الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة لمناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت    البنتاجون: أمريكا لم تتلق إخطارا مسبقا عن الضربة الإسرائيلية في بيروت    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    هيئة الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأسبوع الجاري    مايكروسوفت تتصدى لهلوسة الذكاء الاصطناعي    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي.. تعرف على موعد الجنازة    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    «الأصيلة المحترمة».. مجدي الهواري يوجه رسالة رومانسية لزوجته دنيا عبدالمعبود    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    من الأطباء إلى أولياء الأمور.. «روشتة وقائية» لعام دراسي بلا أمراض    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    إعلام عبري: صفارات الإنذار تدوي في صفد ومحيطها    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    تراجع سعر الطماطم والخيار والخضار في الأسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    ارتفاع أسعار النفط عقب ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    بمقدم 50 ألف جنيه.. بدء التقديم على 137 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غدا    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    الأنبا بولا يلتقي مطران إيبارشية ناشفيل    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    عاجل - قصف إسرائيلي جديد على الضاحية الجنوبية في بيروت    جيش الاحتلال: سنهاجم الضاحية الجنوبية في بيروت بعد قليل    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرتد بين القتل.. والعفو!
نشر في صباح الخير يوم 30 - 06 - 2015


كتب - د.سعد الدين الهلالي
ريشة - إبراهيم عبد الملاك
هى بالفعل القضية الأكثر سخونة هذه الأيام..
الجماعات الإرهابية تستخدم الدين وسيلة لفرض سيطرتها على العقول معتمدة على الجهل بالدين نفسه.. هم يستخدمون أحكاماً فى الدين لا يعرفها العامة.. والمرأة من أكثر القضايا التى شغلت الكثيرين فى الآونة الأخيرة.
وصباح الخير بدأت نشر أخطر بحث للدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر عن هذه القضية. واليوم نكمل نشر هذا البحث الخطير..

المبحث الثانى
الآثار المترتبة على احتساب الأدلة النصية فى الردة أحكام شرعية عملية
إن الذين احتسبوا الأدلة النصية فى الردة أحكامًا شرعية عملية ليسوا سواء، فقديمهم يستند إلى مدرسة أصولية ظاهرة كابن حزم الأندلسى، الذى ارتضى أن يكون منهج فكره المستقيم فى جل المسائل على وفق منطوق الشارع فى مثل قوله تعالى: «فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر» (النساء: 59) وقوله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر: 7) وفى مثل ما أخرجه الشيخان عن عائشة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد». وفى رواية لمسلم عنها بلفظ: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
وأما المحدثون الذين احتسبوا الأدلة النصية فى الردة أحكاما شرعية عملية فيستندون إلى مدرسة الصيد المحقق للغرض دون منهج فقهى منضبط يمكن الرد عليه حين الحيد عنه.
وقد ترتب على احتساب الأدلة النصية فى الردة أحكاما شرعية عملية أثران مبنيان على اتجاه الأدلة فى ذكر العقوبة الدنيوية بها أو عدم ذكرها. ونوضح ذلك فى المطلبين الآتيين:
المطلب الأول
تقدير القتل حدًّا للردة
يرى الأقدمون ممن يعد الأدلة النصية أحكامًا شرعية عملية أن عقوبة القتل هى الحد المقدر شرعًا للردة مستندين فى ذلك إلى ظاهر الأدلة الصحيحة من السنة المبينة لهذا الحد، مما سبق ذكره فى المبحث الأول، ومنه حديث البخارى عن ابن عباس، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من بدل دينه فاقتلوه». وحديث الصحيحين عن ابن مسعود، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث». وذكر منها: «التارك لدينه المفارق للجماعة».
وأجاب أصحاب هذه الاتجاه على الأدلة النصية- فى القرآن والسنة- التى قبحت الردة ولم تذكر لها عقابًا دنيويًّا بأنها لا تتعارض مع الأدلة المبينة لعقوبة القتل بناء على منطق تكامل الأدلة.
