قافلة تعليمية أوفدتها وزارة التربية والتعليم الأسبوع الماضى إلى مدينتى الأقصروأسوان، كانت بمثابة طوق نجاة لكثير من الطلاب الذين حالت ظروفهم المعيشية المتدنية بين حصولهم على دروس خصوصية كأقرانهم فى باقى الأقاليم المرفهة نسبيا، أضف إلى ذلك الكوارث التى أحلت بمناطق كثيرة بأقليم الصعيد بداية من السيول التى حلت ضيفا ثقيلا على محافظة أسيوط، وصولا إلى الحرب المصغرة التى شهدتها مدينة أسوان بين قبيلتى الدابودية والهلايل والتى توقفت معها الدراسة لفترة كانت سببا أساسيا فى وصول القافلة التعليمية إليهم فى هذا التوقيت بالذات، والتى تحمل رقم خمسة عشر، ورغم أنها لن تكون الأخيرة. فالقوافل تجوب البلاد شمالا وجنوبا حتى موعد الامتحانات، لكن النجاح الأكبر حققته كما يروى المعلمون أنفسهم فى المناطق التى غابت عن أعين واهتمام المسئولين، ولا سيما الصعيد وشمال سيناء، وبرغم الفرحة التى شهدتها فى عيون طلاب شهادتى الإعدادية والثانوية بلقاء المعلمين من مقدمى البرامج التعليمية فى القنوات، والذين كان مجرد رؤيتهم صدفة حلماً من أحلام الطالب الصعيدى الذى ينقصه الكثير، إلا أن هناك كثير من الأسئلة قد جالت بخاطرى منذ بداية الرحلة، حاولت البحث عن إجاباتها فى حديث مع المعلمين ذاتهم عن المعايير التى اتبعتها الوزارة فى اختيارهم لإيفادهم فى تلك القوافل، ولماذا لا تكون القوافل داخلية مكونة من أكفأ معلمى تلك المحافظة بدلا من أن تقطع مجموعة بعينها كل تلك المسافات لإيصال المعلومة لهؤلاء الطلاب، سألتهم أيضا عن المناهج المحذوفة، ورأيهم فى التعديل الذى طرأ عليها، وعن اقتراحاتهم لإصلاح المنظومة التعليمية، إجابات كل تلك الأسئلة بالإضافة إلى معايشة كاملة من أرض الواقع لقافلة الأقصروأسوان، تصل بنا إلى نتيجة مفادها أن القوافل التعليمية هى اللبنة الأولى فى طريق القضاء على شبح الدروس الخصوصية.
∎ نظام حديث
فى الأقصر جاء الطلاب من أكثر من قرية إلى قاعة المؤتمرات، ورغم أن العدد لم يكن كبيراً نسبيا، إلى أنه اتضح أن ذلك سببه يرجع إلى سوء التنظيم، فمعلومة وصول القوافل لم تكن معروفة لعدد كبير من الطلاب، لدرجة أن بعضهم قدم فى منتصف اليوم الدراسى بعد أن أبلغه زملاؤه بضرورة الحضور والاستماع إلى الشرح، فضلا عن الشعور الغالب لدى جميع الحضور أن هؤلاء الأساتذة الموفدين من الوزارة يحملون بين طياتهم أسئلة امتحانات هذا العام!
