام أو الامتناع عن الأكل والشرب حتي تتحقق مطالبنا. وأضاف عزوز؛ قمنا بطرد بعض البائعين ممن كانوا يقومون بالبيع لأننا في حالة حداد تام، ليس لدينا قدرة علي الأكل والشرب بل إننا ربطنا الأحزمة علي بطوننا حتي يتحقق لنا ما نريد، وحتي ينتهي الفقر والفساد والرجعية، ونشعر بكرامتنا وآدميتنا المفقودة من سنوات طويلة. وأضاف عزوز إنه لديه زوجتان تركهما وذهب إلي الميدان رافضاً الذهاب إليهما حتي يتم التحرر، وانتهاء عدوان الحزب الوطني علي مصر، وحتي ينتهي ظلم البلطجية. وأنا أتجول في أرض ميدان التحرير سمعت صوتاً من بعيد بيقول: بيقولوا علينا شباب كنتاكي.. ولا كنتاكي ولا دولارات إحنا بتوع البقسمات. محمد جمال تم اعتقاله من يوم 25 يناير لمدة عشرة أيام، قال كنا نتناول «عيش ناشف» وجبن أثناء الاعتقال، وكنا أكثر من 50 شاباً في غرفة واحدة، ما رأيته خلال فترة الاعتقال يجعلني لا أفكر في لذة أو أكل أو شرب لكن الأمور بتمشي لوحدها، ولو نظرت حولك ستجد شباباً وفتيات ورجالاً ، سيدات كثيرين يقومون بتوزيع الأكل والعصائر والشاي علي الشباب ربنا هو الذي يطعمنا، وهو الذي أمننا من الخوف فزال الجوع، وهرب الخوف ولم يبق أمامنا إلا الصبر والصمود. وعن البائعين قال هؤلاء ليسوا باعة متجولين ولكنهم أشخاص وشباب تركوا أعمالهم، من أجل الثورة وفيه ناس تركت بيوتها دون مال، ولا يوجد معهم أي فلوس فما المانع لو قاموا ببيع بعض البضائع في الميدان، مادام الناس سيشترونها من أي مكان. وفي أرض الميدان الواسعة التقيت ب«أيمن بسيوني» 30 سنة يبيع كروت الشحن للثوار، قال لست تاجراً فأنا أعمل بالسعودية ولكن عندما عدت إلي مصر حدثت الثورة فقررت أن أكون من المشاركين فيها فجئت إلي ميدان التحرير وفيه وجدت حالة من التلاحم والانصهار موجودة بين كل الطوائف والأعمار، لم أكن أعرف أن مصر بهذا الجمال وحجمها كبير بهذا الحد، لدرجة أربكت كل توازنات العالم، جئت لأري من يزايد علي من ، ورأيت هنا شباباً ورجالاً من كل المحافظات منهم الغني والفقير، المتعلم والحرفي والمزارع، لأن الظلم طايل الجميع، ومع ذلك مشيت وسط الناس، وسمعت شخصاً بيكلم أسرته في محافظات أخري، وهناك من انتهي رصيده التليفوني وهو في حاجة إلي أن يطمئن علي أسرته ويطمئنها عليه، فبدلاً من الذهاب للبحث عن كروت شحن أو سنترال قمت بتوفير هذه الكروت للمحتاجين إليها دون البحث عن ربح، بل إن هناك العديد من الكروت قمت ببيعها للآخرين بنفس ثمنها دون قرش واحد زيادة، وهناك من أخذ كروتاً دون دفع ثمنها لأنه لا يمتلك ومع ذلك لا يهم المال، ولذا قمت بعملية البيع هذه لمساعدة الناس وعدم تحميلهم مشاق جديدة في البحث عن احتياجاتهم الصغيرة في سبيل تحقيق هدفهم الكبير. وتقول آية 19 سنة طالبة بكلية الإعلام بإحدي الجامعات الخاصة: هذا الميدان للشرفاء والأطهار وهم لا يبحثون عن أرباح أو مكاسب، الجميع يقدم ما يملك للآخرين، لكن هناك أشخاص لا يستطيعون التبرع وهناك آخرون يحتاجون للخدمات فما المانع من أن يقدم البعض خدماته للمحتاجين إليها بأجر، الناس هنا يساعد بعضهم البعض، والشعب المصري محترم نحن نزلنا إلي ميدان التحرير حتي نعرف الحقيقة وما وجدناه هنا غير ما يقوله الإعلام تماماً، ولذا ما المانع لو استمرت الحياة هنا وقام الناس بالبيع والشراء، وما المانع لو قاموا بأعمالهم في أرض الميدان، فهنا عائلات وأطفال في حاجة إلي طعام ومشروبات لو وفرنا لهم هذه الأشياء لأرحناهم من عناء ومشقة البحث عنها، وأنا علي ثقة أن الجميع بيضحي ويبذل ما في وسعه دون حاجة إلي مال، أو شكر ما المانع من بيع كوب شاي ثمنه لا يتعدي جنيهاً يعني أرخص من أي قهوة، وأضافت إن الناس الموجودين هنا لا يبحثون عن أهداف مادية، الأهم بالنسبة لهم الأهداف المعنوية ولا يوجد استغلال.