والقول بحدية القتل للردة يوجب أحكامًا بعضها لوظيفة الفاعل (المرتد) وبعضها لوظيفة العقوبة (حد القتل). ونوجز ذلك فيما يلى:
أولا: الأحكام الوظيفية لفاعل الردة
لا يرى الظاهرية الردة إلا من شخص توفرت فيه ثلاثة شرائط، ترجع إلى تكليفه واتصافه بالردة، كما يلى:
(1) أن يكون مكلفاً بالبلوغ والعقل؛ لما أخرجه ابن حبان وابن ماجة والنسائى وأحمد وأبو داود عن عائشة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
وأخرجه ابن حبان وأحمد وابن ماجه والترمذى وحسنه، عن على بن أبى طالب بلفظ: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم».
(2) أن يكون مختارًا غير مكره؛ لقوله تعالى: «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان» (النحل: 106) وما أخرجه ابن حبان وابن ماجة والدارقطنى، عن ابن عباس، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». كما أخرجه ابن ماجه عن أبى ذر الغفارى وعن أبى هريرة بألفاظ قريبة.
(3) أن يصح عنه أنه كان مسلمًا متبرئاً من كل دين حاشا دين الإسلام، فإن لم يكن كذلك لم يجب عليه حد الردة.
وقد ذكر ابن حزم من أمثلة هؤلاء الذين لا ينطبق عليهم حكم الردة: أصحاب مسيلمة الكذاب، فقال: «فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط لا يختلف أحد فى أنهم تقبل توبتهم وإسلامهم».
ثانياً: الأحكام الوظيفية لحد الردة
يترتب على ثبوت حد الردة بعض الوظائف المتعلقة به؛ لحمايته، ونوجزها فيما يلى:
(1) عدم تعليق حد الردة على الاستتابة:
يرى الظاهرية وجوب إقامة حد الردة على المرتد إذا لم يرجع إلى الإسلام دون وجوب استتابته، ولكن لا يحال بينه وبين ذلك، وأنه لا برهان لمن قال باستتابة المرتد أكثر من مرة فإن هذا يفتح بابًا لا ينتهى من التكرار.
يقول ابن حزم: «نحن لم نمنع من دعائه -أى المرتد - إلى الإسلام فى خلال ذلك دون تأخير لإقامة الحق عليه ولا تضييع له. وإنما كلامنا هل يجب دعاؤه واستتابته فرضًا أم لا؟ فهنا اختلفنا فأوجبتموه بلا برهان ولم نوجب نحن ولا منعنا. فإن قلتم ندعوه مرة بعد الدعاء الأول السالف لم تكونوا بأولى ممن قال بل ادعوه مرة ثانية أيضًا بعد هذه المرة، أو ممن قال بل الثالثة بعد الثانية، أو ممن قال بل الرابعة بعد الثالثة، وهكذا أبدًا. فبطل بلا شك ما أوجبتم فرضًا من استتابته مرة واحدة فأكثر».
ويستدل ابن حزم الظاهرى على عدم وجوب استتابة المرتد بما أخرجه الشيخان من حديث أبى موسى الأشعرى، أن معاذ بن جبل لحق به إلى اليمين من قبل النبى، صلى الله عليه وسلم،، فوجد رجلا موثقًا، فسأل عنه، فقال أبو موسى: إنه كان يهوديًّا فأسلم ثم تهود. قال معاذ: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله فأمر به فقتل.
(2) عدم درء حد الردة بالشبهة إذا أثبت بغير الشبهة
يقول ابن حزم: «إنه لا يحل درء حد بشبهة ولا إقامته بشبهة فى دين الله تعالى، وإنما هو الحق واليقين فقط. ويكفى من بطلان قول من قال: «ادرءوا الحدود بالشبهات» أنه قول لم يأت به قرآن ولا سنة، وإنما جاء القرآن والسنة بتحريم دم المسلم وبشرته حتى يثبت عليه حد من حدود الله تعالى، فإذا ثبت لم يحل درؤه أصلا، فيكون عاصيًا لله تعالى».
(3) عدم الشفاعة لإيقاف حد الردة
يقول ابن حزم: «لم يأت نص ولا إجماع بأن لإنسان حكمًا فى إسقاط حد من حدود الله تعالى، فصح أنه لا مدخل للعفو فيه».