تقى محمد دويدار الطالبة بمدرسة الأقصر الثانوية بنات وزميلتها هند صلاح عبد المنعم الطالبة بمدرسة أم المؤمنين كانتا -كغيرهما- تمتلكان شغفاً كبيراً للحضور وعدم الانصراف إلا بعد انتهاء اليوم بأكمله حتى يستمعا لشرح الأساتذة فى جميع المواد، مما دفعنى لسؤالهما عن أسباب ذلك الاهتمام، حيث تقول تقى: جئت اليوم وأنا أدون فى دفترى كثيراً من المسائل والفقرات التى صعب على فهمها، فجمعتها كلها فى ذلك الدفتر على أمل أن أجد من يشرحها لى، وهو ماحدث خلال شرح اساتذة القافلة التعليمية التى انتظرناها بشغف، فقد وجدت إجابات لكل أسئلتى، ولم يعد هناك أى جزء صعب أو ثقيل الظل فى المنهج، فضلا عن أن الأساتذة شرحوا لنا أيضا شكل ورقة الإمتحان، فنحن نظام حديث وشكل ورقة الإمتحان بالنسبة لنا غير مألوف لأنه لايماثل أوراق امتحانات السنوات الماضية، فخبرتهم الكبيرة تؤهلهم لتحديد ماهو مهم وماهو عكس ذلك، اما هند فقد أكدت أنها لم تذهب للمدرسة فى ذلك اليوم حتى تتمكن من حضور القافلة فالمعلم يشرح بطريقة الربط بين الوحدات، فاحيانا يأتى سؤال يربط بين أكثر من وحدة وهو مالم نتدرب عليه فى مدارسنا، كما أنه بحضورنا تأكدنا من الأجزاء المحذوفة فى المنهج،حيث ظلت حالة البلبلة تصاحبنا طوال العام الدراسى حتى تيقنا من ماهو محذوف على لسان أساتذة القافلة أنفسهم.
∎ أيام الرعب
لم يختلف الأمر كثيرا فى أسوان سوى فى الإقبال الكبير الذى شهدته محاضرات القافلة التعليمية على مدار يومين متتاليين، والذى تخطى الأربعة آلاف مما اضطر محافظ أسوان اللواء مصطفى يسرى إلى فتح قاعات المحافظة المكيفة حتى تستوعب هذا الكم من الطلاب، وقد فسر الإقبال الكبير الطلاب أنفسهم حيث يقول محمد حسن الطالب فى الصف الثالث الإعدادى: عشنا أيام رعب حينما اندلعت الاشتباكات بين الدابودية والهلايل، خصوصا أننى أسكن بجوار المنطقة التى دار بها النزاع، ولذا فالأمر لم يتوقف على عدم الذهاب إلى المدرسة بل امتد إلى عدم الخروج من المنزل مطلقا، وفى هذه الأجواء يصعب جدا التركيز لذلك حضرنا المحاضرات خاصة بعد ما علمنا أن هناك بعض المدرسين يوزعون مذكرات مراجعة بالمجان.
∎ تبادل خبرات
«الامتحان سيكون سهلا على بعض الطلاب وصعبا على البعض الآخر» هذا ما أكده لى الأستاذ رمضان غلاب مشرف الكيمياء فى إدارة الوراق الثانوية، والموفد فى القوافل التعليمية من قبل الوزارة لمراجعة منهج الكيمياء لطلاب المحافظات المختلفة وقد علل ذلك بأن خبرات المدرسين تنصب جميعها فى عواصمالمحافظات، وهذا مايدفعنا إلى الذهاب إلى القرى والنجوع، خاصة اتجاه وجه قبلى والصعيد، فالطلبة لديهم تعطش كبير للعلم ومستواهم ممتاز، وهو مايشجعنا على الاستمرار برغم ما نلاقيه من تعب، وردا على سؤالى حول إمكانية تدريب معلمى المحافظات ذاتهم على سبل الشرح الحديثة حتى يقوموا هم بدورهم بدلا من تكبد عناء السفر ومشقته، يقول: اتفق تماما مع ذلك المقترح، فتبادل الخبرات أمر ضرورى، وخبرتى التى تجاوزت ثلاثين عاما قد يأتى شاب حديث التخرج ويضيف لها، فالأمر لن يكون دورات تدريبية بالمعنى المفهوم، مما سيصب فى مصلحة الطالب فى النهاية.
