كانت أول معرفة لى بالأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى عندما كان ينشر روايته الرائعة «الأرض» فى جريدة المصرى. وجريدة المصرى - إن كنت لا تذكر - كانت الجريدة اليومية التى أصدرتها أسرة أبوالفتح فى أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين وكانت لسان حال حزب الوفد المصرى الذى كان يقوده مصطفى باشا النحاس ومكرم باشا عبيد رئيس وسكرتير عام حزب الوفد المصرى.
وكانت مجلة روزاليوسف حتى عام 1936 منحازة للحزب الذى يقوده سعد زغلول باشا، ولكن عندما وقع مصطفى النحاس المعاهدة مع الإنجليز عام 6391، تركت روزاليوسف انحيازها لحزب الوفد وأعلنت استقلالها وارتباطها بالشعب المصرى فقط.كان حزب الوفد فى ذلك الزمان يمثل الاقطاعيين أصحاب العزب والذين يحملون ألقاب الباشاوية أو البكوية، لذلك عندما انفصلت روزاليوسف عن حزب الوفد وأعلنت استقلالها انحازت للطبقة المتوسطة من المتعلمين والمثقفين والأفندية، وكان يمثلها فى الكاريكاتير شخصية المصرى أفندى وهو موظف الحكومة الذى يتقاضى راتبا شهرياً لا يكفيه، ولكنه يقاوم الجوع والفقر والمرض بالخروج فى مظاهرات تبدأ فى الجامعة ثم المدارس الثانوية وفى مقدمتها السعيدية الثانوية والإبراهيمية والخديوية وتمرة التوفيق القبطية بشبرا حتى تعم بقية المدارس فى جميع أنحاء القاهرة والجيزة ثم بقية المحافظات من الإسكندرية إلى أسوان ومن مرسى مطروح حتى سيناء.
وأحياناً ينضم إلى مظاهرات الطلبة مظاهرات العمال.
ومنذ تلك الأيام وعت السيدة فاطمة اليوسف الدرس جيداً فصممت على أن تكون مجلة روزاليوسف لسان حال الشعب المصرى بكل أطيافه وتياراته السياسية.
لم تعد روزاليوسف المجلة تعبر عن حزب الوفد، ولكنها فتحت صفحاتها لكل التيارات السياسية القائمة فى مصر فى تلك الأيام.
كان يكتب فيها إحسان عبدالقدوس رافعاً شعار مصر أولاً، وكان يكتب فيها أحمد بهاء الدين محاولاً فهم السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ومبشراً بالقومية العربية وكان يكتب فيها صلاح حافظ الطالب الشيوعى فى كلية الطب، والناقد المسرحى سيد قطب والذى يميل بتفكيره إلى جماعة الإخوان المسلمين ولكنه لم يكن عضوا بالجماعة.
وبشرت روزاليوسف بكتابات بعض الشبان مثل الدكتور يوسف إدريس والدكتور مصطفى محمود، والشاب محمود السعدنى الذى كان يكتب القصة القصيرة والمقال الساخر، والشاب لطفى الخولى وفتحى خليل ومحمود أمين العالم وأحمد عباس صالح ومحمد عودة وعبد الرحمن الخميسى ويوسف السباعى والمبروك وأمين يوسف غراب وكامل زهيرى وعبدالستار الطويلة وغيرهم من كتاب الخمسينيات فى روزاليوسف.
وقد مهدت معظم كتابات هؤلاء الكتاب لقيام ثورة 23 يوليو عام 1925.
ومن أهم الكتابات كانت تلك الحملة التى قادها إحسان عبدالقدوس حول الأسلحة الفاسدة فى حرب 8491 والتى أسفرت عن النكبة وحصار الفالوجا.
خلال تلك السنوات خرجت مجلة روزاليوسف من محيطها الإقليمى فى مصر وعبرت الصحراء شرقا وغربا حتى وصلت المغرب والجزائر وتونس وليبيا وشرقا إلى بغداد، وسوريا ولبنان والأردن والخليج وجنوبا حتى جنوب السودان وارتيريا والصومال وجيبوتى.
ثم عبرت روزاليوسف المحيطات فأصبحت تباع فى أوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية وجنوب أفريقيا وآسيا.
ومن خلال جريدة الأهرام ومجلة روزاليوسف عبر الفكر الثورى المصرى البحار والمحيطات إلى أبناء الجاليات العربية فى جميع أرجاء المعمورة.
هكذا كان الحال والوضع عندما قامت ثورة يوليو فى أوائل الخمسينيات.
وعندما انتصفت الخمسينيات قيل أن الكتاب يؤلف فى مصر ويطبع فى بيروت ثم يوزع فى جميع أنحاء العالم.
ولكن ما أن اندلعت حركات التحرر فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية حتى رأينا تضييقاً على مصر وحصاراً ثقافياً وفكرياً، وإذا بالرئيس جمال عبدالناصر يلقى بجميع المفكرين فى السجون، حبس أصحاب الفكر اليسارى ومن قبل زج بأصحاب الفكر الإسلامى من الإخوان المسلمين الذين حاولوا اغتياله فى المنشية بالإسكندرية.
الجميع أصبحوا فى السجون وخلت الساحة إلا من ضباط الجيش فى كل مكان هم الذين يتولون مقاليد الأمور.
وعانت مصر من حكم العسكر فى زمن عبدالناصر والسادات ومبارك!
واليوم وبعد مرور ستين سنة نقف فى نفس المربع لكى نختار بين حكم العسكر أو حكم الإخوان المسلمين ولا مناص من الاختيار.
والأقرب إلى المنطق وطبيعة الشعب المصرى أنهم سوف يختارون حكم العسكر الذى نادوا بسقوطه لأنه الأقرب إلى التغيير من حكم الإخوان المسلمين الذين يريدون العودة إلى الوراء وذلك من خلال قاعدة السمع والطاعة!
