ردود فعل متباينة شهدها الشارع الجامعى بمجرد أن أصدر المجلس الأعلى للجامعات برئاسة د. حسام عيسى وزير التعليم العالى قرارا بمنح الضبطية القضائية لقيادات الأمن الإدارى، لمواجهة حوادث الانفلات الأمنى داخل الجامعات، فبينما لقى القرار استحسان العمداء ورؤساء الجامعات، سيطرت حالة من الغضب على طلاب الحركات السياسية المختلفة والاتحادات الطلابية بجامعات القاهرة والمحافظات وحتى الجامعات الخاصة، مهددين بتنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات مع بداية العام الدراسى للإعلان عن رفضهم لهذه الضبطية، التى وصفوها بأنها الوجه الآخر للحرس الجامعى والباب الخلفى لقمع الحريات، مما ينذر ببداية عام دراسى جامعى ملتهب يتسرب فيه منطق الحلول الأمنية إلى ساحات الجامعات. مخاوف كبيرة تحيط بالأمن الجامعى هذا العام فى ظل الصراع السياسى الطاحن الذى لا يزال يلقى بظلاله على المشهد بشكل عام وعلى الحرم الجامعى بشكل خاص، وفى ظل توقعات كبيرة بمحاولة الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بعرقلة سير العملية التعليمية داخل الجامعات، جاء قرار منح الضبطية القضائية لمسئولى الأمن فى الجامعات، وهو إجراء داخلى تقوم به الجامعات لتمكينها من ممارسة وظيفتها الأساسية فى إطار العملية التعليمية، ويتم ذلك عبر منح من خمسة إلى عشرة أفراد من قيادات الأمن الإدارى التابع للوحدات الجامعية سلطة الضبطية القضائية، بالإضافة لمنحها لثلاثة قيادات أمنية خاصة بالحرم الجامعى، مع وجود توصية بأن يكون أفراد الأمن الذين حصلوا على الضبطية حاصلين على ليسانس حقوق ودورات تدريبية أمنية، على أن تستخدم فى ثلاثة حالات فقط، هى المخدرات والمشاجرات والأعمال المنافية للآداب، وعلى الرغم من كل تلك الضوابط والمعايير التى وضعت لتقنن سلطة الضبطية القضائية وتجعلها تصب فى مصلحة الطلاب، قوبل القرار بعاصفة من الانتقادات والرفض من قبل الطلاب على اختلاف توجهاتهم السياسية، لذلك توجهنا إلى محمد مصطفى بدران رئيس اتحاد طلاب مصر لنتعرف من خلاله عن الأسباب الحقيقية وراء رفض طلاب مصر لهذا القرار وعن الخطوات التى ينوون القيام بها فى مواجهةذلك القرار.
∎لا نضمن تطبيقها بنزاهة
فى البداية يرى محمد بدران أن القرار مرفوض شكلا وموضوعا ولا صحة لما أشيع فى بعض الصحف والمواقع الإخبارية من أننى أعلنت عن موافقتى على قرار الضبطية القضائية أثناء لقائى بالوزير، حيث إننى لا أرى مبررا له، خاصة فى ظل وجود قانون تنظيم الجامعات، الذى يضم عمل تحقيقات وتوقيع عقوبات على منفذى أحداث العنف والشغب داخل الحرم الجامعى وليس بأى إجراءات استثنائية، وعن أسباب رفضه للقرار يقول أننا نشعر كطلاب أن القرار جاء ليكرس لقانون الطوارئ داخل الجامعة، ويهدد بعودة الحرس الجامعى وأمن الدولة داخل الجامعات والتضييق على النشاط الطلابى كما كان قبل الثورة، كما أن آلية اختيار عدد محدود من الأفراد لتطبيق الضبطية فى هذه المساحات الشاسعة التى تحظى بها جامعاتنا أمر هزلى وغير منطقى، فهل خمسة أو حتى عشرة أفراد يستطيعون ضبط الأمن داخل جامعة كبيرة بمساحة جامعة عين شمس أو القاهرة مثلا؟، ولو فرض أن حدث ذلك فمن يضمن أن يطبق ذلك القرار بنزاهة من قبل القائمين عليه؟، وعن الخطوات التصعيدية فى مواجهة القرار، يقول: بدأت المظاهرات فى بعض الجامعات منذ اليوم التالى لصدور القرار، لكن ردود فعلنا كاتحاد سوف نعلن عنها فى حينها بعد اجتماعنا مع ممثلى اتحادات طلاب الجامعات المختلفة للوصول إلى القرار النهائى.
