أنا متأكد أن جميع المثقفين يعرفون أن الأزهر الشريف لم يكن يدرس الفقه والفكر الإسلامي وعلوم الشريعة فقط ويعرفون الدور الكبير الذي كان يلعبه علي جميع المستويات. وعلي الرغم من ذلك أرجو أن تسمحوا لي أن أعيد إلي الذاكرة أن الطبيعة والرياضيات والفلسفة والكيمياء كانت تدرس بالأزهر من سالف الزمان ولكن عندما بدأ الوهن يدب في جسد العالم الإسلامي انعكس هذا الوهن علي الأزهر وقد تكون هناك صعوبة في تحديد العلة والمعلول. ربما كان ضعف العالم الإسلامي أساسا مرتبطاً بالضعف الذي طرأ علي الأزهر والعكس طبعا وارد أيضا وأغلب الظن أن الربط هو ربط غير خطي تماما كما هو في نظرية «الشواش» أو الفوضي المحددة التي تحدثت عنها مرارا. علي كل حال وبدون أي معرفة عن الفوضي مجددة كانت أو لم تكن كان هذا هو شعور المصلح المصري الأكبر رفاعه رافع الطهطاوي. لم يرتح الطهطاوي إلي الحال في الأزهر عندما التحق به ولذلك انضم إلي حلقات دراسة الشيخ «حسن العطار» أحد كبار علماء الأزهر الذي كان يشعر بالضيق لما آل إليه الحال في الأزهر ويدعو إلي التجديد والانفتاح علي العلوم التي تسمي خطأ بالعلوم الغربية وهي من في الحقيقة ملك الإنسان الذي خلقه الله، بالإضافة إلي أنها علوم أوصلها علماء العرب إلي الغرب الذي أهمل حتي تراثه الاغريقي ونساه ولم يعد له ذاكرته إلا العلماء المسلمون والمسيحيون واليهود الذين كانوا يدرسون ويكتبون ويفكرون باللغة العربية. عودة اهتمامي برفاعة الطهطاوي والأزهر لم تأت من فراغ.. عندما عدت التفاعل مع المجتمع المصري منذ نحو سبعة عشر كان من حسن حظي أني دعوت لالقاء محاضرة في مكتبة المعادي التي هي تحت الرئاسة الشرفية لسيدة مصر الأولي الفاضلة سوزان مبارك. جاءت الدعوة من الأستاذ «ياسر عثمان» عن المكتبة ومن الدكتورة «كريمة الأنصاري» عن جمعية رفاعة الطهطاوي التي اشتركت في تنظيم الندوة، والدكتورة كريمة الأنصاري هي من أحفاد الرائد والمنور الأكبر في بداية تاريخ النهضة الحديثة لمصر وكان لي معها أحاديث طويلة. صاحبت أخي الحبيب أديب مصر الكبير جمال الغيطاني الذي عقب علي كلمتي ونشر تقريرا عن الندوة في جريدة الجمهورية بتاريخ 28 نوفمبر 2003م ثم 15 ديسمبر 2003م في جريدة صوت المعادي. ملخص ما قلت هو أن إضعاف مصر لابد أن يبدأ بأضعاف التعليم.. كانت هذه خطة الغرب بعد إجهاض نهضة محمد علي باشا الكبير.. أخطأ الخديو عباس ربما عن غير قصد ولكن عن جهل عندما أغلق قلم الترجمة ومدرسة الألسن وواقعيا نفي رفاعة الطهطاوي إلي السودان. وهذا كله لأن الطهطاوي ادخل اللغة الفرنسية والعلوم الأوروبية إلي مصر يوسع وهم أعداء مصر والمسئولون عن فشل مشروع جده محمد علي باشا و«النكسة» التي أصابت مصر. ألم أقل لكم إن الطريق إلي جهنم مفروش بالجهل والتسرع في الحكم علي سطحيات الأمور.. «الخديو سعيد» بدأ بإعادة الطهطاوي وعينه في المدرسة الحربية وكيلا ولكن كان سعيد ذا سياسة ارتجالية فأغلق المدارس مرة ثانية لتوفير المصاريف ونجح الغرب.. ونكمل غداً