برزت الصين باعتبارها واحدة من أكبر اللاعبين الاقتصاديين فى القارة السمراء، باستثماراتها الكثيفة فى البنية التحتية، وحضورها القوى فى الكثير من بلدانها وهى واضعة عينيها على وقودها ومواردها. الأمر الذى أكده تقرير وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» عام 2012، كاشفاً أن بكين هى الأكثر حضوراً فى العالم فى أنشطة التجسس الاقتصادى بالمنطقة. فجهاز المخابرات الصينى متسلل بقوة تحت غطاء اقتصادى وتجارى بالقارة السمراء وذلك بفضل الكثير من شركات الاتصالات والاستثمار المختلفة. كما أنه بدأ فى التوسع فى شكل مساعدات عسكرية بهدف السيطرة على الموارد الاستراتيجية وطرق التجارة الدولية بها، فهناك مصالح أمنية فى أفريقيا هامة للصين، خاصة فى المناطق المطلة على الممرات المائية، مثل السودان، وإثيوبيا، وإرتيريا، والصومال. ووفقاً لمجلة «ساوث والد» البريطانية، تعد وزارة أمن الدولة الصينية التى يرمز لها ب(MSS)أو تعرف باسم (Guoanbu)، بالصينية، بمثابة جهاز الاستخبارات التابع للحكومة الصينية والذى يقود عمليات الاستخبارات الداخلية والخارجية أيضاً. وبدأ الجهاز العمل فى «أرض الأمل» كما أطلقت عليها وكالة «شينخوا» الإخبارية الصينية، منذ أوائل ستينيات القرن الماضى، فى أعقاب رحلة تاريخية قام بها «تشو أنلاى» أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية، إلى 10 دول أفريقية مستقلة حديثاً، فى الفترة من ديسمبر 1963 إلى يناير 1964. ومنذ أن أصبحت الصين من كبريات القوى الاقتصادية العالمية، انتشر دور استخباراتها فى المجال الاقتصادى الأفريقى، وعملت بهدوء على زيادة وجودها العسكرى فى القارة من خلال توسيع المساعدات العسكرية. وفى عام 1998، تم تأسيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية (PLA) لإعداد الأساس للسياسة الدفاعية الجديدة تجاه أفريقيا، وحينها نصحت بضرورة زيادة مبيعات الأسلحة إلى البلدان الأفريقية بقوة فضلاً عن تكثيف البرامج التدريبية للقوات المسلحة فى كل من (أنجولا وموزمبيق ونيجيريا وغانا وبوتسوانا وناميبيا وزيمبابوى والكونغو برازافيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون وغامبيا وبوروندى وتوجو) لمواجهة الولاياتالمتحدة وبرامج التدريب الغربية الاستخباراتية الأخرى فى القارة. وفى يوليو 1999، تم عقد اجتماع بين الأجهزة الأمنية المختلفة فى الصين (المدنية والعسكرية التى يمكن تقسيمها إلى تلك التابعة للحزب الشيوعى وتلك التى تديرها الدولة) من أجل مناقشة العمليات الاستخباراتية فى أفريقيا، وتلعب أيضاً وزارة التجارة (MOFCOM) مع جبهة العمل (UFWD) التابعة للحزب الشيوعى الصينى، وإدارة العلاقات الدولية، دوراً مهماً وفى عملية الاستخبارات لامتلاكها أكبر وحدات جمع المعلومات الاستخبارية الاقتصادية والتجارية والمالية فى العالم. كما أن جبهة العمل هى المسئول عن الحفاظ على العلاقات مع 170 جمعية تضم المغتربين الصينيين فى أفريقيا. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، وسّعت الاستخبارات الصينية نفوذها فى عدد من الدول الأفريقية، مثل أنجولا، من أجل مساعدة شركات النفط الصينية التى أبدت اهتماماً كبيراً بقطاع النفط الأنجولى، وكثفت أنشطتها أيضاً فى غينيا بيساو، للسيطرة على العلاقات بين تايوان وغامبيا، والسنغال، كما كان لها أثر بارز فى النيجر بالحفاظ على العلاقات بين بوركينا فاسو وتايوان وبقائها تحت السيطرة ورصد الحركات الإسلامية التى يدعى أنها ترتبط بمنطقة «الإيغور» فى شينجيانج الصينية. ويوجد حالياً ما لا يقل عن 4 مراكز للتنسيق الإقليمى تهتم بها وزارة الأمن الصينية فى أفريقيا هى: السودان ونيجيريا وأنجولا وجنوب أفريقيا؛ فجميع هذه البلدان هى موطن للوفود الدبلوماسية المهمة لبكين، ووكلاء وزارة الأمن الصينية. بالإضافة إلى السفارات المحلية الصينية، ويمكن لشبكة مخابراتها الاعتماد على المغتربين الصينيين الذين يعيشون ويعملون فى أفريقيا، وعلى الشركات الصينية العاملة فى مجال النفط بالقارة، فمنذ أن أنشأت الشركات الصينية المبانى الحكومية الرئيسية فى الكثير من البلدان الأفريقية، بما فى ذلك مقر «الاتحاد الأفريقى» الجديد فى أديس أبابا، باتت هناك أسباب معقولة للاشتباه فى وجود ميكروفونات وأجهزة تجسس أخرى مخفية فى هذه المبانى، واثنين من اللاعبين الصينيين الرئيسيين فى مجال الاتصالات على صلة بعمليات التجسس داخل القارة، ومن بينها شركة (ZTE)، و(huawei) التى تعمل فى مصر وعدة دول أفريقية أخرى، حيث يقومان ببناء البنية التحتية للاتصالات فى تلك البلدان، والشركة الأخيرة، تركز استثماراتها فى البلدان الأوروبية والشرق الأوسط وأفريقيا، والتى زادت إيراداتها بنسبة 9.4% عام 2014 إلى ما يعادل 13.6 مليار دولار، وهو ما يزيد على إيراداتها من آسيا والأمريكتين. ولم يقتصر الاختراق والتجسس على القارة السمراء فقط، بل امتد إلى نظام الاتصالات المغلق للأمم المتحدة. ويقوم هذا المركز بالتنصت على المكالمات الفرنسية والرسائل النصية التى يتم خلالها تبادل العقود الكبيرة فى النفط والمعادن، ويظهر من خلال البحث والتحقيق أن هوائيين اثنين يستخدمان للتنصت المتواصل على أفريقيا والشرق الأوسط، فأجهزتها موجهة نحو الغرب ليلتقط إشارات القمر الصناعى «إنمارسات» وهو نظام آخر للاتصالات يمكّن الصين من تغطية منطقة غرب أفريقيا، وجزء كبير من أمريكا اللاتينية التى تعتبر إحدى أهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة إلى اقتصادها.•