∎تغريد خارج السرب
فى أسيوط كان الوضع مختلفا فحسبما وصف محمد سعد عسران رئيس اتحاد طلاب جامعة أسيوط فإن هناك ترحيبا كبيرا من قبل الطلاب بقرار منح أمن الجامعة صفة الضبطية القضائية، حيث يقول الفكرة فى حد ذاتها ليست مرفوضة لدينا على الإطلاق، لكن ما سيحدد مدى قبولنا ورفضنا لها هو طريقة تنفيذها، مشيرا إلى أنه حصل على العديد من التطمينات من قبل د. محمد عبد السميع رئيس جامعة أسيوط والذى أكد له أن منح الضبطية القضائية سوف يكون فى أضيق الحدود، وذلك لحماية المنشآت الجامعية، وأن عدد الذين سوف يتم منحهم الضبطية القضائية لا يتعدى 5 أشخاص من الأمن، مع مراعاة قواعد محددة سوف يجرى تطبيقها لاختيار فرد الأمن الذى يحصل على صفة الضبطية القضائية، وعن الشروط التى يرى ضرورة توافرها فى فرد الأمن صاحب سلطة الضبطية يقول من المهم أن يكون خريج كلية الحقوق، وحاصلا على دورات حقوق إنسان، كما يجب أن يكون معروفا بعدم انضمامه أو تعامله مع أمن الدولة سابقا، بالإضافة إلى ضرورة ارتدائهم زيا معينا وتكون أسماؤهم معلنة على بوابات ومداخل الجامعة، كما يشترط عسران فى المحضر الذى يتم عمله بواسطة هؤلاء الأفراد أن يتم اعتماده من عميد أو وكيل أو على الأقل من رئيس قسم فى الكلية التى ينتمى لها الطالب المخالف لضمان الحيدة والنزاهة، وعن رأيه فى موقف رئيس اتحاد طلاب مصر للقرار شكلا وموضوعا يقول لا أعلم ما سبب هذا الرفض رغم أننا فى أحد اجتماعاتنا قد اقترحنا فكرة الضبطية القضائية وقلنا أنها من الممكن أن تكون هى الحل لعلاج المشاكل الأمنية بالجامعات الفترة المقبلة، ورغم أننا لم نحسم وقتها قرارنا إلا أن الفكرة كانت مطروحة وليست مرفوضة من الأساس كما هو حادث الآن.
∎جامعة عين شمس على صفيح ساخن
بمجرد أن صدر القرار بمنح الضبطية القضائية للأمن الإدارى داخل الحرم الجامعى بدأت المظاهرات تجتاح جامعة عين شمس فى رد فعل هو الأعنف من بين الجامعات الرافضة للقرار، وأصدر اتحاد طلاب جامعة عين شمس بيانا له يرفض من خلاله تكميم الأفواه المتمثل فى تطبيق الضبطية، مؤكدين على أن مواجهة البلطجة وضبط الأمن هى حجة واهية تتخذها الجامعة بدليل وجود العديد من المقترحات التى تم تقديمها من قبل الطلاب والتى تفى بهذا الغرض ومن أهمها تعيين شركة أمن جديدة وإضافة موظفين جدد إلى الأمن الإدارى من أصحاب المؤهلات العليا، لذا توجهنا إلى د. حسين عيسى رئيس جامعة عين شمس الذى يرى أن هناك من ينتظر بداية العام الدراسى لاستغلال ساحات الجامعات فى إحداث فوضى وشغب، لذا جاء مقترح الضبطية القضائية بهدف توثيق أية مخالفة تجرى داخل الحرم الجامعى وتحرير محضر بها لتقوم النيابة بعد ذلك بدورها للتحقيق فيه، مؤكدا أنه لن يتم تسليم أى طالب لأقسام الشرطة الا فى أضيق الحدود، ويتعجب د. حسين من ربط الطلاب بين مخالفة القانون فيما يستوجب الضبطية وبين النشاط الطلابى، فالطالب مكفول له كل حقوقه طالما كانت لا تخالف القانون فلم التخوف إذا؟، وتعليقا على البيان الذى أصدره اتحاد طلاب عين شمس يقول، كيف يعترضون على الضبطية وقد كانت أحد طلباتهم بعد أحداث عنف ابريل الماضى؟، مشيرا إلى أن الجامعة بدأت فى العديد من الإجراءات الأخرى التى تكفل أمن الطالب من ضمنها الأبواب الإلكترونية والتى سيتم العمل بها مع بداية العام الدراسى، وتركيب كاميرات المراقبة وهى الخطوة التى سيتم تفعيلها بعد ذلك.