ويدل على عدم جواز الشفاعة فى الحدود: ما أخرجه الشيخان عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله، صلى الله عليه وسلم،؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: «أتشفع فى حد من حدود الله». ثم قام فاختطب، ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
المطلب الثانى
ترك الردة عفواً فى الدنيا بغير عقوبة
يرى المحدثون الذين يعدون الأدلة النصية أحكامًا شرعية عملية أن الردة عفو فى أحكام الدنيا لا عقوبة لها مقدرة من قبل الشارع. ونذكر فيما يلى دليل أصحاب هذا الاتجاه، واعتذارهم عن أدلة تقدير عقوبة الردة، وما يترتب على قولهم من آثار.
أولا: دليل ترك الردة عفوًا فى الدنيا بغير عقوبة
استند أصحاب هذه الاتجاه إلى ظاهر الأدلة القاطعة فى القرآن الكريم التى تعرضت لذكر الردة دون ترتيب عقوبة دنيوية لها، مع ما تقرر فى علم الأصول أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة بالإجماع؛ إلا على قول من يجوز التكليف بما لا يطاق.
وقد أجيب عن هذا المستند بأجوبة كثيرة، منها:
(1) أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ لأنه تكليف بما لا يطاق. وأما تأخير البيان عن وقت الخطاب فالصحيح عند أكثر الأصوليين جوازه.
(2) لا نسلم بتأخير بيان عقوبة الردة عن وقت الحاجة؛ لأن الآيات التى أوردت ذكرها دون تقدير لعقوبتها فى الدنيا قد قامت السنة الصحيحة ببيانها فى حينها، كما قال تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون» (النحل : 44) ومن هذا البيان حديث ابن عباس الذى أخرجه البخارى: «من بدل دينه فاقتلوه».
(3) أن القرآن الكريم قد بين عقوبة القتل للردة فى سورة «الفتح»، فلا وجه للإطلاق بأن الآيات القرآنية التى تعرضت للردة لم تقدر عقوبتها فى الدنيا. وذلك فى قوله تعالى: «قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون» (الفتح :16) وذلك على القول إن المراد من «قوم أولى بأس شديد» أنهم بنو حنيفة الذين ارتدوا فى أخريات حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهم أهل اليمامة قوم مسليمة الكذاب.
قلت: وهذا جواب ضعيف؛ لسببين:
السبب الأول: أن المفسرين اختلفوا فى هؤلاء القوم الذين هم أولو بأس شديد على أقوال، ذكر منها ابن كثير ثمانية وهى: (1) أنهم هوازن، وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة. (2) أنهم ثقيف، وهو قول الضحاك. (3) أنهم بنو حنيفة، وهو قول جويبر والزهرى، وروى مثله عن سعيد وعكرمة. (4) أنهم أهل فارس، وهو قول ابن عباس، وبه يقول عطاء ومجاهد وعكرمة فى إحدى الروايات عنه. (5) أنهم الروم، وهو قول كعب الأحبار. (6) أنهم فارس والروم، وهو قول ابن أبى ليلى وعطاء والحسن وقتادة. (7) أنهم أهل الأوثان، وهو قول مجاهد. (8) أنهم رجال أولو بأس شديد دون تعيين، وهو قول ابن جريج وروى عن مجاهد، واختاره ابن جرير.
السبب الثانى: على التسليم بأن هؤلاء القوم المشار إليهم فى آية الفتح هم بنو حنيفة وهم أهل اليمامة قوم مسليمة الكذاب، فهؤلاء لا تجرى عليهم أحكام الردة، بل هم حربيون لم يسلموا قط- كما نص على ذلك ابن حزم - ومن شروط أحكام الردة سبق صحة الإسلام.
ثانيا: اعتذار التاركين لعقوبة الردة فى الدنيا عن الأدلة المقدرة لعقوبتها
اعتذر التاركون لعقوبة الردة فى الدنيا عن الأدلة المقدرة لعقوبتها بعدة أوجه، من أهمها الأوجه الخمسة الآتية:
(1) الوجه الأول: أن الأدلة المقررة لعقوبة الردة فى الدنيا من الآحاد.
