قبل أيام وصف خطيب التحرير الشيخ محمد عبدالله نصر حديث البخارى ب«المسخرة». بعد ساعات رد أزهريون بإخراج الشيخ ميزو - كما اسماه الأخوان - من الملة. قالوا إنكار صحة البخارى بدعة، ومنكر صحته مبتدع كافر..الشيخ محمد غلطان. وبعض مشايخ الأزهر كذلك. لا يليق وصف أمهات كتب التراث بالمسخرة، حتى مع تحقق عدم صحتها. ولا يجوز إخراج مسلم من ملة، بينما ندعو فى الوقت نفسه لوسطية الإسلام.. وأنه لا إكراه فى الدين! لماذا مشكلتنا فى التراث؟ لماذا نحتفل بالقديم ونتعلق فيه.. ونحتفل باللفظ أكثر من المفهوم، بينما تيارات متطرفة تذبح باسم الله، وتقتل باسم الله، وتفجر الأطفال، وتسبى البكارى باسم الله أيضا، بينما الأزهريون ودن من طين وودن من عجين، ولا يجد أمثال الشيخ ميزو إلا أزمة البخارى موضوعا لخطبة جمعة؟ كما لو أن البخارى هو الأزمة، وأن تأكيد عذاب القبر هو المشكلة. كما لو أن الجهل بدعاء دخول الخلاء «الحمام» أقوى أسباب فساد حياة المسلمين، وأن الطعن فى طول شعر النبى (ص) سبب انتشار داعش، وأهم أسباب قتل المسلمين فى شوارع ليبيا بسلاح مسلمين آخرين فى ثورة مباركة؟ ماذا لو غلطنا فى البخارى ؟ يقول أزهريون: «هو الكتاب الأصح بعد كتاب الله»، مستندين لكلام الدهلوى .. والاسفرائينى. يقول آخرون أنه لا كتاب على الأرض يضاهى كتاب الله.. لا يوازيه، ولا يواريه.. أى لا يأتى بعده، فيتشابه معه، أو يوضع من بعده، مستندين للأمام أحمد، والشافعى.. وكتابات الدارقطنى.. وبعض أقوال الحافظ بن حجر. ∎ ما المعنى؟ المعنى نزاع فى الأصول.. لا ينتهى. المعنى أيضا عراك على مبادئ لا يسمن ولا يغنى.. بينما القتل مستمر، وسفك الدماء مستمر، الذبح أمام كاميرات الفضائيات فى الطريق لأربيل العراق مستمر.. وتمثيل مسلمين، بجثث أقباط فى عرسال اللبنانية مستمر. لا أفادت أحاديث البخارى، ولأ انقذتنا أقاويل الدهلوى، وتفانيد الإمام أحمد. لم يقم أزهريونا إلا دفاعا عن البخارى، كما لم يتصد رجال الأوقاف إلا لكلام يخالف المعروف فى التراث فى لون بشرة النبى، وطريقة ملابسه.. وطول جلباب عمر بن الخطاب! قاله علمنى.. «يابا قاله: فى «...» واتصدر. خد عندك: روى أبو هريرة أن رسول الله (ص) قال: من حمل جنازة فليتوضأ. وصل الحديث السيدة عائشة، فرفضته قائلة: ماذا يضير فى حملنا عيدان يابسة؟ وروى عن النبى (ص) أنه قال من مس عضوه فليغتسل، فرد بعض الصحابة بالقول: «إنما هو بعض منك.. فمن مس عضوه فلا غسل عليه»! روى عبادة بن الصامت، ما لم يأخذ به ابن عباس رضى الله عنهما. وفى كتب التراث أن عمر بن الخطاب، رفض بعض ما روى أبوهريرة عن النبى (ص) بعد موته، ولما خرج أبو هريرة من المدينة، روى عن النبى ما منعه منه عمر بن الخطاب! فى كتب الحديث، روى عن النبى (ص) ما يزيد على 006 ألف حديث، أخذ منها الإمام البخارى فى صحيحه 5727 غير المكرر. أما تلميذ البخارى، الإمام مسلم، فأخذ مما شهر عن النبى 4 آلاف حديث، وترك بعض ما أخذه أستاذه البخارى. فى المقابل رفض الشافعى التأكيد على كل ما شهر عن الرسول (ص)، إلا حديثا واحدا: «من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».. وقال: «هذا ما اطمأن اليه قلبى»! خد عندك تانى مرة: روى الإمام البخارى عن السيدة عائشة، وعن أبوهريرة، مع أن السيدة عائشة، رفضت بعض ما روى أبوهريرة. اعتمد البخارى فى صحيحه على موطأ الإمام مالك، مع أن الإمام مالك نفسه فى مقدمة الموطأ كتب أنه ضم فى كتابه، الحديث الصحيح والضعيف والمشهور.. والضعيف أيضا! أخذ البخارى ما لم يأخذه الإمام مسلم، وأخذ مسلم ما لم يأخذه الإمام البخارى.. لكن أهل الحديث جمعوا الكتابين، باعتبارهما أصح مصدر للسنة النبوية بالإجماع. فقال الإمام أحمد: «من ادعى الإجماع.. كذاب»! فى علوم الحديث أن 08 من رجال الإمام البخارى «مُتكلم فيهم بالضعف». وفيما قال الإمام الدهلوى «كل من هون من البخارى ومسلم فهو مبتدع.. غير متبع لسبيل الله»، رد الدار قطنى فى كتابه «الانتقاد» بأسباب سموها «علل» لا يصح بعدها الجزم بصحة كتاب البخارى بإطلاق! ما الذى استفدناه مما سبق؟ لا شىء. ∎ هل ممكن أن ينتهى جدل كهذا؟ الإجابة لا. ∎ طيب.. هل أوقف ما سبق، تقدم داعش قتلا فى عجائز، وذبحا فى ضعفاء، واغتصابا فى نساء باسم الله؟ - الإجابة: لا. طيب سؤال آخر: هل أحيا ما سبق من جدل أبرياء قتلهم الإخوان فى الشوارع والميادين، ومنع زرع قنابل.. تحت الكبارى وفى أكشاك الكهرباء.. وتحت عواميد النور باسم الشرعية وباسم صحيح الدين؟ الإجابة: لا إذن: نحن مجتمع بيهرج!.