2 / 1 / 1992 مكانة مصر عندما تقلد الدكتور بطرس بطرس غالي، في الثاني من يناير سنة 1992، مهام منصبه المرموق، سكرتيرا عاما للأمم المتحدة، أضافت مصر إلي سجل انجازاتها صفحة مشرقة جديدة مضيئة، جديرة بالفخر والمباهاة والاعتزاز. تتزايد الأدلة والبراهين، كل يوم علي ريادة مصر وتفردها وتميزها، وعند النظر إلي ما يشغله نوابغ المصريين من مراكز دولية وآخرهم الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار الناجح والسياسي المثقف والفلاح ابن البلد، تبدو فكرة المقارنة - مجرد المقارنة - مع الدول القزمية فقيرة الحضارة دون نظر إلي الثراء المادي، أقرب إلي العبث، ذلك أن مكانة الأمم العريقة تتشكل عبر تراكمات عديدة، تشمل التاريخ والجغرافيا والطاقة البشرية، فكيف لدويلات ولدت بالأمس القريب أن تناطح مصر، التي بزغ منها فجر الضمير؟ الدكتور بطرس غالي سليل العائلة ذات التاريخ السياسي الحافل، نموذج مشرف للمصري الناجح في أداء المهام والالتزام بشرف الوظيفة الدولية، وقد أثبت الأستاذ الجامعي والسياسي المحترم والعالم المتمكن أن التربة المصرية خصيبة لا تتوقف عن العطاء والإبداع، وأن الوطن العظيم بمثابة الجامعة التي يتخرج فيها الأفذاذ الأكفاء من أصحاب الموهبة، ولا متسع عند الحديث عنهم إلي توقف عند انتماء ديني أو سياسي، فالبطولة للهوية المصرية. مئات من المصريين الناجحين ينشرون العلم والوعي في شتي بقاع العالم وتشرف المؤسسات الدولية والجامعات ومراكز البحوث والمستشفيات والمعامل بما يقدمون من إضافة إلي نهر الحضارة، أجمل ما في هؤلاء أنهم يحققون النجاح تحت راية مصرية لا تعرف الذبول، قد تنأي بهم المسافات عن الوطن، لكنه أقرب إليهم من حبل الوريد، ذلك أنه كامن مستقر في القلب والروح والعقل. الدكتور بطرس بطرس غالي شاب تجاوز التسعين بقليل، فهو مسكون بالقوة والحيوية، ويواصل العمل بدأب وإصرار وإخلاص، وتتعدد الملفات التي يديرها ويشرف عليها، ويترجم وطنيته إلي سلوك عملي بلا شعارات، وسلاحه الأهم هو الرؤية الاستراتيجية التي تراهن علي مستقبل أفضل، تصنعه الإرادات الواعية والعقول الناضجة الحكيمة، والبوصلة المرشدة هي الانتماء الأصيل الذي لا يعرف الذبول ولا يطوله الوهن.