حيث إن معتمد الأدلة المقررة لعقوبة الردة هو حديث البخارى عن ابن عباس مرفوعا: «من بدل دينه فاقتلوه»، وحديث الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث..... التارك لدينه المفارق للجماعة». قالوا: وخبر الآحاد ليس حجة فى إثبات الحدود؛ لابتناء ثبوتها على القطع، ودرئها بالشبهة عند أكثر أهل العلم. ويرى الحنفية عدم الاحتجاج بخبر الآحاد فى الفرائض. وأجيب عن ذلك بما يأتى:
(1) لا نسلم بأن الأدلة المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا من الآحاد، بل هى من الأحاديث المستفيضة التى تكون حجة فى الحدود، فقد جاء الحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» فى «صحيح البخارى» عن ابن عباس، وفى «الطبرانى» بإسناد حسن عن أبى هريرة، وبسند رجاله ثقات عن معاوية بن حيدة، وبسند فيه أبو بكر الهذلى -وهو ضعيف -عن عائشة. فهذا التعدد فى طرق الرواية يقترب بالحديث من معنى الحديث المستفيض ويرفعه درجة عن خبر الآحاد المحض.
وخبر الآحاد- كما يقول الآمدى- هو «ما كان من الأخبار غير منتهٍ إلى حد التواتر. وهو منقسم إلى ما لا يفيد الظن أصلا، وهو ما تقابلت فيه الاحتمالات على السواء، وإلى ما يفيد الظن، وهو ترجح أحد الاحتمالين الممكنين على الآخر فى النفس من غير قطع. فإن نقله جماعة تزيد على الثلاثة والأربعة سمى مستفيضًا مشهورًا».
وقال ابن أمير الحاج: «من خبر الآحاد قسم يسمى المستفيض، وهو عند بعضهم ما رواه ثلاثة فصاعدًا أو ما زاد عليها، وهو المذكور لابن الحاجب. وقال أبو اسحاق الشيرازى: أقل ما تثبت به الاستفاضة اثنان. وقال السبكى: والمختار عندنا أن المستفيض ما يعده الناس شائعًا وقد صدر عن أصل ليخرج ما شاع لا عن أصل، وربما حصلت الاستفاضة باثنين. وجعله الأستاذ الإسفرايينى وابن فورك واسطة بين المتواتر والآحاد، وزعما أنه يقتضى العلم نظرًا والمتواتر يقتضيه ضرورة. ورده إمام الحرمين بأن العرف لا يقتضى القطع بالصدق فيه وإنما قصاراه ظن غالب».
(2) القول إن الحنفية لا يحتجون بخبر الآحاد فى الفرائض مردود بما ذكره ابن أمير الحاج من أن الخبر المشهور عند الجصاص وجماعة من الحنفية يرونه قسمًا من المتواتر، وعامتهم على أن المشهور قسيم للمتواتر، فالآحاد ما ليس أحدهما. وقال ابن عقيل فى حجية خبر الواحد فى إثبات الحدود: «اختلف أصحاب أبى حنيفة، فعن أبى يوسف أنه يقبل، وهو اختيار أبى بكر الرازى، وحكى عن الكرخى أنه لا يثبت به حد ولا ما يسقط بالشبهة».
(3) على التسليم بأن الأحاديث المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا من الآحاد فإن جمهور الفقهاء يرى حجية العمل بها إذا صح سندها لا فرق فى ذلك بين الحدود وغيرها. يقول الآمدى:
«والمختار حصول العلم بخبر الواحد العدل إذا احتفت به القرائن».
ويقول الآمدى فى موضع آخر: «المسألة الثامنة: اتفقت الشافعية والحنابلة وأبو يوسف وأبو بكر الرازى من أصحاب أبى حنيفة وأكثر الناس على قبول خبر الواحد فيما يوجب الحد وفى كل ما يسقط بالشبهة، خلافًا لأبى عبد الله البصرى. ودليل ذلك أنه يغلب على الظن فوجب قبوله... فإن قيل: خبر الواحد مما يدخله احتمال الكذب فكان ذلك شبهة فى درء الحد؛ لقوله، صلى الله عليه وسلم،: «ادرءوا الحدود بالشبهات». فهو باطل بإثباته بالشهادة، فإنها محتملة للكذب، ومع ذلك يثبت بها».
الوجه الثانى: أن الأدلة المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا مخصصة بأدلة النهى عن قتل النساء المشركات كمذهب الحنفية.