∎فهم خاطئ
فى المقابل يرى د. ماجد قمرى رئيس جامعة كفر الشيخ أن قرار منح الضبطية القضائية لعدد محدود من مسئولى الأمن على مستوى كليات جامعة كفر الشيخ بهدف منع التخريب أو الاعتداء على المنشآت أو أعضاء هئية التدريس أو الطلاب هو أمر محمود جدا وضرورى فى ظل الأجواء السياسية المشحونة التى نعيشها هذه الأيام، ويرى د. ماجد أن ثورة الطلاب ورفضهم للقرار تنبع من فهمهم الخاطئ لمغزاه، فالقرار يحمى الطلاب من أعمال عنف مرتقبة قد يقوم بها فصيل بعينه بهدف افشال العملية التعليمية، كما أنه يحفظ كرامة الطلاب بتحويل المخالفين منهم إلى رئيس الجامعة على أقصى تقدير ليقوم هو بحل المسألة داخل الجامعة، وإذا استعصى الأمر يحول المخالف إلى الشرطة، لافتا إلى أنه فى حالة ضبط أى طالب لن يتم تسليمه للشرطة، إلا بعد موافقة رئيس الجامعة أو نوابه بتسليمه، وهذا يضمن أن فرد الأمن لن يظلم أى طالب، كما يضمن ألا يتم انتهاك كرامة الطلاب بالانتقال إلى أقسام الشرطة فى القضايا التافهة والتى من الممكن حلها داخليا، أما أن يظل الوضع على ما هو عليه مع عدم وجود ضبطية لبعض الأفراد وعدم السماح للشرطة بالدخول للجامعة فهذا يعنى فوضى لا محالة، وعن رد فعل اتحاد طلاب مصر الرافض للقرار يقول: ما نمى إلى علمى من وزير التعليم العالى نفسه د. حسام عيسى أن محمد بدران هو من طلب اجراءات استثنائية لحماية الطلاب من عنف مرتقب وأن فكرة الضبطية القضائية قد حازت على موافقته أثناء الاجتماع، لذا أنا أتعجب من هجومه الهائل على القرار.
∎مبادرة لحل الأزمة
مبادرة اقترحها د. نبيل محيى الدين عميد كلية الصيدلة بجامعة كفر الشيخ بأن يتم التواصل بينه وبين اتحاد طلاب مصر من خلال مجلتنا لإقناعهم بالعزوف عن الحشد لرفض القرار لما يرى له من حتمية كبيرة فى هذا التوقيت الصعب، حيث يقول بمنتهى الوضوح: الأمن العادى الذى كان يؤمن الجامعة لم يكن (يملى عين) الطالب، وفكرة الشرطة المدنية هى فكرة عبقرية معمول بها فى معظم الجامعات الأمريكية وقد عاصرت ذلك بنفسى فى إحدى الجامعات الأمريكية، بل أنا أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو إمكانية تسليحهم على غرار ما هو حادث فى الخارج، فالدولة إذا انهارت امنيا سيسهل تفكيكها، لذا فالحل الأمنى هو المطروح على الساحة الآن وبقوة، مشيرا إلى أن من يخشى عودة أمن الدولة مرة أخرى هم فقط من لديهم (تار بايت) معه، أما باقى أفراد الشعب فليس لديه أية مشكلة مع أى جهة سيادية مادامت تمارس عملها فى ضوء القانون، مشددا على أن الدولة الأمنية أفضل بكثير من الدولة المنفلتة، وعن مبادرته لحل الأزمة يقول هاتفت محمد بدران فى محاولة منى بإقناعه إلى أن ينتظر ليرى نتيجة التجربة وقلت له إنناجميعا نحب البلد ووقفنا كتفا إلى كتف أيام الثورة فى الميدان ولن نرضى أبدا أن تسلب منا حريتنا، لكن الظرف استثنائى ولا يتحمل أى مشاحنات، كما ذكرت له أنه إذا أثبتت التجربة أن القرار جاء لقمع الحريات وضد مصلحة الطلاب فمن المؤكد أن أساتذة الجامعات لن يقبلوا بذلك وسيقفون مع الطلاب لاستعادة أى حقوق مسلوبة منهم.