فى هذا الشهر من كل عام، ينتعش وجداننا بذكرى أكتوبر العطرة، ويهفو إلى النفس ذكريات جميلة. أبطالها أجمل، ويرفرف فى قلوبنا علم مصر الذى حمله جندى طاهر بجسده المخضب بدماء العزة والكرامة.. الكرامة التى حصلنا عليها استحقاقا، كأقل مكافأة لمعركة الصبر التى خاضها الشعب والجيش معا خطوة بخطوة. لم تحصل مصر على الإشادة من منطقتها العربية فقط، ولا حتى من دول الغرب وحسب. بل استطاعت بانتصارها وقوتها أن تستفز قادة من قلب إسرائيل نفسها، ليشهدوا باعترافات ستحفر فى التاريخ، وسيقرأها شباب لم يع على تلك الأمجاد. وها نحن فى ذكرى حرب الأبطال، وبعد مرور 44 عاما نرصد اعترافات هؤلاء القادة، خاصة بعد التسريبات الأخيرة، التى خرجت من مبنى الدفاع الإسرائيلى نفسه حول «أكتوبر». تسللت مؤخرا أسرار ووثائق من وزارة الدفاع الإسرائيلية، حول حرب أكتوبر، تناقلتها صحيفتا معاريف، وإيديعوت أحرونوت. أبرز تلك الأسرار: أن موشيه دايان قرر الانسحاب من الجولان فى ثانى أيام حرب أكتوبر، تحت وطأة الهجوم السورى، وأن عشرات الجنود الإسرائيليين قتلوا وأصيبوا بنيران صديقة. ومن بين الأسرار، أن المخابرات المصرية اخترقت الحكومة الإسرائيلية، ودست معلومات مضللة على جولدا مائير، وأعدت أيضا كتابا يحتوى على أسماء وصور كل الضباط الذين كانوا يخدمون بجيش الاحتلال الإسرائيلى بدءا من رئيس الأركان حتى رتبة رائد ووزعته على خطوط الجبهة. تأكد هذا فى كتاب أصدره هذا العام الجنرال إسحق حوفى- قائد اللواء الشمالى لجيش الاحتلال الإسرائيلى- عن وصول وزير الحرب وقتها، موشيه دايان تحت ضغط مفاجأة الضربة العربية، إلى خيار الهرب والفرار من هضبة الجولان السورية فى ثانى أيام الحرب، قبل أن يستعيد الزمام ويأمر بضرب دمشق. ويحكى الكتاب أن ديان وصل إلى قيادة الجبهة فى وقت مبكر من صباح يوم الأحد، السابع من أكتوبر، وأبلغ الجنرال إسحق حوفى أنه يعتزم الانسحاب من هضبة الجولان. حدث هذا إثر إصابته بالصدمة من قوة الهجوم السورى فى هضبة الجولان، وأنه فى اليوم الثانى للحرب، أى فى 7 أكتوبر، تصرف بطريقة دلت على شبه يأس وتفكير جدى فى الانسحاب من الجولان، وبناء خط دفاعى على حدود خط الهدنة. وبالفعل أمر فى 7 أكتوبر بالانسحاب من الجولان، وبإقامة خطوط دفاعية على الحدود القديمة «خط الهدنة» عند مجرى نهر الأردن، والاستعداد لتدمير الجسور حتى لا يجتازها الجيش السورى نحو إسرائيل، وفى الوقت نفسه أمر بإعداد خطة هجوم مضاد وعندما مرت ثلاث إلى أربع ساعات على هذا الموقف شعر ديان بأن وضع قواته بدأ يتحسن فأحدث انعطافا حادا فى موقفه فأمر عندها بقصف العاصمة السورية دمشق، وبعدها تراجع عن رأيه. (حاييم هيرتزوج) اعترف حاييم هيرتزوج رئيس دولة إسرائيل الأسبق، فى مذكراته عن الحرب قائلا: «لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل السادس من أكتوبر، فتعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم، وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا، لقد كانوا صبورين كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يقولون ويعلنون الحقائق تماما حتى بدأ العالم الخارجى يتجه إلى الثقة بأقوالهم وبياناتهم. (اعترافات دايان) (زلزال).. هذا هو المسمى الذى وصف به موشيه دايان وزير دفاع إسرائيل الأسبق وقع حرب أكتوبر عليهم، فقد قال : إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وأن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين. ويكمل: «أظهرت الحرب أننا لسنا أقوى من المصريين، وأن هالة التفوق والمبدأ السياسى والعسكرى القائل بأن إسرائيل أقوى من العرب وأن الهزيمة ستلحق بهم إذا اجترأوا على بدء الحرب، مبدأ لم يثبت، كانت نظريتى أن إقامة الجسور ستستغرق منهم طوال الليل، وأننا نستطيع منع هذا بمدرعاتنا، ولكن تبين لنا أن منعهم ليست مسألة سهلة، وقد كلفنا جهدنا لإرسال الدبابات إلى جبهة القتال ثمنا غاليا جدا، فنحن لم نتوقع