حيث اتفق المسلمون على تحريم قتل النساء المشركات غير المحاربات فى الحرب؛ لما أخرجه البخارى من حديث حنظلة الكاتب، أن امرأة وجدت فى بعض مغازى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقتولة، فأنكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قتل النساء والأطفال. وأخرجه ابن حبان وأبو داود عن حنظلة، قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى غزوة فمر بامرأة مقتولة والناس عليها، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل. أدرك خالدًا فقل له: لا تقتل ذرية ولا عسيفًا». وفى رواية: «قل لخالد: لا تقتلن امرأة ولا عسيفًا».
وبناء على ذلك فقد ذهب الحنفية إلى عدم جواز قتل المرأة المرتدة؛ قياسًا أولويًّا على المشركة غير المقاتلة، وإنما تحبس المرتدة حتى تتوب أو تموت. وهذا تخصيص للأدلة المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا، وإذا كان التخصيص قد دخلها من وجه المرأة فلا مانع من تخصيصها بوجوه أخرى مثل الإذن فى حرية الاعتقاد.
وأجيب عن ذلك بما يلى:
(1) أن الحنفية أثبتوا للمرتدة عقوبة الحبس المؤبد إلا أن ترشد إلى إسلامها بخلاف المنكرين لأصل عقوبة الردة.
(2) أن استثناء النساء من حد الردة - كما هو مذهب الحنفية - كان لدليل خاص، فلا يجوز التوسع فى هذا الاستثناء بغير دليل وإلا كان هدمًا للأصول. وكان دليل الحنفية فى ذلك هو عموم النهى عن قتل المشركات غير المحاربات، وما أخرجه البيهقى بسند ضعيف عن ابن عباس قال: «لا يقتلن النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام». قال سفيان: «ليس من ثقة». وأخرج البيهقى عن أبى رزين عن ابن عباس، أنه قال فى المرأة ترتد عن الإسلام: تحبس ولا تقتل. قال أبورزين: فكلمنى بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث، فسألناهم عن هذا الحديث فما علمت منهم واحدًا سكت أن قال : هذا خطأ.
(3) أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم لا يفرق فى حكم الردة بين الرجال والنساء. واستدلوا على ذلك بعموم حديث البخارى عن ابن عباس مرفوعا: «من بدل دينه فاقتلوه»، ولما أخرجه الدارقطنى بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله، أن امرأة يقال لها: أم رومان ارتدت، فأمر النبى، صلى الله عليه وسلم، أن يعرض عليها الإسلام، فإن تابت وإلا قتلت. وما أخرجه البيهقى بسند ضعيف عن عائشة، أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبى، صلى الله عليه وسلم، أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت.
الوجه الثالث: أن الأدلة المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا منسوخة بأدلة الإذن فى حرية الاعتقاد وأدلة النهى عن قتل أهل الذمة وأهل الموادعة.
حيث أجمع المسلمون على مبدأ حرية الاعتقاد فى الإسلام، وأن أهل الذمة وأهل الموادعة .. لا يجوز قتلهم أو الاعتداء عليهم، بل لهم حق البر والعدل. وهذا يتعارض مع تقدير عقوبة القتل للمرتد، مما يستوجب القول بنسخ تلك العقوبة بعد استقرار مبدأ حرية الاعتقاد ومنع الاعتداء على أهل الموادعة.
ويدل على مبدأ حرية الاعتقاد: عموم قوله تعالى: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» (البقرة: 256)، وعموم قوله تعالى: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها». (الكهف: 29) وعموم قوله تعالى: «فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب» (الرعد: 40) وعموم قوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس : 99)، وعموم قوله تعالى: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد» (الحج: 17)، وعموم قوله تعالى: «لكم دينكم ولى دين» (الكافرون: 6).
ويدل على منع قتال غير المسلمين الموادعين : عموم قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» (الممتحنة : 8-9)، وعموم قوله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» (البقرة: 190)، وقد استدل ابن تيمية من هذه الآية على منع قتال من لم يتأهل للقتال، ونسب هذا القول للجمهور. ويدل من السنة: ما أخرجه البخارى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا. وما أخرجه أبو داود عن صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم دنية، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة».
