لا مكان للصدفة فى عالم السياسة. ولابد من إعادة شريط ذكريات ثورتنا المجيدة ونسترجع ما جرى. وندقق النظر من جديد. ونحلل. ونتوقف كثيرا أمام بعض الحقائق التى كنا نراها بالرومانسية الثورية. فى أول لقاء بعد اندلاع الثورة اجتمع عمر سليمان نائب المخلوع وقتها بعدد من الأفراد وبالتحديد يوم الأحد التالى لجمعة الغضب كان من بين الحاضرين مصطفى النجار وعبدالرحمن يوسف وزياد العليمى وآخرون دار حوار طويل طويل بلا أى فائدة. لكن الرجل قال كلمة واحدة.
وبالنص: «استنوا على الراجل ده شوية - يقصد المخلوع - بدلا من أن يحكمكم الإخوان». ولم يستمع إليه أحد فى أيام الثورة المشتعلة والكل خاف من اتهامه بالخيانة. وقتها كان الإخوان قد ظهروا فى الميدان بكثافة فى السادسة صباحا من يوم السبت التالى لجمعة الغضب وكان المخطط العبقرى والجهنمى هو إدارتهم للمداخل والمخارج فى الميدان كانوا لا يحملون أى شعارات كى لا تصبغ الثورة بصورة إسلامية كان حرصهم شديدا وكانت التعليمات مشددة بعدم رفع أى شعار للإخوان المسلمين.
كانوا يتبنون شعار الميدان - عيش حرية عدالة اجتماعية -وهو شعار يبدو شعارا اشتراكيا من الوهلة الأولى لو لم نكن نعلم ما كان يحتاجه المصريون وقتها. فهو شعار نابع من احتياجات الشعب وليس شعارا أيديولوجيا. لم يعترض الإخوان على ذلك الشعار البعيد كل البعد عن توجههم السياسى. وأتذكر جيدا أننى كنت بصحبة الصديق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ومعه الدكتور محمد حبيب وقد سألت أبوالفتوح: «باين عليكم هتقلبوا الإخوان الاشتراكيين». وضحك الرجل لكنه قال جملته التى مازالت ترن فى أذنى: «استنى شوية ما تستعجلش». وقد عرفت الآن سر تلك المقولة، الشعب كان فى حالة غضب وهرج ومرج من نظام سياسى فاشل مستبد فاشستى بليد.
الشعب كان رائعا كعادته. جميلا. محبا لبعضه البعض. مخلصا لبلاده. صابرا قويا لكنه كان لا يتنبه لما يحاك له فى الغرف المغلقة لا يعرف ما يخطط له فى البيت الأبيض وتنفذه سفارته هنا. اللقاءات والاجتماعات كانت تتم بشكل دورى مع كل قيادات الإخوان وكان السيناريو محكما كعادة الأمريكان أخونة الثورة المصرية وحصول الإخوان على كل مفاصل الدولة بشكل كامل. وانهمرت الملايين من الدولارات إلى مصر وقطر هى التى تدفع.
كان آخر تلك الصفقات الاجتماع الذى تم فى 991 شارع صلاح سالم فى فيلا أحد القيادات الليبية السابقة. قبل انتخابات الإعادة بأيام وكان الزائر هو مدير المخابرات العسكرية القطرى وحضر الاجتماع محمد البلتاجى وخيرت الشاطر وعصام العريان ولاعب الكرة نادر السيد والفنان محمد صبحى وحمدين صباحى وهو الاجتماع الذى خرج منه الصباحى بعد عشر دقائق، تلك هى المعلومة، وقد قيل إن الشاطر تقاضى 051 مليون دولار وهو ما يفسر الشراء المحموم الذى يقوم به الشاطر فى كل مفاصل الاقتصاد الآن. ومعظم الشركات الكبرى الناجحة الخاصة بالتجارة يعرض الشاطر شراءها إما ترغيبا أو ترهيبا. الإخوان يسيطرون على اقتصاد الدولة. وقد أخذوا الضوء الأخضر من الأمريكان فى مؤامرة واضحة على الثورة المصرية والسادة الليبراليين يتزعمهم توفيق عكاشة أو توفيق عماشة لا أتذكر ويقف الفلول والخونة والمرتزقة والانتهازيون والمدعون كلهم جنبا إلى جنب مع الوطنيين المخلصين. لذلك خسرت الليبرالية المعركة مع الإخوان ومع الأمريكان. ولو لم يظهر منقذ خلال العامين القادمين على أكثر تقدير ستنسحق مصر تحت حكم الإخوان مائة عام قادمة. الإخوان لا يتركون الحكم إلا بالدم.