أما حكم العسكر فإنه يتيح الفرصة للحوار والنقاش والاستماع إلى الآراء قبل اتخاذ القرار، وهذا أهون من السمع والطاعة دون نقاش أو حوار.
حاولت تلخيص مسيرة مجلة روزاليوسف عبر السبعة والثمانين عاما الماضية لأبين أن الأجيال المختلفة حملت الراية ووقفت إلى جانب الشعب المصرى بكل تياراته السياسية الوطنية فى استقلالية واضحة عن الحزبية أو الطائفية.. والبوصلة دائما تتجه نحو الفكر الرحب الذى يحاول أن يفهم قبل الرفض أو الموافقة.
مازالت مجلة روزاليوسف بقيادتها الحالية الزميل محمد جمال الدين والزميل اسامة سلامة يسيران طبقا للمبادئ الراسخة لمجلة روزاليوسف التى تنتصر للشعب المصرى ومصلحته فوق كل المصالح .
فروزاليوسف تصدر فى مصر ولمصر وللعروبة المستقلة والباحثة عن تطبيق العدالة الاجتماعية ونشر الكرامة الإنسانية لكل العرب من المحيط للخليج.
وضعت أمامكم هذا التوجه الواضح لأبناء روزاليوسف عبر السنين لأنه دستور تطبقه الأجيال دون أن يمليه عليهم أحد.
وعندما حاول أحد ابنائها تغيير المسار لإخضاع روزاليوسف لتعبر عن تيار التوريث ، انصرف القراء عنها ولم تستطع المجلة الصمود حتى قامت ثورة 52 يناير 1102 ، فكنست حملة المباخر الذين روجوا للتوريث وعادت روزاليوسف لتلعب دورها التاريخى من جديد وإن كان من خلال المجال الإليكترونى وليس الورقى ، وروزاليوسف الإلكترونية تتفاعل اليوم مع القراء عبر القارات وبشكل لم يسبق له مثيل.
اردت إيضاح هذا الأمر قبل رواية القصة التاريخية التى جعلت من مؤسسة روزاليوسف المؤسسة الوحيدة فى مصر التى يتمتع ابناؤها بالعدالة الاجتماعية قبل أن تبشر بها ثورة 52 يناير 1102 ، وذلك من خلال أمر إدارى أصدره عبدالرحمن الشرقاوى يوم الخامس عشر من شهر أكتوبر عام 2791 إلى كاتب هذه السطور.
أقول لكم الصدق لم أكن مقتنعا بما أمرنى به عبدالرحمن الشرقاوى وهو يسلمنى خطاب إسناد العمل الإدارى إلى جانب العمل الصحفى الذى كنت أقوم به فى ذلك الزمان.
ولكنى وعدت بضرورة تطبيق ومراعاة العدالة الاجتماعية فى كل قرار خاص بالعاملين فى مؤسسة روزاليوسف.
لم يكن أمامى شىء ملموس أبدأ منه ، ولكن سلمت الأمر لله - عز وجل - وقلت فى عقل بالى ربنا وحده هو الذى سوف يقودنى إذا كان يريد لى النجاح فى هذه المهمة.
صباح اليوم التالى ( 61 أكتوبر 2791) اقترب منى وأنا فى طريقى إلى مكتبى بالدور السابع أحد العمال بقسم التجليد.
نظرت إليه وقلت : عايز حاجة يا محمود
قال لى : أيوه
قلت له : عايز إيه ؟!
قال : خمسين قرش سلف
وضعت يدى فى جيبى وأخرجت المحفظة وأخرجت منها خمسين قرشا ودستها فى يد محمود عبدالرحمن عامل التجليد قائلا :
خد يا محمود
ألقى بها فى الأرض صائحا أنا لا أشحت يا استاذ لويس.. أنا عاوز خمسين قرش سلفة من مرتبى !
قلت له ضاحكا : وماله يا محمود خدها وآخر الشهر ردها لى كسلفة منى.
التقط الخمسين قرشا من الأرض وأخذها وسار فى طريقه
أحسست أننى أخطأت وجرحت محمود ثم انشغلت فى أمور أخرى.
وبعدها بأسبوع فوجئت بالعامل محمود عبدالرحمن يقف بباب مكتبى
وفعلا كتب سلفة بخمسين قرش وأشرت عليها بالصرف من الخزنة.
وهكذا تعلمت الدرس الأول فى الإدارة، لم يمض أسبوع حتى فوجئت بالعامل محمود عبدالرحمن يقف بباب مكتبى طالبا سلفة بمبلغ خمسين قرشا ايضا.
وبعد أن أنهيت إجراءات صرف السلفة لمحمود اتصلت بالشئون الإدارية وطلبت زميلة اسمها إقبال السباعى لأننى أعلم عند تعيينها أنها تحمل ليسانس خدمة اجتماعية.
قلت لزميلتى إقبال السباعى وهى اليوم زميلة صحفية تكتب فى مجلة روزاليوسف :
- إقبال أنت دراسة خدمة اجتماعية وأنا عاوزك تقرى ملف العامل محمود عبدالرحمن بقسم التجليد وتسأذنيه فى زيارة منزلية وأريد أن تقومى ببحث اجتماعى عن أسرته وهى فرصة يا إقبال إنك تطبقى العلم الذى تعلمتيه فى الجامعة فى مقر عملك بروزاليوسف.
- بعد اسبوع جاءتنى الزميلة إقبال السباعى ، ومعها ورقتان فولسكاب دونت بهما بحثها من خلال زيارة أسرة العامل محمود عبدالرحمن بقسم التجليد بمؤسسة روزاليوسف. وإلى الأسبوع القادم