وقد أجيب عن ذلك بما يأتى:
(1) أن هذه الشبهة تقوم على التسوية بين الكفر الأصلى غير المسبوق بالإسلام وبين الكفر الطارئ المسبوق بالإسلام (الردة)، وهذا خلط وتخليط. أما الكفر الأصلى فإن صاحبه يتمتع بكل حرياته الدينية والاجتماعية تمامًا كما يتمتع بها المسلم. وأما الكفر الطارئ (الردة) فإن الإسلام قد وضع له حداًّ هو القتل بضوابط خاصة، ولكن لا من أجل كفره بل لأنه جمع إلى الكفر الإضرار بالإسلام وخرج على نظام الجماعة، فيصبح عضوًا فاسدًا يجب بتره؛ حماية للعقيدة ؛ لئلا يكون قدوة سيئة فى المجتمع الإسلامى.
(2) أن جميع النظم الوضعية المعاصرة وهى النظم السياسية الحاكمة، إنما تحكم بالإعدام على أبنائها إذا ثبت عليهم الخروج عن نظام الدولة فيما يسمى «بالخيانة العظمى»، ولو بالتخابر مع جهات خارجية أو إفشاء أسرار الدولة التى ينتمى إليها. ولا تتهم تلك الأنظمة بالتعارض مع دساتيرها التى تعترف بحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية فعيب لأناس يعيبون الإسلام على مبدأ قد اقتبسه منه كل النظم التى يطلق عليها النظم المتحضرة، مع الفارق الكبير بين المبدأين.
(3) يقول ابن تيمية: «الإكراه على الشىء قد يكون إكراهًا بحق وقد يكون إكراهًا بباطل، فالأول كإكراه من امتنع من الواجبات على فعلها، ومن إكراه المرتد على العود إلى الإسلام وإكراه من أسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وأما الإكراه بغير حق فمثل إكراه الإنسان على الكفر والمعاصى».
الوجه الرابع: أن الأدلة المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا مقيدة بحال الحرابة.
حيث يجب حمل المطلق من الأدلة على المقيد منها، فإذا كان حديث البخارى عن ابن عباس مرفوعا: «من بدل دينه فاقتلوه». جاء مطلقا، فإن حديث الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث»، وذكر منها: «المفارق لدينه التارك للجماعة» قد جاء مقيدا بترك الجماعة واللحوق بالأعداء بعد الردة، والعياذ بالله تعالى. فعلى هذا لا يجوز قتال المرتد إلا فى حال خروجه على المسلمين محاربا. ويؤكد هذا ما أخرجه النسائى والدارقطنى عن عائشة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم، أو رجل قتل رجلا متعمدًا فيقتل، أو رجل يخرج من الإسلام يحارب الله عز وجل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض». كما يؤكد هذا أن آية الحرابة وهى قوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادًا أن يقتلوا» (المائدة: 33) قد نزلت فى المرتدين من العرينيين.
وقد أخطا البعض فنسب هذا القول لابن تيمية، والصواب أن ابن تيمية ذكر هذا القول على وجه المعارضة لمذهب الحنفية فى مسألة ترك المأمور به إن كان ضرره لا يتعدى صاحبه. يقول ابن تيمية: «إن مبانى الإسلام الخمس المأمور بها إن كان ضرر تركها لا يتعدى صاحبها فإنه يقتل بتركها فى الجملة عند جماهير العلماء ويكفر أيضاً عند كثير منهم أو أكثر السلف. وأما فعل المنهى عنه الذى لا يتعدى ضرره صاحبه فإنه لا يقتل به عند أحد من الأئمة ولا يكفر به إلا إذا ناقض الإيمان لفوات الإيمان وكونه مرتداً أو زنديقاً.. وأما القاتل والزانى والمحارب فهؤلاء إنما يقتلون لعدوانهم على الخلق؛ لما فى ذلك من الفساد المتعدى، ومن تاب قبل القدرة عليه سقط عنه حد الله ولا يكفر أحد منهم. وأيضًا فالمرتد يقتل؛ لكفره بعد إيمانه وإن لم يكن محاربًا. فثبت أن الكفر والقتل لترك المأمور به أعظم منه لفعل المنهى عنه. وهذا الوجه قوى على مذهب الثلاثة مالك والشافعى وأحمد وجمهور السلف، ودلائله من الكتاب والسنة متنوعة.