وعن رأيه فى التعديل الذى طرأ على المناهج هذا العام يقول: بالنسبة لمناهج الكيمياء فهى تحتوى على قصور كبير، فمناهج المرحلة الثانوية لاتخدم بعضها البعض، ولا سيما منهج الصف الثانى الثانوى والذى يمكن أن نطلق عليه منهج «من كل فيلم أغنية»، فلا يوجد ترابط فى الدروس، لذلك أقترح إعادة ترتيب المناهج، وتأسيس الطالب فى الكيمياء منذ المرحلة الإعدادية، حتى يسهل استيعابه للمعلومات فى المرحلة الثانوية، مشيرا إلى أن المعلم الذى يمتلك خبرة فى التدريس يمكنه توقع الامتحان بسهولة، مما يعد قصورا فى المنهج، حتى ما قاموا به من حذف للمناهج جاء حذفا عشوائيا، حيث أزال من المناهج أجزاء أساسية ومهمة.
∎ تطوير سلبى
شكوى المناهج المعدلة حديثا لم تقتصر على منهج الكيمياء، فمادتى الفلسفة وعلم النفس بهما قصور كبير، حيث يقول الأستاذ محمد البسيونى، معلم الفلسفة وعلم النفس: اكتشفت أخطاء فى منهج الفلسفة أعددت بها تقريرا مفصلا،وتحدثت بشأنه مع الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم، وأخذت وعدا منه بأن يتم ضمى إلى لجنة تطوير منهج الفلسفة بالوزارة، لكن للأسف لم يفعل القرار حتى الآن بسبب مصالح شخصية لواضعى المناهج الحاليين، مؤكدا على أن المعلم يجب أن يكون هو من يطور المنهج وليس أساتذة الجامعات، خاصة أنهم غير متخصصين تربويا، وليس لديهم الدراية الكاملة بعقلية الطلاب،خاصة أن المنهج المعدل تم وضعه على عجل، ولم يأخذ وقته فى المراجعة، فالتطوير الذى حدث فى المنهج هو تطوير سلبى والحذف لن يعالج ما به من أخطاء، أما عن رأيه فى فكرة القوافل التعليمية فيقول: الفكرة ناجحة جدا ومثمرة، ينقصها شىء من التنظيم والتفرغ، بمعنى أن يكون المعلم المعتمد فى القوافل التعليمية معينا فى وزارة التربية والتعليم، ويحصل منها على مرتب مجزى، مما يغنيه عن إعطاء دروس خصوصية، ووقتها تصبح القوافل أسبوعية مقسمة ما بين محاضرات للطلبة، ودورات تدريبية للمدرسين، على أن تعمل الوزارة بالتوازى فى مسألة تنقية المناهج وربط التلميذ بمدرسته مرة أخرى، وحتى لو تكلف ذلك الكثير فى بداية الأمر، فالنتيجة فى النهاية ستكون مرضيه جدا، حيث سترتقى بالمدرس والطالب على حد سواء.
∎ عقم فى المناهج
ومن جانبه يرى الأستاذ مجدى شديد مدرس أول رياضيات بمدرسة الوراق الثانوية وعضو اتحاد المعلمين المصريين أن القوافل التعليمية هى الخطوة الأولى الجادة فى محاربة ظاهرة الدروس الخصوصية ، التى يرجع تفشيها إلى أربعة أسباب رئيسية، أهمها ولى الأمر الذى يحجز المدرس منذ الأجازة، بالإضافة إلى الكثافة العددية الكبيرة فى الفصول والتى تصل أحيانا إلى تسعين طالبا، بالإضافة إلى عقم المناهج واعتمادها على الحشو والتلقين، وأخيرا المدرس الذى من المؤكد أنه ليس سعيدا بحياة يعمل فيها منذ السابعة صباحا حتى منتصف الليل، لكن إذا توسعت فكرة القوافل وزاد بها عدد المدرسين، فمن المؤكد أن الدروس الخصوصية ستنتهى فى وقت قصير، وللعلم فمن الممكن أن تكون القافلة داخلية، بمعنى أن يتبنى المحافظ قافلة من أفضل المدرسين على مستوى المحافظة، ويفتح لها قاعة كبيرة كل جمعة، ليتلقى الطلاب فيها مراجعة لدروسهم نظير أجر مناسب للمدرس، أما عن تطوير المناهج فيقول: فى منهج الرياضيات للصف الأول الثانوى كان التطوير عبارة عن عكس المناهج، ليصبح منهج الفصل الدراسى الأول هو منهج الفصل الدراسى الثانى والعكس، فهل هذا يعد تطويرا؟، وعن المبالغ التى يتقاضونها مقابل رحلات القوافل التعليمية يقول: حتى الآن لم نتقاض مليما واحدا، فالشيكات مازالت فى وزارة الشباب والرياضة ولم يتم صرفها حتى الآن، لكننا حصلنا على تقدير كبير من الدكتور محمود أبو النصر، حيث قام بتكريمنا ومنحنا شهادة تقدير وجهاز تابلت ، واعتقد أن هذا التقدير الأدبى لا يوازيه أى تقدير مادى.