ذلك مطلقا». (صدمة جولدا مائير) أما جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل خلال حرب أكتوبر، فقد عبرت عن صدمتها وإحباطها من مفاجأة الحرب قائلة: إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا فى سيناء، وتوغل السوريون فى العمق على مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين.. وكان السؤال المؤلم فى ذلك الوقت هو: هل نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيئ أم لا، الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكرى، بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع، قاسيت منه أنا نفسى، وسوف يلازمنى مدى الحياة. (أهارون ياريف) وتتواصل الاعترافات على لسان أهارون ياريف مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق الذى اعترف عام 1974 أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين، بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، وحينما سئل السادات هل انتصرت فى الحرب؟ أجاب: انظروا إلى ما يجرى فى إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة على هذا السؤال». (عساف ياجوري) أما عساف ياجورى قائد لواء مدرعات، والذى أسره ضابط مصرى، فقد اعترف فى صحيفة معاريف الإسرائيلية عام 1975: «حائر أنا وحيرتى بالغة، كيف حدث هذا لجيشنا الذى لا يقهر وصاحب اليد الطولى والتجربة العريضة؟ كيف وجدنا أنفسنا فى هذا الموقف المخجل؟ أين ضاعت سرعة حركة جيشنا وتأهبه الدائم؟ (وزير خارجية إسرائيل) أما أبا ابيان وزير خارجية إسرائيل خلال حرب أكتوبر، فقال: «طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر، لذلك ينبغى ألا نبالغ فى مسألة التفوق العسكرى الإسرائيلى، بل على العكس، هناك شعور طاغٍ فى إسرائيل الآن بضرورة إعادة النظر فى علم البلاغة الوطنية، علينا أن نكون أكثر واقعية وأن نبتعد عن المبالغة. (ناحوم جولدمان) وعن ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية الأسبق، الذى اعترف فى كتابه إلى أين تمضى إسرائيل؟ بأن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا، حوالى خمسة مليارات دولار، وأحدثت تغييرا جذريا فى الوضع الاقتصادى لإسرائيل، التى انتقلت من حال الازدهار التى كانت تعيشها قبل عام.. وأضاف قائلا: «غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التى حدثت على الصعيد النفسى، لقد انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم». (زئيف شيف) وفى كتاب آخر كتبه زئيف شيف المعلق العسكرى الإسرائيلى بعنوان «زلزال أكتوبر» اعترف فيه: «هذه أول حرب للجيش الإسرائيلى، يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال، ويحتاجون إلى علاج نفسى، هناك من نسوا أسماءهم».. لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة فى حرب يوم عيد الغفران وفى تحقيق نجاحات عسكرية. كما أثبتت هذه الحرب أن على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربى، فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا. لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح أسئلة هل نعيش على دمارنا إلى الأبد هل هناك احتمال للصمود فى حروب أخرى». (يشيعيا جافيتش) وذكر الجنرال الإسرائيلى (يشيعيا جافيتش)، بالنسبة لإسرائيل ففى نهاية الأمر انتهت الحرب دون أن نتمكن من كسر الجيوش العربية، لم نحرز انتصارات، لم نتمكن من كسر الجيش المصرى أو السورى على السواء. ولم ننجح فى استعادة قوة الردع للجيش الإسرائيلى، ولو قيمنا الإنجازات على ضوء الأهداف، لوجدنا أن انتصار العرب كان أكثر حسما، ولا يسعنى إلا الاعتراف بأن العرب قد أنجزوا قسما كبيرا للغاية من أهدافهم، فقد أثبتوا أنهم قادرون على التغلب على حاجز الخوف والخروج إلى الحرب والقتال بكفاءة، وقد أثبتوا أيضا أنهم قادرون على اقتحام مانع قناة السويس، ولأسفنا الشديد فقد انتزعوا القناة من أيدينا بقوة السلاح».