وأما على مذهب أبى حنيفة فقد يعارض بما قد يقال: إنه لا يوجب قتل أحد على ترك واجب أصلا حتى الإيمان، فإنه لا يقتل إلا المحارب لوجود الحراب منه، وهو فعل المنهى عنه، ويسوى بين الكفر الأصلى والطارئ، فلا يقتل المرتد؛ لعدم الحراب منه، ولا يقتل من ترك الصلاة أو الزكاة إلا إذا كان فى طائفة ممتنعة فيقاتلهم لوجود الحراب كما يقاتل البغاة.
ثم قال ابن تيمية: والجواب أن الاعتبار عند النزاع بالرد إلى الله وإلى الرسول. والكتاب والسنة دال على ما ذكرناه من أن المرتد يقتل بالاتفاق وإن لم يكن من أهل القتال إذا كان أعمى أو زمنا أو راهبا».
ويقول الشوكانى: «قوله، صلى الله عليه وسلم: «التارك لدينه المفارق للجماعة» ظاهره أن الردة من موجبات قتل المرتد بأى نوع من أنواع الكفر كانت. والمراد بمفارقة الجماعة: مفارقة جماعة الإسلام، ولا يكون ذلك إلا بالكفر لا بالبغى والابتداع ونحوهما، فإنه وإن كان فى ذلك مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين؛ إذ المراد الترك الكلى ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين؛ للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصى بترك أى خصلة من خصال الإسلام اللهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغى ونحوه دفعًا لا قصدًا.. ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب، بل المراد بالترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط».
الوجه الخامس: أن الأدلة المقدرة لعقوبة الردة فى الدنيا تحول دون دخول الناس فى الإسلام فى حال اتباع الأديان الأخرى مثل العقوبة المقدرة فى الإسلام.
حيث قد يرى أصحاب الديانات غير الإسلامية حماية أهلها بعقوبة المرتدين منهم إلى الإسلام أو غيره بمثل العقوبة المقدرة للردة فى الإسلام؛ عملا بالمماثلة وعموم الحديث: «من بدل دينه فاقتلوه».
يمكن الجواب عن ذلك: بأن التحول إلى الإسلام هداية وليس ردة؛ لأن الإسلام يجمع الإيمان بالشرائع السماوية السابقة بخلاف ما عداه، قال تعالى: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله» (البقرة: 285) وقال تعالى عن الرسل السابقين: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده» (الأنعام : 90) وقال تعالى: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام» (الأنعام: 125)، وأما التحول من غير الإسلام إلى غير الإسلام فقد اختلف الفقهاء فيه على مذهبين:
المذهب الأول: يرى جواز تحول غير المسلم إلى دين غير الإسلام مطلقا، وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة. وحجتهم: أن الكفر كله ملة واحدة لا فرق فيه بين دين ودين.
المذهب الثانى: يرى عدم جواز تحول صاحب دين غير الإسلام إلى دين آخر غير الإسلام، وإذا حدث لم يقر عليه، وهو الأظهر عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة. وحجتهم: أن تحوله اعتراف منه على بطلان ما كان عليه، فلا نمكنه من التحول إلى باطل آخر، كما لو ارتد المسلم.
ثالثا: الآثار المترتبة على القول بأن الردة عفو فى الدنيا
يترتب على القول بأن الردة عفو فى الدنيا كثير من الأحكام، من أهمها ما يلى:
(1) عدم إدراج الردة فى الحدود الشرعية أو الجرائم القضائية، إلا إذا تلبست بموجب قضائى كالحرابة ونحوها فيؤاخذ بموجبه دون الردة.
(2) عدم الإنكار على إجماع المسلمين بتأثيم الردة ديانة، وأنها من الكبائر العظام فى الآخرة، كالنفاق.
(3) حق الفقهاء والدعاة فى دعوة الناس إلى الدين وتحذيرهم من الردة؛ عملاً بعموم قوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» (النحل: 125) وقوله سبحانه: «فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر. إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر. إن إلينا إيابهم. ثم إن علينا حسابهم» (الغاشية : 21 - 26) وما أخرجه مسلم من حديث تميم الدارى، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «الدين النصيحة». قلنا لمن؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.