∎ ملازم بالمجان لطالب ذكى
أكياس مليئة بالورق كانت بصحبة المعلمين فى المطار، علمت بعدها أنها ملازم ومراجعات نهائية قرر عدد من المدرسين إحضارها لتوزيعها على أبناء الأقصروأسوان بالمجان، أستاذ سميح سمير مصطفى مدرس الدراسات الاجتماعية للصف الثالث الإعدادى كان أحد هؤلاء المدرسين، حيث يقول: أحضرت عددا كبيرا من الملازم التى أقوم بإعدادها لطلابى معى فى القافلة التعليمية حتى أمنحها للطلاب هنا لعلها تساعدهم فى تلخيص المنهج وسرعة الاستذكار والحفظ، خاصة أن الطالب فى الصعيد ذكى يحتاج إلى من يمد له يد العون، ويتفق مع ذلك الرأى الأستاذ أحمد الزند مدرس اللغة الإنجليزية، حيث يقول: شاركت فى جميع القوافل السابقة التى أطلقتها الوزارة، لكننى لم أجد أكثر من حرص الطالب الصعيدى على مستقبله الدراسى، وتعطشه لتلقى العلم، مؤكدا على أن هدف القافلة هو توصيل الخدمة التعليمية إلى الأماكن المحرومة والأكثر فقرًا فى مصر، ومساعدة الطلاب على الشعور بجو المدرسة الذى فقد منذ سنوات
∎ حب بلدك
طالب متميز من أوائل الثانوية العامة لا يتمكن من الحديث عن بلده، هذا هو النموذج الذى قابله الأستاذ ممدوح الجندى، معلم أول اللغة الفرنسية، والذى قرر من أجله إطلاق حملة حب بلدك، وهى حملة تثقيفية انتمائية، نفذها على نطاق محدود فى القاهرة ويحاول تنفيذها على نطاق أوسع أثناء محاضراته فى القوافل التعليمية لمحافظات مصر المختلفة، لكنه يأمل أن تكون برعاية رسمية من وزارة التربية والتعليم، حيث لاحظ الأستاذ ممدوح أن الطالب فى النجوع والقرى يظن أن قريته لا قيمة لها طالما أنها بعيدة عن العاصمة ولا تمتلك آثاراً، حيث يقوم الطالب بجمع معلومات عن منطقته حيث يتم امتحانه فى تلك المعلومات، ثم تعقد مسابقة تصوير يصور الطالب خلالها أجمل ما فى قريته أو مدينته، ثم يكتب اسم الطالب الحاصل على اجمل صورة داخل دليل سياحى يعده الطلاب الفائزون أنفسهم، الذين سيقومون بإجراء زيارات متبادلة فيما بينهم ثم يطلقون موقعا على شبكة الانترنت يحوى أهم المعلومات التى جمعوها أثناء رحلة البحث، وبذلك نكون قد خلقنا طالباً منتمياً لبلده، وقادراً على الحديث عنها وحصر خيرها.